يحتشد آلاف اليمنيين منذ اللحظات الأولى لانطلاقة بطولة كأس العالم 2022 في قطر، في أماكن متفرقة من كل محافظة ومدينة وريف يمني لمشاهدة أحداث المونديال وتفاصيله ومبارياته وما يرافقها من تغطيات وبرامج ولقاءات وتحليلات، ويحرصون على عدم تفويت أي لحظة من لحظات هذا الحدث الكروي العالمي لأول مرة في دولة عربية.
يتجمّع مشجعو الساحرة المستديرة في أماكن متعددة بمختلف مدن وأرياف اليمن أمام الشاشات العملاقة التي نصبتها وزارتا الشباب والرياضة في المحافظات سواء التابعة للحكومة الشرعية أو تلك الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين، وكذلك في الاستراحات والمقاهي والمنازل، ويتفاعلون بشكل لافت ومثير للدهشة مع كافة مجريات ومظاهر وتفاصيل التصفيات النهائية لبطولة كأس العالم لكرة القدم الحالية، وذلك منذ انطلاقتها في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
ويُشجّع يمنيون العديد من المنتخبات المشاركة في البطولة، وخصوصاً العربية منها، كما يرتدون ملابس الفريق الذي يشجعونه.
انتزاع الفرحة من بين الآلام
ورغم تدهور الأوضاع المادية والمعيشية والإنسانية لليمنيين، إلا أن الشغف بالرياضة وحب كرة القدم يسكنهم ويدفعهم للتجمع واللقاء سواء في الأماكن المعدة رسمياً لمتابعة مجريات بطولة كأس العالم أو التوجه نحو المقاهي أو بعض المنازل، وكذا جمع مبالغ مالية للاشتراك في القنوات الناقلة لأحداث المونديال والتجمع لمشاهدة مجرياته، في مشهد يعكس اقتناصهم فرص الفرح ومشاركة لحظات إنسانية تنسيهم مرارة الواقع.
ويلجأ كثيرون ممن يصعب عليهم الوصول إلى الأماكن التي تتواجد فيها الشاشات العملاقة أو غيرها من الوجهات الأخرى لبدائل أخرى بينها وصل هواتفهم المحمولة بالإنترنت ومشاهدة المباريات بواسطتها، كما يستعينون بتطبيقات لمشاهدة المباريات.
ويوضح مدير مكتب الشباب والرياضة في تعز، أيمن المخلافي، لـ "العربي الجديد"، أن آلاف المواطنين من مختلف الفئات العمرية تجمعوا في عدد من الأماكن الواقعة داخل أو بمحيط مدينة تعز وسط اليمن وهي المحافظة الأولى من حيث عدد السكان واحتشدوا أمام الشاشات الكبيرة التي نصبها مكتب الشباب والرياضة في المحافظة بقرابة 10 أماكن متفرقة، هي ملعب الشهداء وملعب عبد العزيز القاضي في مديرية صالة والغرفة التجارية، واستراحة العامري وميدان حارة الهدى في مديرية القاهرة، إلى جانب ملعب الطائرة المقابل لمستشفى المظفر ومدرسة 26 سبتمبر في مديرية المظفر ومجمع 22 مايو في مديرية مشرعة وحدنان بصبر والصالة المغلقة في نادي الشروق بمديرية المعافر والسينما في مدينة التربة مديرية الشمايتين وساحة المدينة القديمة بمديرية المخا.
ولم تمنع الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015 وما خلفته من دمار وفوضى وحزن وموت ومآسٍ إنسانية وتردٍّ مهول في الأوضاع المادية والمعيشية، من الابتهاج ببطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 ومتابعة فعاليات المونديال ورفع أعلام البلد المستضيف وارتداء ملابس المنتخبات المتنافسة.
