يتذكر اليمنيون مع حلول كل رمضان، الإعلامي الراحل، يحيى علاو، بعد ما يزيد على عقد من وفاته وأفول نجمه على الشاشة، وسط عجز الإعلام اليمني عن ملء مكانه حتى الآن كما يقول مواطنون.
ويحيى علاو، معد ومقدم برامج، بثت على التلفزيون الرسمي وقناة السعيدة الخاصة، على مدى سنوات، قبل أن يتوفى في العام 2010، بعد معاناة من مرض السرطان.
ويستذكر المشاهد اليمني علاو في كل رمضان، الذي لطالما كان برنامجه الشهير "فرسان الميدان" واحدا من طقوس هذا الشهر.
أعوام كثيرة مضت على رحيله، إلا أن ذكراه تتجدد، حيث لا يزال فقدانه يشكل فراغا لدى اليمنيين وأثرا في قلوبهم، من خلال إطلالته عبر برنامج "فرسان الميدان"، الذي كان مرآة لتفاصيل الأرض والإنسان على امتداد اليمن.
"علامة فارقة"
وفي السياق، يرى أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة قطر وعميد كلية الإعلام بجامعة صنعاء سابقا، عبد الرحمن الشامي أن "الناس لا يتذكرون إلا من يحبون".
وقال الشامي في حديث خاص لـ"عربي21" إن علاو استطاع أن يحجز مساحة واسعة من الحب في قلوب الناس، بدليل تذكرهم له حتى اليوم رغم مضي سنوات على وفاته.
وأضاف: "برنامجه كان علامة فارقة في برامج المسابقات الرمضانية، ولم يستطع أحد تقديم برنامج يحظى بالشعبية التي حظي بها برنامجه، رغم محاولة البعض محاكاة فكرة البرنامج، وأسلوب مقدمه، ولكنهم فشلوا".
وحسب أستاذ الإعلام فإن هناك برامج تصنع علامة فارقة بالنسبة للوسيلة الإعلامية في حد ذاتها، وتحقق شعبية كبيرة لدى الجمهور، مؤكدا أن برنامج "علاو" ـ فرسان الميدان ـ كان أحد هذه البرامج على الساحة العربية، والأوحد على الساحة اليمنية.
وأشار الأكاديمي اليمني إلى أن علاو كان لديه كاريزما خاصة، سواء في ظهوره، أو أسلوب تقديمه، كما أن القائمين على البرنامج كانوا يبذلون جهدا مضاعفا في إعداده وتقديمه.
واعتبر الأكاديمي الشامي أن الراحل علاو، يعد قامة كبيرة، وهامة سامقة في تاريخ الإعلام اليمني، ويعتبر ضمن أشخاص يعدون بأقل من أصابع اليد الواحدة الذين مثلوا علامة فارقة في تاريخ التليفزيون اليمني، وإذا ذكروا، فهو واحد منهم، بل وأبرزهم.
وأوضح أن تأثير برنامجه، وشخص علاو نفسه كل لا يتجزأ... ففقرات البرنامج المتميزة، وحرصه على تجديده عاما تلو الآخر، وأسلوب تقديمه وبساطته في التقديم هو ما قربه من قلوب الناس، وجعله وبرنامجه يتربعان على عرش برامج المسابقات التليفزيونية الرمضانية كل عام، وفقا للدراسات التي كانت تتم كل عام على نسب المشاهدة، بحسب الشامي.
"من الطراز الرفيع"
من جانبه، قال الإعلامي اليمني، خليل القاهري إن الفراغ الذي تركه علاو ولم يتم ملؤه مرده إلى عدة أسباب منها ما يتعلق بطبيعة البرنامج الذي قدمه على مواسم عدة ومنها ذات صلة بشخصية الرجل ومستواه المهني والعلمي الذي كان يفرض نفسه بالضرورة.
وأضاف القاهري وهو معد ومقدم برامج في التلفزيون الرسمي في حديثه لـ"عربي21" أن الراحل علاو، قدم برنامجا ذا مادة غير عادية، ربما أن محتواها كان على قدر كبير من الرصانة والرزانة والعمق الذي يثير فضول المتابعة ويعزز مستوى المشاهدة لحلقات البرنامج الأشهر في حياة اليمنيين.
