أثار الاتفاق المفاجئ بين الخصمين الإقليميين، المملكة العربية السعودية وإيران، هذا الشهر الآمال في أن الحرب في اليمن قد تنتهي، بعد أكثر من 7 سنوات من الأعمال العدائية التي شهدت مقتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين وتركت البلاد بحالة خراب.
لكن الخبراء يحذرون من أنه حتى إذا وافقت المملكة العربية السعودية على إنهاء العمليات العسكرية، فإن الحرب في اليمن ستكون أبعد ما تكون عن الانتهاء، وقد تصبح أكثر شراسة.
لقد بدأت كصراع أهلي بين الفصائل اليمنية وتحولت إلى حرب شاملة في عام 2015 عندما تدخل التحالف الذي تقوده السعودية عسكريًا لدعم الحكومة المحاصرة هناك. لكنها أصبحت في النهاية حربًا بالوكالة بين إيران -التي اتُهمت بتسليح الحوثيين- والسعودية، والساحة الرئيسية لتنافسهما على النفوذ الإقليمي.
تحرص كل من الرياض وطهران الآن على دفن الأحقاد، ويقول محللون إن اتفاقهما على تطبيع العلاقات يتضمن على الأرجح بنودًا لتخفيف الخصومة بينهما في اليمن.
يقول أحمد ناجي، كبير المحللين لشؤون اليمن في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل، إن التقارب قد يغير الحسابات الإقليمية حول اليمن، ولكن من غير المرجح أن يحل الصراع الداخلي بسرعة.
قال ناجي لـCNN: "قد نشهد تغييرًا في العنصر الإقليمي للصراع، لكن قد تكون الأمور أكثر صعوبة على المستوى المحلي، لأن الصراع في الأساس محلي وليس إقليميا".
بينما تركز الأمم المتحدة الآن على تمديد وقف إطلاق النار في اليمن، والذي صمد إلى حد كبير منذ أبريل/نيسان 2022 على الرغم من عدم تجديده رسميًا في أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن ناجي قال: "قد تستغرق الأمور وقتًا طويلاً قبل أن نرى تغيرًا محليًا في النزاع".
كان الصراع في اليمن يتفاقم منذ أكثر من عقد. ففي عام 2012، أطاح المتظاهرون بالرئيس آنذاك علي عبدالله صالح بعد عام من انتفاضات الربيع العربي في 2011 التي اجتاحت المنطقة.
وسيطر المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران في عام 2014على العاصمة صنعاء، وأطاحوا في النهاية بالرئيس آنذاك عبدربه منصور هادي.
تفاقم الصراع عندما شكلت المملكة العربية السعودية في عام 2015 تحالفًا عسكريًا تدخل في اليمن لإعادة حكومة هادي المعترف بها دوليًا. لا يزال الحوثيون والتحالف كلاهما عالقا في مأزق منذ ذلك الحين.
رفض الحوثيون عرضا سعوديا لاستضافة محادثات بين الفصائل اليمنية، قائلين إن الرياض طرف في الصراع ولا يمكنها أن تكون وسيطًا نزيهًا. لكنهم يجرون الآن محادثات مباشرة مع المملكة العربية السعودية، متجنبين الجماعات المحلية الذين في حالة حرب معهم، وكذلك الأمم المتحدة، التي حاولت لسنوات التوسط للتوصل إلى اتفاق سلام.
قال المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو جماعة انفصالية مدعومة من الإمارات العربية المتحدة وتسيطر على الأجزاء الجنوبية من اليمن، لـCNN، في بيان، إنه لن يكون ملزماً بأي اتفاق سعودي حوثي يمس الأمور المتعلقة بالجنوب "سواء من الناحية الإدارية أو الأمنية أو في الأمور المتعلقة بمشاركة الموارد".
وأضاف البيان أن "الرياض قد عزلت جميع أصحاب المصلحة المعنيين من هذه المحادثات"، وأكد المجلس أنه يدعم المفاوضات إذا اقتصرت على تمديد الهدنة ولم تتناول إلا المخاوف الأمنية السعودية.
