أصدر رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي، مساء أول من أمس الأحد، مرسوماً بإنشاء وحدات عسكرية تسمى "قوات درع الوطن"، كقوات احتياط للقائد الأعلى للقوات المسلحة. ويعكس هذا التطور، بحسب بعض المراقبين، رغبة بإنشاء قوة حماية خاضعة للرئيس نفسه لتحقيق توازن في المجلس المنقسم، وتحجيم دور حلفاء الإمارات المتصاعد في محافظات جنوب البلاد.
ونص المرسوم الرئاسي على أن تلتزم هذه القوات بقانون الخدمة في القوات المسلحة والقوانين ذات الصلة وبتوجيهات القائد الأعلى للقوات المسلحة. ولفت المرسوم إلى أن القائد الأعلى للقوات المسلحة يحدد عدد هذه القوات ومهامها ومسرح عملياتها في أمر عملياتي يصدر عنه.
وأوكل مرسوم آخر قيادة هذه القوات إلى "العميد بشير سيف قائد غُبَيْر الصبيحي"، والمعروف بـ"بشير المضربي الصبيحي"، وهو قيادي سلفي مدعوم من السعودية، بدأ انخراطه في الجانب العسكري إبان مشاركته مع المقاومة في معارك تحرير عدن من جماعة الحوثيين في العام 2015.
وأعلن الصبيحي، في شهر يوليو/ تموز الماضي، عن تشكيل قوات أطلق عليها اسم "ألوية العمالقة الجديدة"، على غرار قوات العمالقة السلفية التي يقودها أبو زرعة المحرمي، عضو مجلس القيادة.
وأشار الصبيحي، في بيان صدر في حينه، إلى أنها "تشكلت بالتنسيق مع مختلف القوى السياسية والعسكرية وتحت قيادة التحالف العربي، ووجدت للدفاع عن الدين والوطن والأعراض، والتصدي للمشروع الفارسي الذي يستهدف كيان الأمة".
وتالياً تغير مسمى تلك القوات إلى قوات "درع الوطن"، وأضيفت إليها ألوية أخرى من قوات تشكلت بدعم سعودي تحت مسمى "قوات اليمن السعيد".
وأواخر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي تسلمت "درع الوطن" أجزاء من قاعدة العند الجوية، ثاني أكبر قاعدة عسكرية في اليمن وتطل على باب المندب وخليج عدن، في خطوة قال مراقبون يومها إنها تهدف لتحجيم دور "الانتقالي" في محافظات الجنوب لصالح قوات أخرى أكثر ولاءً للسعودية.
وعن مكان تمركز هذه القوات، أكدت مصادر عسكرية مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن "ثلاثة ألوية من هذه القوات تتمركز في مناطق متفرقة من محافظة لحج، بما فيها لواء في قاعدة العند الاستراتيجية، كما يوجد لواء في محافظة الضالع، وآخر في عدن، وثالث في أبين، إضافة إلى ألوية ستتشكل في وادي حضرموت"، وهي مناطق يحتفظ فيها المجلس الانتقالي بنفوذ واسع.
وخلال الفترة الماضية، تلقت هذه الألوية دعماً عسكرياً سعودياً كبيراً بما في ذلك عشرات المركبات العسكرية وأسلحة من العيارات المتوسطة والخفيفة، بالإضافة إلى دعم مالي مستمر، بحسب المصدر ذاته.
تشكيك بدستورية قرار العليمي
لكن قرار العليمي أثار تساؤلات في الأوساط اليمنية، تحديداً لجهة أهداف تشكيل قوات جديدة في البلد المكتظ بالتشكيلات المسلحة المنفلتة ومتعددة الولاءات، في مقابل إضعاف الجيش الرسمي، وبشأن مدى قانونية إنشاء مثل هذه التشكيلات بمنأى عن نصوص الدستور والقوانين المنظمة لمثل هذه الخطوة.
