تسبب غلاء الأسعار في حرمان أطفال اليمن من ملابس العيد في ظل وضع اقتصادي متدهور وغياب الحلول للأزمات الاقتصادية والمعيشية.
ويتدهور الوضع الاقتصادي يوماً بعد آخر، ومعه تتضاعف معاناة الشعب، وبخاصة ذوو الدخل المحدود فضلاً عن منعدمي الدخل بسبب انقطاع المرتبات وانعكاسات الحرب والنزوح وتبعاتها الثقيلة، والتي تتكشف أكثر في المناسبات العيدية وشهر رمضان من كل عام.
تحسن طفيف للعملة
أخيراً، شهدت السوق اليمنية تحسناً طفيفاً في قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، تزامن ذلك مع إعلان السعودية عن وديعة مالية لدعم الريال اليمني، لكن سرعان ما قفزت أسعار الصرف مجدداً متخطية حاجز الألف ريال يمني للدولار الواحد، و300 ريال مقابل الريال السعودي، وضع معقد بدت فيه الأسر اليمنية عاجزة وبشكل واضح عن تلبية احتياجاتها، فانخفضت القدرة الشرائية، ما جعل ملابس الأطفال في هذه المناسبة العيدية بالنسبة لغالبية الناس تحد يصعب تجاوزه.
وأدت الحرب المستمرة في اليمن منذ أكثر من سبع سنوات إلى تدهور القدرة الشرائية عند كثير من اليمنيين اضطرهم إلى الاستغناء عن شراء ملابس ومستلزمات العيد هذا الموسم.
غلاء وفقر
ليبيا أحمد عبد الله تقول "هناك أسر لديها خمسة أبناء وأخرى عشرة، ولا تستطيع شراء ملابس لأبنائها بسبب الغلاء وحالة الفقر التي تعيشها تلك الأسر".
وتضيف الثلاثينية اليمنية، "لا يجوز أن يأتي العيد وأسر الفقراء بلا ملابس كما هو الحال مع أسر الميسورين، ويفترض بالحكومة الضغط على التجار لتخفيض الأسعار في موسم العيد على الأقل".
وبشأن أسرتها تقول "لم نستطع شراء أي شيء لأولادنا فالأسعار مرتفعة جداً بشكل يفوق المواسم الماضية ونحن عاجزون عن فعل أي شيء"
من جانبه، يصف سليم أحمد الغلاء بأنه "فاحش"، واصفاً التجار بــ"الجشعين"، مضيفاً في حديثه أنه على الرغم من التحسن في وضع العملة فإن التجار لا يزالون متمسكين بالأسعار السابقة التي تصاعدت مع انهيار العملة.
ويتابع سليم، وهو نازح ويعول أسرة مكونة من أربعة أولاد، إن الناس أصبحوا غير قادرين على كسوة أبنائهم هذا العيد بسبب حالة الغلاء وحالة الفقر والفاقة التي يعيشونها، مؤكداً أن كثيراً من الأسر "اضطرت لبيع مدخراتها بما فيها ذهب النساء لكي تشتري بعضاً من كسوة العيد لأولادها".
هوامير الفساد
وحول المسؤولين من الحكومة الشرعية، الذين يعيش غالبيتهم في عواصم دول العالم. يقول جميل عبد الله (52 عاماً)، إن المتحكمين في زمام الأمور في البلاد لا يهتمون لمصير كثير من اليمنيين الذين طحنتهم تبعات الحرب، واصفاً إياهم بأنهم "هوامير الفساد مع رؤوس الأموال الذين هاجروا خارج البلاد وتركوا المجال للفاسدين في شركات الصرافة للتلاعب بأسعار العملة وإحداث الغلاء الفاحش".
إضافة إلى ذلك يقول جميل، وهو أحد أبناء محافظة تعز، إن انعدام الأعمال لدى كثير داخل محافظة تعز التي تختلف عن كل المحافظات نتيجة هذ العوامل التي ذكرناها.
القادم أجمل
وعن انطباعه حول غلاء الأسعار في هذا العيد يتابع، "انعدام المرتبات والسيولة وانعدام الأعمال وغياب الرقابة كلها عوامل أدت إلى حالة تفلت في كل المستويات، وأدت إلى إحجام الناس عن شراء متطلبات العيد".
واشتكى جميل من غياب المسؤولين وجهات الرقابة لضبط الأسعار والتعامل مع التجار الذين يتنافسون على رفع الأسعار ومضاعفة أعباء المواطنين والمساهمة في تنغيص حياتهم الكريمة، إلا أنه بقي يحلم بما هو أجمل في مقبل الأيام.
ما وراء ارتفاع الأسعار؟
ولمعرفة رأي التجار حول سبب ارتفاع الأسعار، التقينا التاجر محمد إبراهيم، في مدينة مأرب، ومن جانبه يقول إن "وراء كل ارتفاع في الأسعار قصة، وأم القصص هي فوارق الصرف وارتفاع سعر العملات الأجنبية أمام العملة اليمنية".
ويضيف إبراهيم، وهو تاجر يعمل مستورداً للملابس، إن "من يحكم أسعار السلع والملبوسات هو السوق، فمثلاً أنا أستورد بدلات خارجية بـ100 دولار، وأبيعها هنا بـ120 دولاراً"، موضحاً أن هذا المبلغ كان قبل الحرب يساوي 22 ألف ريال يمني ويقابله بسعر صرف اليوم 110 آلاف ريال يمني، مؤكداً أن ارتفاع أسعار الصرف هي من تحكم السوق اليمنية لأننا شعب مستورد ومستهلك في كل شيء.
وحول الآراء التي تقول باستغلال التجار لغياب جهات الرقابة يعتقد إبراهيم، أن "غياب الدولة ومؤسساتها الرقابية شيء أساسي ورئيسي في التدهور الحاصل في سوق الصرف والغلاء"، معتبراً أن اليمن بلد مستهلك وقطاع واسع من الشعب بات "يعيش على المساعدات، ولا يوجد أي وارد محلي يغطي مخرجات العملة الصعبة التي تغادر البلاد، ويحافظ على استقرارها".
وجسد الفنان اليمني رشاد السامعي في لوحتين معاناة الآباء اليمنيين مع ملابس العيد وقلة حيلتهم تجاه التزاماتهم مع أطفالهم في العيد، إذ سجلت ريشته حضورها في الواقع اليمني بشكل أكبر في الحرب، إذ جسدت رسومات الفنان معاناة الناس وأوجاعهم.