يضع المواطن، مطلق شائف الأحمدي، من سكان مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة جنوب شرق اليمن، الطاقة الكهربائية في طليعة المشاكل والأزمات التي يقاسون تبعاتها الكارثية من عام لآخر بشكل مضاعف يجعلهم في حيرة من أمرهم في ظل الثمن الباهظ الذي يدفعونه على كافة المستويات نتيجة تردي هذه الخدمة وعدم التفات السلطات الحكومية المحلية لمعاناة المواطنين والعمل على تخفيفها. يتحدث هذا المواطن لـ"العربي الجديد"، من عاصمة أهم محافظة يمنية نفطية وغازية وغنية بالثروات الطبيعية، التي يقضي سكان جميع مناطقها أغلب فترات يومهم بالظلام بدون كهرباء. وتتصدر مشكلة انقطاع الكهرباء وضعف التيار اهتمامات اليمنيين في جميع المدن والمناطق والمحافظات، إذ يكتوون معاناتهم التي تصل إلى ذروتها في مثل هذه الأيام من شهر رمضان مع تحول نظام الحياة اليومي من النهار إلى المساء. ويعتبرها تاجر من محافظة المهرة شرق اليمن، قيس دحران، في حديث لـ"العربي الجديد"، من أهم أسباب ارتفاع الأسعار وعدم انخفاضها بصورة مناسبة بالذات مع توفر عوامل عديدة تدفعها لذلك. ويقول مواطنون وتجار وعمال من سكان مدينة عدن، لـ"العربي الجديد"، إنهم فقط "يسمعون جعجعة ولا يرون طحيناً" في إشارة إلى الخطط والتحركات الحكومية في هذا القطاع وشحنات الوقود التي تقدمها السعودية كمساعدات لتشغيل محطات توليد الطاقة العامة.
يؤكد المواطن عمار حمود، أن الناس وصلوا لمرحلة صعبة وخاصة مع قرب قدوم الصيف بينما أزمة الكهرباء تراوح مكانها، حسب تعبيره. في السياق، بحث المجلس الحكومي الأعلى للطاقة في اجتماع عقده مطلع الأسبوع بعدن، إجراءات مواجهة احتياجات عدن والمناطق الخاضعة لإدارة الحكومة المعترف بها دولياً من الطاقة الكهربائية والوقود، وتجاوز التحديات القائمة، وسبل المعالجة السريعة لمشاكل القطاع المتفاقمة. وأشار مسؤول حكومي، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إلى تحديد مجموعة من الحلول العاجلة التي لم يذكرها، لتحسين خدمة الطاقة الكهربائية وفق الإمكانات والبدائل المتاحة أمام الحكومة لتخفيف معاناة المواطنين في ظل استفحال هذه المشكلة بصورة تفوق قدرات المؤسسات والجهات العامة المختصة على مواجهتها. وفشلت الحكومة اليمنية في تحقيق أي اختراق ملموس لإصلاح قطاع الطاقة الكهربائية الذي يواصل تدهوره بشكل سريع مع توسع اختلالاته مخلفة المزيد من منافذ النهب والتكسب غير المشروع والاستغلال، الأمر الذي يضاعف من أعباء ومعاناة اليمنيين خصوصاً سكان المناطق الساحلية الذين يترقبون صيفا ساخنا آخر دون حلول تساعدهم على مواجهته. الخبير الهندسي في مجال الطاقة الكهربائية هارون الشميري، يعدد في حديثه لـ"العربي الجديد"، مجموعة من التدخلات التي وعدت الحكومة اليمنية بتنفيذها خلال الفترة الماضية ولم يلمس هذا القطاع أي انعكاس ملموس لها، مثل معالجة مشكلة شراء الطاقة التي تستمر بالتضخم وسط شبهات فساد واسعة، والخلل القائم في التعاقدات الخاصة بشراء الطاقة البديلة، وإصلاح محطات التوليد المتقادمة، وإدخال محطات تشغيل جديدة إلى الخدمة. ويؤرق تضخم فاتورة استيراد الوقود السلطات اليمنية التي تقف عاجزة عن الحد منها بالتوازي مع تنفيذ خطط معلنة سابقاً لإصلاح محطات توليد الطاقة الحكومية المتهالكة بصورة تجعلها نافذة أخرى للاستنزاف المالي والفني والتقني. كانت المؤسسة العامة للكهرباء في عدن قد دعت الشهر الماضي إلى سرعة التدخل لتأمين وقود محطات الكهرباء، بعد إيقاف "توربين" بترومسيلة عن الخدمة جراء نفاد الوقود الخام.
وأكد المجلس الأعلى للطاقة في اليمن العمل على صيانة محطتي المنصورة و"ارتسيلا"، والحسوة الحرارية في عدن، وكذا توفير الوقود الخام لتشغيل محطة الرئيس الجديدة 264 ميغا واط وتصريف الطاقة المنتجة خلال الصيف القادم، إضافة إلى إعادة تأهيل الخطوط الكهربائية التي تربط عدن بمحافظتي لحج وأبين المجاورتين، وكذا اعتماد محطة بقوة 30 ميغا واط لمحافظة تعز جنوب غربي اليمن. في المقابل، تعيش صنعاء ومدن أخرى في شمال اليمن على وقع استفحال أزمة الكهرباء، إذ دفع ذلك السلطات المختصة في العاصمة اليمنية إلى اتخاذ عديد القرارات والإجراءات ومنها إعادة النظر في اللائحة المؤقتة لتنظيم أنشطة ملاك المولدات الكهربائية الخاصة بتوليد وتوزيع الطاقة الكهربائية. المحلل الاقتصادي محمد عبد الرحمن، يوضح لـ"العربي الجديد"، أن الكهرباء التجارية ستكون بمثابة كارثة على سكان المناطق الساحلية مع قدوم وارتفاع الاستهلاك بالنظر إلى تردي الوضع المعيشي وصعوبة تعامل المستهلكين مع الفواتير بالسعر المدعوم المخفض والذي لا يزيد على 20% من التكلفة الرسمية الحقيقية المعتمدة، بينما فواتير الكهرباء التجارية تزيد عن 70%. الجدير بالذكر أن بيانات رسمية تقدر إجمالي إنفاق أكثر من مليون أسرة يمنية على الكهرباء سنوياً بنحو 21.3 مليار ريال، فيما يقدر الاستهلاك بـ 21.6 مليار ريال، وذلك بسعر صرف الدولار قبل حوالي سبع سنوات والذي كان يصل إلى 250 ريالا. وقد يتجاوز إجمالي الإنفاق على الكهرباء حالياً وفق سعر الصرف الراهن الذي يصل إلى نحو 1250 ريالا للدولار الواحد، 100 مليار ريال، ما يجعلها في طليعة الخدمات التي تشكل عبئا كبيرا على اليمنيين وتساهم في نهب ما توفر لهم من دخل.