وقال مسؤول إماراتي لـCNN في بيان إن بلاده "تدعم جهود المملكة العربية السعودية للانخراط المباشر مع مليشيات الحوثي" ويقدر دورها في "دفع الجهود متعددة الأطراف للتوصل إلى حل سياسي للأزمة في اليمن برعاية الأمم المتحدة".
يقول بعض المحللين إن الانسحاب السريع للسعودية من البلاد يمكن أن يمكّن الحوثيين المدججين بالسلاح ويمنحهم حرية نشر نفوذهم دون عوائق.
قال طالب الحسني، محرر في قناة "المسيرة" الإخبارية التي يديرها الحوثيون والمقرب من الجماعة: "إذا استمرت السعودية في انتظار اتفاق يمني يمني قبل مغادرتها، فإنها ستنتظر سنوات عديدة". وأضاف لـCNN أن الحوثيين "يركزون الآن على كيفية خروج المملكة العربية السعودية والإمارات من الصراع" وإعادة اليمن إلى الوضع الراهن قبل الحرب، عندما سيطروا على العاصمة.
وقال الحسني إنه بمجرد انسحاب التحالف، سيشهد اليمن إما "وساطة سريعة" بمساعدة طرف محايد، أو العودة إلى الحرب الأهلية. وأضاف أنه في كلتا الحالتين من المرجح أن يخرج الحوثيون منتصرين.
وافق ناجي من مجموعة الأزمات الدولية على أن "الحوثيين يشعرون أنهم ينتصرون في الحرب".
تضغط الأمم المتحدة من أجل وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني في اليمن حيث تحاول "البناء على الزخم الحالي نحو تسوية سياسية شاملة ومستدامة".
تم طرح العديد من السيناريوهات حول الشكل الذي قد تبدو عليه اليمن بعد الحرب. قال المجلس الانتقالي الجنوبي لـCNN إنه يريد عودة اليمن إلى الوضع الذي كانت عليه قبل عام 1990 عندما تم تقسيم البلاد إلى شمال اليمن وجنوب اليمن.
يقول المحللون إن الحوثيين يرفضون احتمالات الانقسام، حتى من خلال الكونفدرالية، ويصرون على يمن موحدة يسيطرون فيه على العاصمة. وليس من المرجح أن تقبل كل من السعودية والإمارات ذلك السيناريو، بل إنه قد يعيدهم إلى الحرب.
كتب جريجوري دي جونسون، زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن (AGSIW) وعضو سابق في فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن: "تراهن السعودية على أن التعامل مع إيران والحوثيين سيسمح لها بإخراج نفسها من اليمن، لكن في أحسن الأحوال هذا بعيد المنال".
وأضاف: "الحوثيون ليسوا على وشك التوقف عن قتال خصومهم في اليمن، بصرف النظر عن الصفقة التي توقعها الجماعة مع السعودية، وهذا الواقع خطير بالنسبة للمملكة، التي يمكن أن تجد نفسها بسهولة منغمسة بالصراع في اليمن مرة أخرى".
وقال المسؤول الإماراتي لـCNN إن "الحكم في اليمن وسلامة أراضيه قضية يجب أن تقررها الأطراف اليمنية نفسها"، مضيفًا أن الإمارات "ملتزمة بكل جهود السلام الدولية التي تؤدي إلى استئناف العملية السياسية".
قال فارع المسلمي، زميل باحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "تشاتام هاوس"، لـCNN، إن ثقة الجانب السعودي في الحوثيين ضئيلة للغاية، مضيفًا أن السعوديين قد يكونوا قلقين بشأن الاعتراف بالحوثيين كلاعب سياسي رئيسي في اليمن ومن تفاجئهم باحتمال تراجعهم عن أي ضمانات. وأضاف: "من الواضح أن وقف الحرب أصعب بكثير من البدء بها".