وأشار إلى أن ما كان يعرضه البرنامج من معلومات في جوانب التاريخ والدين والسياحة وفقرات الألعاب وغيرها، كان اليمنيون يتطلعون إليها بشغف شديد يشدهم إلى ساعة بث البرنامج الذي كان يلم شتات الأسرة اليمنية بصغارها وكبارها حتى مع انتشار الفضائيات.
وأما العوامل المتصلة بشخصية مستوى الرجل، وفقا للقاهري، فقد كان مذيعا من الطراز الرفيع القادر على ملء مكانه وسد كل جوانب النقص باقتدار، وهو ما جعل منه عالِما يسأل ويناقش ويشرح كل جوانب الأسئلة وبعد ذلك الإجابات ويتوسع في التوضيح حتى لكأنه موسوعة دون الحاجة إلى الورق ووسائل المساعدة.
فضلا عن "عوامل بساطة الرجل وتلقائيته التي تفرض نفسها بدون تكلف واستدعاء، فهو شاب مع الشباب من جمهور البرنامج في الميدان وهو رجل عجوز ومسن مع الكبار والمسنين، وهو بروح طفل في حضرة الأطفال، وهكذا".
وأكد الإعلامي القاهري وهو زميل للراحل "علاو"، على أن الإعلام التلفزيوني اليمني عجز ولا يزال عن تعويض مكانة علاو، لأنه ببساطة لم يستطع أن يلد "علاواً جديدا".
وقال إن كل محاولات استنساخ علاو وبرنامجه كانت بمثابة "مجرد وقوف على الأطلال"، متسائلا في الوقت ذاته: فكيف للإعلام أن يلد عالما جليلا ولغويا فذا وفقيها محدثا ومذيعا ومقدما مرحا وبسيطا ومثقفا في آن واحد؟
وأردف: "فملء مكانة الراحل علاو لم يتحقق حتى اللحظة".
وأشار القاهري إلى أن علاو كان بمثابة جيل وحقبة من زمن الإعلام الذي أعاد الاعتبار للمجال والمهنة والمكان والزمان الذي وُجد فيه.
ولفت إلى أن تأثير علاو على الجماهير يكاد يكون بسبب العوامل السابقة مجتمعة، ولكنه استدرك قائلا: "التأثير الأكبر مرتبط بإنسانية الرجل وتواضعه ودماثة أخلاقه، وكذا تخصيصه حيزا مهما من برنامجه لتفقد المحتاجين ومنح بعض جوائزه إليهم، بدون منّ ولا تلميح ولا مذلة".
وقال القاهري: "لك أن تعلم أنه بشكل أو بآخر كان يقطع مسافات طويلة ليطرح سؤالا على أسرة يعرف أنها معدمة فتنال نصيبا من جوائز برنامجه، وهذا بدوره عزز حب الملايين له".
"لم يكن مجرد إعلامي"
من جهته، قال الصحفي اليمني، طلال الشيبة إن الراحل علاو، لم يكن مجرد إعلامي، بل صاحب رسالة نحتت في أذهان اليمنيين الكثير من المعلومات، أسماء المناطق، الألعاب، الأسواق، العادات، التقاليد والفن والثقافة والإبداع.
وتابع الشيبة حديثه لـ"عربي21": إنه من خلال برنامجه المتميز "فرسان الميدان" ما زالت روحه مقترنة بشهر رمضان حتى في غيابه، ونتذكر جيدا كيف كانت ملامحه صارمة عند طرحه الأسئلة الثقافية والمتنوعة والألغاز وحكاياته عن حضارة اليمن وتاريخه.
وذكر أن "علاو كان إعلاميا متمكنا سواء على مستوى اللغة والثقافة والاطلاع، لذا يفتقده اليمنيون في الشهر الكريم بعد أن عجت القنوات اليمنية ببرامج متشابهة رديئة تفتقد للمحتوى والأداء"، حسب وصفه.
كما أكد على أن الراحل لم ينل المكانة المستحقة، من قبل الحكومات اليمنية، ولم يلتفت إليه أحد وهو الذي قضى بمرض السرطان في العام 2010، لكنه نال حب اليمنيين وكل من شاهدوه.
وكان برنامج "فرسان الميدان" الذي كان يعده ويقدمه "علاو" عبارة عن برنامج مسابقات، يجوب من خلال الرجل مناطق اليمن المختلفة، ويبث على التلفزيون الرسمي، خلال شهر رمضان، قبل أن ينتقل للعرض في سنواته الأخيرة على قناة السعيدة الخاصة.