يثير النشاط السياسي الذي يمارسه قائد ما تسمى "المقاومة الوطنية" المدعومة من دولة الإمارات، طارق صالح ـ وهو أيضا عضو في المجلس الرئاسي ـ عبر المكتب السياسي التابع لهذه القوات التي يقودها، في عدد من المحافظات، وآخرها إنشاء فرع جديد للمكتب في مديرية قعطبة الخاضعة لسيطرة قوات مشتركة موالية للحكومة المعترف بها، والتي تتبع إداريا محافظة إب (وسط البلاد) حساسية في أوساط قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام (الجناح المؤيد للشرعية)، كون الرجل يتكئ على حضور هذا الحزب لبناء نفوذه السياسي.
وتجمع قيادات بحزب المؤتمر على أن طارق صالح، الذي أصبح عضوا في المجلس الرئاسي، يستغل حالة التشظي والانقسام التي عصفت بالحزب على مدى السنوات الماضية، ويتحرك في مساحة الحضور الشعبي والاجتماعي للمؤتمر، واستقطاب قيادات منه إلى المكتب السياسي الذي أسسه عام 2021، وهو ما أثار علامات استفهام وأسئلة عدة عن موقف قيادات حزب المؤتمر البارزة في السلطة الشرعية، وفي مقدمتهم، رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي.
ومن التساؤلات المثارة؛ لماذا يحاول طارق صالح إحلال نفسه ومكتبه السياسي ككيان مواز، على أنقاض حزب المؤتمر الذي كان يتزعمه، عمه علي عبد الله صالح، والغارق حاليا في الانقسامات والصراع؟
" جزء من المؤامرة"
وفي السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء وعضو اللجنة العامة بحزب المؤتمر اليمني، عادل الشجاع أن طارق صالح "جزء من مؤامرة كبرى تسعى إلى تفكيك حزب المؤتمر على غرار تفكيك حزب البعث في العراق، كون المؤتمر حامل للمشروع الوطني وقاسم مشترك بين كل الأحزاب".
وقال الشجاع في حديث لـ"عربي21": "ولهذا لم يعمل طارق على استعادة دور الحزب، بل سعى إلى ضرب مقوماته المتمثلة بأعضاء مجلس النواب ودفع ثمنهم للانتساب إلى مكتبه السياسي لكي يجهز على الأكثرية المؤتمرية داخل البرلمان".
وأكد الأكاديمي والقيادي بالحزب أنه وبنفس الوقت يسعى طارق صالح إلى ضرب اللوائح والأنظمة الناظمة للحزب من خلال تغيير المسمى وطمس معالمه وإطلاق تسمية العفافيش، وحينما تستقر هذه التسمية فإنها ستلغي مسمى المؤتمر.
وأشار إلى أن النشاط الذي يمارسه طارق، يأتي في إطار تصفية المشروع الجمهوري، حتى وإن سمى الكيان الذي أسسه "حراس الجمهورية"، موضحا أنه منذ تأسيس هذا الكيان العسكري لم يقم بأي عملية تستهدف الحوثيين.
وحسب عضو اللجنة العامة بحزب المؤتمر فإنه من الواضح أن طارق "واحدة من الأدوات التي تسعى إلى ضرب مشروع الجمهورية باسم الجمهورية، وهو يتحرك في الوسط الشعبي لحزب المؤتمر مستفيدا من شعبية الحزب ومما تركه الزعيم المؤسس علي عبدالله صالح، خاصة بعد انتفاضته التي فجرها في وجه عصابة الحوثي"، وفق تعبيره.
ويشهد حزب المؤتمر تشظيا وانقساما غير مسبوق، منذ اندلاع ثورة 11 شباط/ فبراير في العام 2011 مرورا بما يعرف بـ"الانقلاب الذي قاده الحوثيون خريف 2014، وصولا إلى أحداث كانون الأول/ديسمبر 2017 التي انتهت بمقتل زعيم الحزب صالح".
