شهد أمس الإثنين محادثات، لليوم الثالث على التوالي، بين الوفدين العُماني والسعودي اللذين يزوران صنعاء، وقيادات جماعة (الحوثيين)، ضمن جهود التوصل إلى تسوية سياسية للحرب في اليمن التي تدخل عامها التاسع.
وتترقب الأوساط السياسية اليمنية إمكانية الإعلان عن اتفاق عقب انتهاء زيارة الوفدين السعودي والعُماني إلى صنعاء، واللذين يُرجح أنهما حملا ملفات عالقة إلى قيادات الحوثيين بصنعاء، تعثّر الاتفاق عليها خلال الأشهر الماضية من المحادثات الثنائية التي تجري بوساطة عُمانية.
وخلق التقارب السعودي الإيراني دفعة قوية لإنهاء الحرب في اليمن، والتي تسببت خلال السنوات الثماني الماضية بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة، وأسفرت عن سقوط مئات الآلاف من القتلى والجرحى اليمنيين من المدنيين وأطراف النزاع في جبهات القتال.
وأفاد مصدر مقرب من جماعة الحوثيين "العربي الجديد"، بأنّ "المفاوضات تدور خلال اليومين الماضيين حول الجداول الزمنية للاتفاق، وطرق دفع الرواتب، والمشاورات الداخلية بين الأطراف اليمنية (الحوثيين والحكومة الشرعية)، بالإضافة إلى ملفات أخرى متعلقة بفترة ما بعد الانتهاء من الحرب".
وقال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه إنّ "جلسات المفاوضات والنقاش بين الوفدين السعودي والعُماني وقيادات "أنصار الله" (الحوثيين) تعقد بشكل مغلق"، "معرباً عن اعتقاده أنها "في المراحل النهائية".
وتحمل تصريحات قيادات الجماعة في الأيام الماضية مؤشرات على صعوبة المحادثات. وقال عضو المجلس السياسي للحوثيين محمد علي الحوثي، مساء أمس الإثنين، إنّ "الحوار مع السعودية، باعتبارها تقود العدوان بعد أميركا، قائم على هذا الأساس، ولم يبرح الملف الإنساني، وإن نتائجه ستعلن عبر القنوات الرسمية"، وفق ما نقلته عنه وسائل إعلام حوثية.
السفير السعودي في صنعاء أخبار السفير السعودي في اليمن: زيارتي إلى صنعاء تهدف لتثبيت الهدنة واتهم الحوثي من سماه "العدو"، بتعمّد ضخ التسريبات والإشاعات عند كل جولة مباحثات، بغية هزّ الجبهة الداخلية، وفق قوله، مضيفاً: "حاضرون لكل الخيارات. إن أرادوا السلام، فنحن أهل السلام، وإن أرادوا الحرب، فقد جربونا 8 سنوات"، على حدّ تعبيره.
وكان رئيس الوفد التفاوضي الحوثي محمد عبد السلام، قد قال، يوم السبت الماضي عقب وصوله إلى صنعاء برفقة الوفد العُماني، إنّ المطالب "تتمثل في وقف العدوان، ورفع الحصار بشكل كامل، وصرف مرتبات جميع الموظفين، وخروج القوات الأجنبية (قوات التحالف السعودية الإماراتية) من اليمن، والتعويضات، وإعادة الإعمار".
كما رد عبد السلام على التسريبات بشأن مسودة السلام الشامل التي انتشرت في الأيام الماضية، بالقول: "لا تهمنا التسريبات، وما يهمنا هو ما يتحقق على أرض الواقع، ونترك الأمور للنهايات"، وفق تصريح تلفزيوني نقلته وسائل إعلام حوثية.
في المقابل، قال القيادي في الجماعة محمد البخيتي، أول من أمس الأحد، عبر "تويتر" إنه "لا حاجة للبحث عن تفسيرات غير واقعية لتبرير المفاوضات ما بين صنعاء (الحوثيين) والرياض، وتجب تسمية الأشياء بمسمياتها، فالسعودية ليست وسيطاً، وإنما طرف في الصراع".
وأكد في تغريدته: "نحن غير مستعدين للتفاوض معها مرة ثانية من خلال رشاد العليمي (رئيس المجلس الرئاسي اليمني) الذي تم تعيينه من قبلها، ولكن هذا لا يغني عن الحاجة لحوار يمني-يمني دون أي تدخلات خارجية".
وتؤكد السعودية أنها وسيط لإنهاء الأزمة اليمنية، إذ أكد السفير السعودي محمد آل جابر أنّ زيارته إلى صنعاء تأتي دعماً للمبادرة التي قدمتها بلاده في العام 2021، وهو ما يرفضه الحوثيون، ويعتبرون أنها طرف في الحرب.
وقال آل جابر، مساء الإثنين، في تغريدة عبر "تويتر"، إنّ زيارته إلى صنعاء، و"بحضور وفد من سلطنة عُمان الشقيقة، هي بهدف تثبيت الهدنة، ووقف إطلاق النار، ودعم عملية تبادل الأسرى، وبحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام في اليمن".
وفي مارس/ آذار 2021، أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، عن مبادرة سعودية لحلّ الأزمة اليمنية، تستند إلى وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة، داعياً حينها الحوثيين والحكومة اليمنية للقبول بها.
وتشمل المبادرة فتح مطار صنعاء الدولي أمام عدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية، وتخفيف القيود عن ميناء الحديدة، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة.
ورأى الباحث اليمني في الشؤون الإيرانية الخليجية عدنان هاشم، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "المفاوضات تتجه نحو النجاح، وسنشهد هدنة في وقت قريب، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، فدائماً ما كانت التفاصيل في بنود الاتفاقات وتفسيرات الأطراف لها العقبة الأبرز في الاتفاقات السابقة، وحتى معرفة بنود الاتفاق سيتضح لنا كيف ستبدو المرحلة المقبلة لليمن".
وأضاف أنّ "السلام الدائم في اليمن بحاجة إلى استعادة الدولة ورمزيتها كضامن لحلّ مستدام، وهذا يتم من خلال بحث مصير المليشيات والجماعات المسلحة، حيث إنّ بقاءها سيؤدي إلى إشعال الحرب من جديد في أي وقت".
ولفت هاشم إلى أنّ "بناء الثقة بين جميع الأطراف مهم من أجل سلام مستدام، والملف الإنساني سيكون اختباراً لجميع الأطراف، بالإضافة إلى معالجة المظالم التي حدثت خلال الحرب، وضمان مرحلة جديدة تؤسس لعدالة انتقالية شاملة للجميع".
من جانبه، رأى المحلل السياسي مصطفى ناجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا سلام بلا إنصاف وعدالة انتقالية، ثم إنّ السلام يُبنى بهدم مسببات ومقومات الحرب: العنف السياسي والأيديولوجي، واستخدام السلاح والتجييش الطائفي وخطاب الكراهية، وشره الاستحواذ على السلطة والمال والنفوذ، واقتصاد الشركاء، ونسف قيم المواطنة المتساوية".
إلى ذلك، قال أحمد جابر (34 عاماً) وهو موظف حكومي في العاصمة صنعاء، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ السلام أصبح حلماً بالنسبة لليمنيين، مستطرداً: "لكن لا سلام بلا التزام بصرف المرتبات، وفتح الطرقات، وحرية التنقل بين المحافظات اليمنية"، مضيفاً أنّ "السلام المستدام يتطلب مساهمة جميع الأطراف في حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها كل المكونات وتتحمل المسؤولية".