على امتداد الشريط الساحلي الغربي من العاصمة المؤقتة عدن، يرى اليمنيون كارثة بيئية محدقة تهدد الملاحة والمحميات الرطبة وآلاف الصيادين.
منذ انقلاب مليشيات الحوثي أواخر 2014، ظلت 12 ناقلة نفطية صغيرة ترسو في منطقة "المخطاف" في ميناء عدن الدولي دون أن تتلقى أي صيانة، ما أدى إلى تهالك هياكلها لتتحول إلى قنابل ومصادر مرعبة لتلويث البيئة البحرية والحركة الملاحية في الميناء الحيوي.
ولا يعرف عدد الأطنان التي تحملها هذه الناقلات المتهالكة التي تستخدم كخزانات عائمة وتعد شبحا آخر في بحر العرب وبمثابة خطر القنبلة الموقوتة "صافر" الراسية في شمال الحديدة ويتخذها الحوثيون ورقة لابتزاز العالم وتهديد حرية الملاحة في البحر الأحمر والمنطقة.
ووثقت تقارير حديثة لـ"مؤسسة الصحافة الإنسانية" في اليمن ومنظمة (PAX) الهولندية، ابتداء من مطلع يوليو/ تموز الماضي تسربا نفطيا كبيرا استمر لأسابيع من السفينة "لؤلؤة أثينا"، وهي إحدى الناقلات المهجورة في ميناء عدن.
وقدر أحد التقارير للمنظمتين تسرب 40 طنا متريا من المشتقات النفطية، استنادًا لتحليل صور عبر الأقمار الصناعية وذلك بعد عام من غرق الناقلة ضياء 1 الذي تسببت في يوليو/ تموز 2021 بتسرب نفطي واسع النطاق.
بجانب سفينة "لؤلؤة أثينا" التي ترفع علم (مالطا)، هناك سفن "نفط اليمن 6"، (علم رومانيا)، نفط اليمن 1 (السويد)، أميرة البحر 2 (اليابان)، سيشم فينول الأول (مالطا)، الهلال (سيراليون)، إسطنبول 1، مرجان- كورال (سيراليون) تقل وحدها 90 طنا متريا من المازوت، دوكين 1، سيمفوني، شط العرب1، ضياء 1.
وأدى الموقع الاستراتيجي لميناء عدن كأحد أكبر الموانئ الطبيعية في العالم إلى تحوله إلى مكان مثالي لتوقّف السفن لإعادة التزوّد بالوقود إلا أنه بات محاصرا بكارثة بدأت بالفعل آثارها ابتداء من شواطئ "الحسوة" وحتى كود البريقة غربا وما بعد الجسر، طبقا للتقارير.
واليمن ليس ضمن اتفاقية ماربول الموقعة عام 1973، التي تنص على الحد من إلقاء النفايات والتسرب النفطي حفاظا على البيئة البحرية وتلزم ناقلات النفط بمعايير أعلى للسلامة والالتزام بعدم تلويث البيئة.
تهديد المحميات الرطبة الفريدة
هناك نحو 4 آلاف صياد سيفقدون مصدر رزقهم، إثر اعتمادهم قطعيا على مهنة الصيد كمصدر أساسي للدخل وإطعام عائلاتهم.
أحدهم الصياد أحمد بن عامر الذي شاهد التسرّبات النفطية في سواحل عدن في 2 يوليو/ تموز وما زالت الانسكابات تشاهد حتى اليوم.
ويرى بن عامر أن تسريب النفط أو الزيت يضر بالأحياء البحرية بشكل كبير، ويمنع تزويد البحر من الأكسجين، وأن الأضرار في البيئة البحرية تمتد حسب كمية النفط المتسرب وتيارات البحر.
وقال مسؤول في الهيئة العامة لحماية البيئة بعدن لـ"العين الإخبارية"، إن أي استمرار لكارثة تسرب نفطي سيمتد حتما إلى 5 محميات من الأراضي الرطبة في عدن، والتي تعد مناطق صيد غنية بعشرات أنواع الأسماك منها 31 نوعًا يتكاثر في هذه المحميات على نحو رئيسي.
كما تعد هذه المحميات الرطبة بيئة مثالية لتنشئة الأسماك الصغيرة بما في ذلك محمية الحسوة المرشحة على قائمة (يونسكو) التي تقترب منها كارثة التسرب، وفقا لذات المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه.
كذلك ستتأثر الرخويات والقشريات ومواطن الشعاب المرجانية. وتكتسب المحميات الرطبة الفريدة أهمية بالغة بالنسبة للطيور المهاجرة التي تصل سنويا لأكثر من 10 آلاف طائر، من 150 نوعًا مختلفًا من الأنواع المائية والبرية، أشهرها النحام الوردي القصير والبلشون واللقلق. وتتدفق هذه الطيور بكثافة نحو أراضي عدن الرطبة خلال اعتدال الطقس فيها ابتداء من أكتوبر/تشرين الأول، وحتى فبراير/شباط المقبلين.
وكانت الهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن قدمت توصيات عاجلة للحكومة اليمنية منها ضرورة الإسراع بتفريغ المواد النفطية المخزنة داخل صهاريج ومحركات السفن المتهالكة والإسراع في تعويمها وإخراجها بعيدا عن محيط ميناء عدن الدولي وتفكيكها.
كما أوصت بمنع دخول السفن وناقلات النفط المتهالكة إلى حدود المياه الإقليمية للبحار اليمنية، وتوفير المعدات والأدوات اللازمة لدى الهيئة العامة للشؤون البحرية والهيئة العامة لحماية البيئة مكافحة التلوث والتسرب.
توثيق بدء التسرب
ووثق فريق منظمة الصحافة الإنسانية في اليمن حالة تلوث نفطي حدثت في منطقة ميناء عدن خلال يوليو/ تموز، مسببة انتشار الزيت على امتداد المنطقة في الساحل الفارسي بطول حوالي كيلومتر.
ووفقا للتقرير فقد ظهرت المادة بشكل أوضح في أعلى مستوى للبحر على الساحل، وعثر على المادة الملوثة على جوانب قوارب الفيبرجلاس، وعلى المراسي وحبال المراسي الخاصة بها، كما وجدت المادة النفطية في المنطقة المائية الضحلة المكشوفة على أكياس النايلون.
ووصف تقرير للهيئة العامة لحماية البيئة في الحكومة اليمنية استمرار وجود العديد مـن السفن المتهالكة في ميناء عدن الدولي بـ"السيئ للغاية" ويشكل مصادر قلق لتلويث البيئة البحرية وإعاقتها للحركة الملاحية.
وأكد أن هذه الناقلات "متوقفة عـن الملاحة منذ 2015 ولـم تخضع للصيانة خلال هـذه الفترة، ما أدى إلى تآكل بدنها والبعض منهـا قـد تعرض للميلان وستكون عرضـة للغرق وإحداث تلوث للبيئة البحرية ويصعب انتشالها في حالة استمرار بقائها".