وبعد مقتل صالح، انقسم الحزب إلى تيارات عدة، الأول "موال للحوثي في صنعاء"، والثاني "محسوب على نجله أحمد"، المقيم في دولة الإمارات، بالإضافة إلى تيار ثالث موال للرئيس عبدربه منصور هادي سابقا، والسلطة الشرعية.
"المسألة ليست توزع نفوذ"
من جانبه، قال رئيس مركز نشوان الحميري للدراسات، عادل الأحمدي إنه لا يعتقد، أن هناك من في مؤتمر الشرعية من ما يزال يعتبر طارق صالح منافساً.
وأضاف الأحمدي في حديثه لـ"عربي21"إن ما يقوم به ـ نجل شقيق صالح ـ ما هو إلا كنتيجة لمراحل طويلة من العمل على إزالة الحواجز والابتعاد عن المعارك الجانبية الحزبية. اظهار أخبار متعلقة
وتابع بالقول: "وسواء حزب المؤتمر أو غيره.. فليس من مصلحة أي حزب أن يقدم حساباته الحزبية على حساب حقيقة أكبر مفادها أن الجميع خاسر ما لم تتوحد الكلمة ويتم تجاوز خلافات الماضي من أجل تحرير اليمن من المليشيات الكهنوتية (الحوثيين) التي لا تريد لأي يمني البقاء كريما معززا، حتى أتباعها تعمل لإفنائهم".
وأشار رئيس مركز نشوان الحميري للدراسات إلى أن العميد طارق صالح عضو مجلس قيادة رئاسي ورئيس لمكون سياسي وقائد عسكري ميداني، وليست المسألة حزبية أو توزيع نفوذ.
وقال إن اليمن بحاجة لأن يقول الجميع للمحسن أحسنت وللمخطئ أخطأت. وأوضح الأحمدي : "لسنا بصدد انتخابات"، لافتا إلى أنه لو تم الرجوع إلى تصريحات وخطابات العميد طارق صالح منذ سنوات ستجدونها موجهة في اتجاه واحد وهو رص الصفوف وطي صراعات الماضي التي تسلل الحوثي من بين شقوقها، وتوجيه الجهد نحو تحرير البلد من الحوثية واستعادة الدولة.
"استفاد ووظف علاقاته"
من جهته، قال الخبير اليمني في علم الاجتماع السياسي، عبد الكريم غانم إنه بعد مضي ثلاث سنوات على تأسيس المقاومة الوطنية في الساحل، غرب مدينة تعز، تم الإعلان عن تأسيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، برئاسة طارق صالح.
وتابع غانم حديثه لـ"عربي21": ففي ظل افتقار هذا التشكيل العسكري للحاضنة الاجتماعية في الساحل، كان من الطبيعي البحث عن إطار سياسي، لاسيما أن معظم قوات المقاومة الوطنية مكونة من جنود وضباط ينحدرون من محافظات وسط وشمال اليمن.
وأضاف أنه ومن شأن تأسيس المكتب السياسي والتوسع في فروعه أن يتيح لهذا الفصيل التنافس مع القوى السياسية الأخرى لنيل حصته من السلطة والنفوذ السياسي، استنادًا لرصيد المؤتمر الشعبي العام، الذي تعرض للانقسام، لحظة اجتياح قوات الحوثي للعاصمة صنعاء أواخر العام 2014، مؤكدا أن العديد من الشخصيات السياسية التي شاركت في تأسيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية هي شخصيات معروفة في حزب المؤتمر، الحزب الحاكم السابق في عهد علي عبد الله صالح.
وحسب الخبير اليمني فإن المكتب السياسي للمقاومة الوطنية استفاد من رؤية المؤتمر للحكم، فقد نجح طارق صالح في توظيف علاقاته ببعض قيادات المؤتمر المناهضة لمشروع الحوثي لتوسيع مكتبه السياسي، مستفيدًا من حالة الجمود التي تعرض لها العمل الحزبي في اليمن إبان الحرب.