ووصف الباحث اليمني المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية علي الذهب، في حديث لـ"العربي الجديد"، القرارات بأنها "غير دستورية، لأن إنشاء قوات يتطلب قانوناً يصوت عليه مجلس النواب وإقراراً من مجلس الدفاع الوطني"، وشدد على أنه "بشكل عام القرار تحصيل حاصل وجاء لإضفاء الطابع القانوني على هذه القوات، وهي قوات قائمة على كل حال".
وانتقد الذهب توصيف "احتياطي استراتيجي" الذي أطلقه القرار على "تشكيل مسلح يفتقر لمعايير الاحترافية والمهنية"، كما اعتبره "إمعاناً في جعل المؤسسة العسكرية لفيفاً من المليشيات المختلفة الهوية، الباعثة للعنف في المستقبل، فضلاً عن الوضع الراهن". وبرأيه فإن قوات الاحتياطي الاستراتيجي يفترض أن يتم اختيارها من أقوى فرق الجيش وأكثرها تنظيماً لا من مليشيات لم يبلغ عمرها سنة.
وحول تبعية هذه القوات، أشار الذهب إلى أنه جرى الإعلان أنها "ستكون تابعة لوزارة الدفاع ورئيس مجلس القيادة، لكنها في الواقع لن تخضع لرئيس مجلس القيادة كلياً"، كما أوضح أنها "قوات سلفية ويقودها أحد طلاب مركز دماج (أحد مراكز العلم السلفية يقع في صعدة، أقصى شمال اليمن، ومنه أطلق الحوثيون آخر معاركهم التي سبقت اجتياح صنعاء عام 2014)، وليس خريجاً من كلية عسكرية، وليس لديه تحصيل أكاديمي عالٍ، فالواضح وضوح الشمس أنها قوات مدعومة سعودياً وستتلقى توجيهاتها من الرياض".
تنافس محموم بين السعودية والإمارات
ويرى الذهب أن إنشاء هذه القوات "ينبئ عن مدى التنافس المحموم على النفوذ في الجنوب بين السعودية والإمارات".
ولفت إلى أنه "صحيح أن السعودية موجودة في الجنوب وتستطيع التدخل هناك في أي وقت من خلال وجودها في التحالف ولديها مراكز نفوذ في عدن وغيرها، ولكن تظل الألوية الأخرى، مثل قوات الدعم والإسناد والأحزمة الأمنية ومكافحة الإرهاب (التابعة للانتقالي)، وتسيطر عليها الإمارات وتدعمها مالياً وتسليحاً، هي الأكثر نفوذاً وهيمنة، وزاد من ذلك توسعها في أبين وشبوة بعد نقل السلطة وما حصل من تحول عسكري وسياسي في المحافظات"، وبرأيه، فإن قوات "درع الوطن" "ستشكل إلى جانب القوات الأخرى الموالية للسعودية معادلة صعبة أمام مناوئي المملكة أياً كانوا، الحوثيين من جهة وأطراف في الحكومة المعترف بها دولياً، والموالين للإمارات داخل الجانب الحكومي من جهة أخرى".
كما أشار إلى أن "هذه القوات بشكل رئيسي ستبقى في عدن بصفتها قوات احتياط، وستكون قوات مهام وقد تنفذ مهام في محافظات أخرى كحضرموت مثلاً".
القرار يهدف للتخفيف من تأثير المجلس الانتقالي على السلطة
وجاء القرار الجديد غداة عودة رئيس مجلس القيادة إلى عدن بعد نحو شهرين قضاهما في الرياض التي غادر إليها في مطلع ديسمبر/ كانون الأول للمشاركة في القمة العربية الصينية. وهناك عقد اجتماعات بمجلس القيادة الذي يمتنع أعضاؤه عن العودة إلى العاصمة المؤقتة منذ غادروها خلال منتصف العام الماضي، نتيجة الاضطراب الأمني في المدينة الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات.
