على الرغم من الهدنة التي أُقرّت في 2 إبريل/نيسان 2022 بين أطراف الصراع في اليمن، إلا أن عشرات المسلحين التابعين لجماعة الحوثيين سقطوا منذ مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، في مناطق سيطرتهم برصاص مواطنين أو بكمائن لمسلحين قبليين أو باشتباكات، ما يكشف عن حالة الاحتقان الشعبي ضد الحوثيين في مناطق سيطرتهم. وسقط في محافظة البيضاء، وسط البلاد، الواقعة تحت سيطرة الجماعة، العدد الأكبر من الحوثيين، وضمنهم 20 حوثياً بكمين نفذه مسلحون قبليون، الاثنين الماضي.
تزايد الاحتقان الشعبي ضد الحوثيين
وفي محافظة إب الواقعة وسط البلاد، ازداد الاحتقان الشعبي ضد الحوثيين مع بروز بوادر انتفاضة ضد جماعة الحوثيين، أبرزها المسيرات الجماهيرية التي أعقبت تصفية الحوثيين للناشط المناهض لها حمدي الخولاني، الملقّب بـ"المكحل" في مارس/آذار 2023.
ومنذ مطلع يناير الماضي شهدت المحافظة أكثر من ثلاث حوادث. فقد قُتل القيادي الحوثي، أبو طارق النهمي، قائد وحدة التدخل السريع في قوات الأمن الخاص بمحافظة إب وثلاثة من مرافقيه، الثلاثاء الماضي، خلال اشتباكات مع مسلحين في منطقة الجوازات في مدينة إب.
وفي حادثة أخرى، تعرض مسلح حوثي للقتل في نقطة عسكرية لجباية ضرائب القات على يد أحد بائعي القات عقب خلافات بين الجانبين، تطورت إلى حد قيام بائع القات بقتل المسلح الحوثي. وفي حادثة ثالثة قتل مسلح حوثي خلال اشتباكات بينية داخل الصالة المغلقة بمدينة إب، التي تتخذها الجماعة ثكنة عسكرية.
الاحتقان الشعبي ضد الحوثيين تصاعد مع تتالي الاشتباكات الداخلية بين عناصر الجماعة، وامتدادها إلى محافظة الضالع، وسط البلاد، التي يسيطر الحوثيون على أجزاء منها. واندلعت اشتباكات مسلحة بين قياديين في جماعة الحوثي أسفرت عن قيام مشرف الحوثيين بقطاع الفاخر بقتل المشرف الحوثي المنتمي لمديرية الحشأ ويدعى سامي محمد الجنيد.
في محافظة عمران، شمالي البلاد، التي تعد من أهم معاقل جماعة الحوثيين، قُتل القيادي الحوثي محمد محمد صالح يوسف، المعين من الجماعة مشرفاً لعزلة سيران الغربي بمديرية شهارة، على يد أحد المواطنين عقب محاولة القيادي الحوثي الاعتداء على المواطن.
ويأتي هذا العدد من القتلى بالإضافة إلى مقتل أكثر من 100 من مسلحي الجماعة منذ مطلع العام الحالي، معظمهم يحملون رتباً عسكرية عليا، وقضى المسلحون في جبهات القتال، وفي الضربات الأميركية والبريطانية التي تستهدف مواقع عسكرية تابعة للحوثيين.
الضغط الشعبي ضد الحوثيين
وحول هذه التطورات، رأى الكاتب الصحافي سلمان المقرمي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الغضب الكامن في صدور الناس ضد الحوثي، بدأ يتفجر على شكل عمليات مقاومة فردية مسلحة، بدأت بقتل قيادات حوثية متعددة من مختلف المناصب، كان أعلاهم أركان عمليات المنطقة العسكرية السادسة في الجوف منتصف السنة الماضية، لكنها تستمر في عدة اتجاهات".
ولفت المقرمي إلى أن هذه "المقاومة تكون فردية أو في بعض الأحيان جماعية، تنفذها مجموعة مسلحة أو قبيلة معينة، ليس لها بعد سياسي في حد ذاتها سوى الدفاع عن النفس، لكنها في طريقها إلى أن تكون عمليات مقاومة منظمة في المستقبل القريب، بأهداف سياسية".
وأشار إلى أن ما حدث في إب مثلاً أو في الجوف وعمران "يتزامن مع كثافة الاحتجاجات السلمية ضد مليشيا الحوثي، في الأسابيع الماضية، إذ منذ بدء السنة الجارية نُظم ما لا يقل عن ست تظاهرات في أمانة العاصمة، تحديداً في ميدان السبعين، ضد مليشيا الحوثي".
وبرأي المقرمي فإن "الاحتجاجات السلمية، والعمليات العسكرية المقاومة المتزامنة، تشير بوضوح إلى موقف شعبي بدأ يتجرأ على مليشيا الحوثي، ولم يعد يخافها ولا يخاف بطشها، ولا قوتها العسكرية، ولا ردة فعلها. صحيح أن هذه التظاهرات وعمليات القتل والاغتيالات ما زالت محدودة لكنها تتعاظم بسرعة، وهي من مؤشرات انهيار صورة الرعب في صدور الشعب".
الناشط السياسي ماجد العامري قال لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع قتلى مسلحي الجماعة في مناطق سيطرتهم دليل على حالة الاحتقان الشعبي ضد الحوثيين المتنامي داخل هذه المناطق ضد الجماعة وسلوكياتها. وهو دليل إضافي على أن الشعب ضاق ذرعاً بهذه الجماعة التي تمارس سياسة التجويع والتضييق على الحقوق والحريات، وتمارس الاستبداد والاستعباد بحق المواطنين، ولهذا من الطبيعي أن يكون مسلحو الجماعة هدفا للقتل لدى المواطنين الذين يدافعون عن كرامتهم وحقوقهم المستباحة والمسلوبة".
وأضاف العامري، أن "جماعة الحوثيين قامت أصلاً على فكرة الحرب وثقافة الموت، وبالتالي فالهدنة المعلنة في إبريل 2022 تضاعف من حالة الاحتقان والضغط الشعبي على الجماعة، التي تهرب إلى الحرب باعتبارها البيئة المناسبة لها، ولذا نلاحظ محاولات التصعيد في الجبهات بين الحين والآخر، أي أن الجماعة تهرب من التزاماتها إلى الحرب، خصوصاً مع تنامي الصوت المطالب بالحقوق وفي مقدمتها الرواتب المقطوعة منذ 2016.