وأردف قائلا: كما أن سهل تهامة الذي تتمركز فيه قوات طارق صالح، على ساحل البحر الأحمر، هو منطقة جغرافية مهمشة سياسيًا، الأمر الذي يفسر سعي الرجل ومكتبه السياسي لمد نفوذه السياسي في المحافظات المحيطة بالساحل ومنها محافظتي تعز وإب (جنوب غرب ووسط البلاد).
وأوضح الخبير في علم الاجتماع السياسي أنه بعد مضي عامين على تأسيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية جاء تأسيس رابع فرع له في مديرية قعطبة بمحافظة إب، بعد فتح فروع المكتب في تعز وشبوة ومأرب، (جنوب وشمال شرق البلاد).
واعتبر المتحدث ذاته أن توسع المكتب السياسي في العديد من المحافظات، يعد مثيرًا لمخاوف بعض الأحزاب السياسية بشأن احتمال استئناف دور عائلة صالح في السياسة.
وقال إنه في ظل عجز القيادات المؤتمرية الحالية عن لم شتات المؤتمر الشعبي العام، وهو ما يتيح الفرصة أمام طارق صالح، من خلال قيادته للمكتب السياسي للمقاومة، لاستثمار الرصيد الرمزي للمؤتمر، وقاعدته العريضة في تعزيز نفوذه السياسي.
ووفقا لغانم فإن التحدي الذي يمثله اتساع نطاق نفوذ المكتب السياسي للمقاومة في محافظات تعز ومأرب وإب وشبوة، لا يقتصر على المؤتمر الشعبي العام بل يشمل مكونات سياسية أخرى منها التجمع اليمني للإصلاح الذي ينظر لتحركاته بعين الشك و الريبة، في ظل تحالفه مع الإمارات العربية المتحدة التي تسعى جاهدةً لتدمير حزب الإصلاح، الذي تتهمه بالارتباط بجماعة الإخوان المسلمين،في ظل التوجهات الإقليمية الرامية لإزاحة الجماعة عن السلطة في اليمن.
ومضى قائلا: يقدم المكتب السياسي للمقاومة نفسه كوريث شرعي ليس فقط لحزب المؤتمر والأحزاب غير الدينية الأخرى التي باتت أكثر انقسامًا وتشظيًا، بل وريثًا لمختلف المكونات السياسية، بما فيها الأحزاب والجماعات الدينية كحزب الإصلاح وجماعة الحوثي.
ولفت إلى أن المقاومة الوطنية التي وُجدت لمنع وصول قوات الحوثي إلى مضيق باب المندب، يمكن لمكتبها السياسي على أقل تقدير، الوقوف كحاجز صد للحؤول دون تمدد نفوذ حزب الإصلاح -غير المرغوب فيه إماراتيًا- من مدينة تعز إلى الساحل.
وأكد الخبير في علم الاجتماع السياسي على أن المكتب السياسي الذي يتزعمه، طارق صالح، نجح حتى الآن في تجنب الصدام مع الأحزاب السياسية الأخرى، من خلال اشتغاله على القواسم المشتركة التي تجمعه بها وتفادي الخوض في نقاط الخلاف والتصادم، باستثناء جماعة الحوثي التي يعتبرها التهديد الحقيقي للنظام الجمهوري وللمشاركة السياسية.
وكان طارق صالح، الذي يقود قوات ما تسمى "المقاومة الوطنية" وبدعم من أبوظبي، قد أعلن في آذار/ مارس 2021، عن تأسيس المكتب السياسي برئاسته، والذي اعتبر حينها بأنه ذراع سياسي لهذا التشكيل الذي يتزعمه في مدن الساحل الغربي على البحر الأحمر.
وبعد عام تقريبا على إنشاء المكتب السياسي لطارق صالح في مدينة المخا الساحلية غرب محافظة تعز، أعلن عن تأسيس فرع له في محافظة شبوة في مدينة تعز، المركز الإداري للمحافظة ذات الاسم.