يعاني اليمن من إشكالية كبيرة في توفير الدواء لعموم المستهلكين وسط فوضى عارمة تجتاح الأسواق المحلية واستمرار تفشي عديد الظواهر الكارثية كالتهريب والتقليد في ظل ارتفاع قياسي في الأسعار واختفاء كثير من الأصناف. وزادت الأدوية المقلدة والمهربة في السوق اليمني بنسبة تفوق 70%، حسب عاملين في القطاع لـ"العربي الجديد"، الأمر الذي يعرض حياة المرضى للخطر. ساهم التقاعس الحكومي وغياب الرقابة والأدوار المشبوهة لبعض الجهات المختصة في إغراق واسع للأسواق المحلية في اليمن بالأدوية الفاسدة وقد أنعشت الحرب الدائرة هذه النوعية من التجارة. وتؤكد الجمعية اليمنية لحماية المستهلك أن التقليد والتزوير أديا إلى انتشار الأدوية غير الصالحة للاستخدام البشري في اليمن بسبب من وصفتهم بضعفاء النفوس والمزورين الذين يقومون بتغيير فترة الصلاحية. وتكشف مصادر تجارية رسمية لـ"العربي الجديد"، عن ضبط مطابع ومخازن ومعامل لإنتاج وتزوير الأدوية من قبل نيابة الصناعة والتجارة، والجهات المختصة وذلك نهاية العام الماضي 2022.
ويعزو رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك فضل منصور، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أسباب تفشي ظاهرة التقليد والتزوير إلى الحصار الذي رافق الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية. ويشير إلى أن هناك تضخما وتوسعا لهذه المشكلة حيث أصبحت الأسواق تغرق بالأدوية المهربة والمزورة والتي شكلت عديد المخاطر على المرضى، موضحا أن الأدوية تتطلب طرق نقل وحفظ وتخزين بدرجات حرارة محددة.
وبرز التقليد المصاحب للتهريب كحل لتوفير الدواء، وذلك بغطاء رسمي أحيانا بحجة نقص المعروض لكثير من الأصناف خصوصاً المتعلقة بالأمراض المزمنة والتي لا تتوفر فيها المعايير الصحية والمواصفات القياسية، حسب رئيس جمعية حماية المستهلك.
ويبين منصور أن تجارة التقليد والتهريب في اليمن لها أدواتها وطرقها ومن يحميها ويساعدها على انتشارها دون إدراك الخطر القاتل من وراء ذلك.
الخبير القانوني في المعاملات التجارية خالد الصبري، يتطرق في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى مشاكل تتعلق بالوضع المؤسسي في الدوائر والجهات العامة الرسمية والإجراءات البيروقراطية الإدارية لمنح التراخيص للوكلاء وشركات الأدوية المحلية، الأمر الذي أدى إلى انعدام الكثير من الأصناف الأساسية.
ويوضح أن هناك عديد الأساليب المبتكرة في التقليد والتزوير والتي تستغل ضعف الرقابة، منها وضع بيانات صحية مغلوطة على بعض الأصناف لرفع سعرها.
برز التقليد المصاحب للتهريب كحل لتوفير الدواء، وذلك بغطاء رسمي أحيانا بحجة نقص المعروض لكثير من الأصناف خصوصاً المتعلقة بالأمراض المزمنة
وحسب عاملين في القطاع، تتركز عملية التهريب في دول محددة منها الهند والإمارات ومصر والأردن.
ويشرح الصيدلي عيسى نعمان، لـ"العربي الجديد"، أن الجهات العامة المعنية بقطاع الدواء تفتقر للأدوات اللازمة التي تمكنها من عملية الفحص وإجراء بعض الاختبارات والتحاليل المتعلقة بالأدوية.
وترى جمعية حماية المستهلك والهيئة العامة للمواصفات والمقاييس أن الأدوية الأساسية يجب أن تستورد من شركات معترف بها دولياً والتي لديها وكلاء معتمدون في اليمن.
ويعتقد عضو في الاتحاد اليمني لمنتجي الأدوية، فائز سنان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التشوهات والاختلالات الحاصلة في سوق الدواء زادت بصورة تفوق قدرات الدولة، حيث أصبح الجميع يلهث وراء الربح السريع ولو على حساب صحة وحياة المستهلكين، مرجعاً السبب الرئيسي الذي يقف خلف الارتفاع المتواصل في الأسعار والذي يتجاوز المستويات القياسية إلى الاحتكار الذي يسيطر على هذا القطاع.