وعقب الإعلان عن نقل السلطة من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي لمجلس القيادة الرئاسي في السابع من إبريل/ نيسان 2022، استفرد المجلس الانتقالي المطالب بانفصال جنوب البلاد والمسيطر على عدن بمعظم القرارات الصادرة عن مجلس القيادة، وحاول شرعنة تحركاته لقضم بقية المحافظات في جنوب البلاد. وفي أغسطس/ آب الماضي شن حملة عسكرية سيطر خلالها على شبوة بعد معارك ضد قوات الجيش والأمن الحكومي، ما تسبب في توسع الهوة بين أعضاء المجلس المنقسم، وغادر من تبقى منهم عدن واستقروا خارج البلاد.
وفي الشهر ذاته، أطلق "الانتقالي" عملية عسكرية في محافظة أبين تحت مسمى "عملية سهام الشرق"، ووجه العليمي حينها بإيقاف العملية وعدم تنفيذ أي تحركات أو مهام عسكرية إلا بقرار منه، من دون أي استجابة من قبل قوات المجلس التي استمرت في تنفيذ عملياتها التي لا تزال مستمرة.
وهكذا ظهر رئيس مجلس القيادة هو الحلقة الأضعف في مجلس الأقوياء، إذ لا قوة عسكرية تسنده كحال بقية الأعضاء.
من ناحيته، توقع الناشط السياسي والإعلامي اليمني عبد الرزاق قاسم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن يكون لهذه القوة تأثير إيجابي لصالح العليمي، وأن يخفف وجودها "من تأثير المجلس الانتقالي القوي على السلطة التي تشكلت في 7 إبريل الماضي، وأن تسند إليها مهام لها علاقة بتثبيت سلطة العليمي في مدينة عدن"، كما أكد أن "هذا أمر سيمنحه قدرة على إدارة الدولة واتخاذ القرارات بحرّية أكثر بعيداً عن تأثيرات الانتقالي الذي يستفيد من سيطرة تشكيلاته على العاصمة المؤقتة ومعظم محافظات الجنوب". كما رجح قاسم أن يكون لهذه القوات حضور في محافظات جنوب البلاد "على حساب قوات المجلس الانتقالي"، وبرأيه، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي "سيعمل على عرقلة هذا القرار وربما يصل الأمر إلى مقاومته والتصعيد بهدف إفشاله".
وأشار قاسم إلى أن قرار تشكيل هذه القوات نص على أنها "قوات احتياط استراتيجي وفي العادة هذا النوع من القوات يكون انتشارها العملياتي وتمركزها بالقرب من مركز السلطة، وتتولى المهام التي يمكن وصفها بالسيادية في أعمال الجيوش"، ولفت إلى أن هذه المهام "هي تأمين مقرات الحكم والمطارات ومؤسسات الحكم المهمة بالإضافة إلى المداخل والحاميات المؤثرة على الوضع الأمني في العواصم أو المدن التي يحكم منها الرئيس، وهذا كله إذا تم لن يكون في صالح الانتقالي بالمطلق".
السعودية ترفض تحركات الانتقالي
من جانبه، أوضح الناشط الإعلامي الحضرمي ماجد الكثيري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن لواءين من القوات المعلن عنها "جميع أفرادهما من أبناء وادي حضرموت وبقيادة حضرمية" سيصلان إلى وادي حضرموت خلال فبراير/ شباط المقبل، لتعزيز الأمن والاستقرار ودعماً للمنطقة العسكرية الأولى.
كما أشار الكثيري إلى أن "السعودية ترفض تحركات الانتقالي ومحاولاته نقل العنف إلى وادي حضرموت، وترى في قيادات المنطقة العسكرية الأولى الصدق والإخلاص، ولطالما أكدت على القبائل ضرورة وقوفها إلى جانب المنطقة"، كما لفت إلى أن هذه القوات ستأتي "لإسكات الانتقالي، والذي يتخذ من انتماء الكثير من أفراد المنطقة لمحافظات شمالية مبرراً لنقل العنف إلى المحافظة".