مع انطلاق عاصفة طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر الماضي بتنا أمام خريطة ملاحية جديدة في منطقة البحر الأحمر، وما يرتبط بأدوات تلك الخريطة من مشروعات ملاحية واستراتيجية مهمة للتجارة العالمية مثل مضيق باب المندب وقناة السويس، وربما تمتد الخريطة لدائرة أوسع لتشمل المحيط الهندي وخليج العرب ومضيق هرمز.
في اليمن، انتقلت جماعة الحوثي من مرحلة التهديد باستهداف السفن الإسرائيلية العابرة للبحر الأحمر، وتلك التي تمر قبالة السواحل اليمنية إلى مرحلة الفعل والتنفيذ، وبالفعل استولت يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على السفينة "غالكسي ليدر" الإسرائيلية وعليها آلاف السيارات.
وهددت الجماعة بالاستيلاء على المزيد من السفن التي تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية عقابا على جرائم جيش الاحتلال في قطاع غزة واستهداف المدنيين الفلسطينيين.
وهددت كذلك بتوسيع الهجمات على الممرات الملاحية في منطقة بحر العرب، وكذلك في الدول الأفريقية، وهو ما رفع منسوب القلق لدى الشركات الإسرائيلية وتكلفة التأمين عليها، مع التسبب في طول رحلاتها، وهو ما يعني مزيد من التكلفة.
لم تكتف الجماعة بذلك بل هاجمت مدناً وموانئ إسرائيلية تقع على سواحل البحر الأحمر وتمثل مواقع استراتيجية لتجارة دولة الاحتلال مثل مدينة وميناء إيلات. كما استهدفت صواريخها ومسيراتها مدينة تل أبيب.
أعقب هذه الخطوات تعرض سفينة حاويات مملوكة لملياردير إسرائيلي، الأسبوع الماضي، لهجوم بطائرة مسيرة في المحيط الهندي.
ويوم الاثنين الماضي صعّد الحوثي من عملياته العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث أطلق صاروخين باليستيين على المدمرة "يو إس إس ميسون"، الأميركية، بعد اعتقال المدمرة 5 أشخاص حاولوا اختطاف سفينة مملوكة لإسرائيلي هو إيال عوفر في خليج عدن.
وأول من أمس الأربعاء أعلنت شركة الشحن البحري الإسرائيلية "زيم"، تحويل سفنها عن قناة السويس، بدعوى زيادة المخاطر والأوضاع الأمنية في بحر العرب والبحر الأحمر. وفي حال تجدد الحرب على غزة فإن المخاطر قد تتزايد.
كل تلك التطورات وغيرها يمكن أن تؤثر سلبا على الملاحة البحرية والتجارة الدولية المارة عبر المضايق في المنطقة، وفي مقدمتها باب المندب على البحر الأحمر الذي يمر به سنويا نحو 25 ألف سفينة، أو 7% من التجارة البحرية العالمية، وكذا على مضيقي هرمز على خليج العرب.
والأهم على قناة السويس، وهي واحدة من أهمم الممرات الملاحية في العالم، حيث ينتقل من خلالها 10% من التجارة الدولية، وتعد واحدة من أبرز موارد النقد الأجنبي في مصر.
حتى الآن لا تزال التجارة العالمية شبه مستقرة في البحر الأحمر رغم تهديدات الحوثي، وبالتالي فإن الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها القناة المصرية لا تزال محدودة ومتواضعة.
لكن في حال زيادة المخاطر واتساع رقعة استهداف الحوثيين للسفن الإسرائيلية أو التي ترفع العلم الإسرائيلي، وتصاعد المواجهة سواء بين القوات الأميركية في المنطقة والحوثي، أو بين قوات الاحتلال والجماعة اليمنية، فإن المخاطر ستزيد على قناة السويس.
ترتفع تلك المخاطر في حال تراجع أسعار النفط في الأسواق الدولية رغم زيادة المخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وخفض تحالف أوبك + ، وهو ما قد يدفع دول الخليج إلى استخدام ممر رأس الرجاء الصالح في عبور شاحنات النفط والغاز الكبرى بهدف خفض التكلفة، وهو ما حدث في مرات سابقة منها فترة تهاوي أسعار النفط في العام 2020.