ويحاول اليمنيون إظهار البطولة بالشكل اللائق من خلال المتابعة والتشجيع والرقص والغناء وإطلاق الألعاب النارية والتفاعل مع المنتخبات المشاركة واستعراض التجهيزات القطرية البديعة ونشر جداول المباريات ومشاهدة كل ما يدور خلال التصفيات النهائية لكأس العالم 2022، وخصوصاً المباريات وما يرافقها من تغطية إعلامية وتحليلات ونقاشات ولقاءات ونشرات رياضية وغيرها، كما يهنئون المنتخبات المنتصرة والبلدان التي تمثلها وذلك على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعبّر اليمنيون من خلال الرياضة عن بهجتهم ورغبتهم في الحياة ومغادرة الواقع المأزوم والمأساوي الذي خلفته الحرب الدائرة في اليمن للعام الثامن على التوالي.
روح رياضية... تحديات ورهانات
ويذكر نائب مدير مكتب الشباب والرياضة في محافظة تعز، فيصل أسعد، لـ"العربي الجديد" أن الروح الرياضية لليمنيين كبيرة وتفاعلهم مع البطولة لافت، ويظهرون بذلك حباً للبلد المستضيف ويشجعون المنتخب القطري وغيره من المنتخبات العربية ويتطلعون نحو نجاح البطولة لكونها تقام ولأول مرة في بلد عربي ولأنها حدث عالمي مهم ويجمع الفرق المشاركة من مختلف قارات العالم.
ويضيف: "تختلف هذه البطولة والتي تقام كل 4 أعوام من ناحية حجمها وحضورها وجماهيرها ويشارك فيها لاعبون محترفون ومنتخبات مميزة بينها عربية يتشوق اليمنيون لمتابعة أدائها ويشجعونها ويأملون في أن تقدم أداء مميزاً وتدخل التاريخ الرياضي من أوسع أبوابه".
وتبدو هذه البطولة بالنسبة لليمنيين أشبه ببلسم يطيّب جراحهم أو رحلة سياحية أو نزهة تمنحهم جرعة فرح وسعادة وتخرجهم من واقعهم المأزوم، ولذلك يمارسون شغفهم بشكل يومي في الأماكن التي يتجمعون بها من أجل متابعة أحداث البطولة والتي ينظرون إليها من زوايا مختلفة أبرزها البلد المستضيف والمنتخبات المشاركة وخصوصاً العربية.
ويقول الناشط عادل الجرادي لـ "العربي الجديد"، يتابع معظم اليمنيين مجريات مونديال كأس العالم 2022 منذ اللحظات الأولى لانطلاقته، وذلك في المقاهي والاستراحات والبيوت، ويتجمهرون في تعز بشكل لافت في الأماكن التي نصب بها مكتب الشباب والرياضة في المحافظة شاشات عملاقة وهو مشهد حماسي بامتياز ويقوم فيه كل شخص أو عدد من الأشخاص بتشجيع منتخب ويدخلون في تحديات ورهانات ومنافسات مصحوبة بالتصفير والتصفيق.
ويذكر الشاب صهيب الصلاحي لـ "العربي الجديد"، أن يمنيين يتدبرون أمورهم المادية والمعنوية لمتابعة كافة المباريات بنهم ويعبرون عن مدى عظمة الحدث ويتفاعلون مع مجرياته وكأنهم موجودون داخل قطر وهذا ما نلاحظه في أماكن تجمعاتهم من خلال التفاعل والتجمهر والحماس الكبير".
وتعيد البطولة للجماهير اليمنية الشغف والحياة والروح الرياضية، كما تنسيهم ما مر بهم خلال سنوات وتخرج المتابعين في داخل اليمن من أجواء الحرب وتداعياتها إلى عالم الرياضة والمرح والمتعة كما ترفع معنوياتهم.
ويوضح الشاب والرياضي عمر حسن لـ "العربي الجديد": "نحن ننتظر البطولة منذ 4 سنوات ولذلك نذهب لأعمالنا في الصباح وفي المساء نجتمع في أماكن متفرقة وسط مشهد رائع يسوده الأنس ولمة الأصدقاء".