اعتبر مستخدمون لموقع فيسبوك أنه تحول إلى ما يشبه دكتاتورية، باتخاذه إجراءات منفردة تؤثر سلبا على وسائل الإعلام، فيما تتساءل وكالات الإعلان عن النوايا الفعلية الكامنة وراء قرار فيسبوك بالحد من إعلانات الشركات ووسائل الإعلام على صفحات مشتركي الموقع.
وأكد المدير العام للموقع مارك زوكيربرغ في رسالة مفتوحة نشرها الخميس على صفحته أنه أراد إعطاء الأولوية لراحة المستخدمين البالغ عددهم ملياري شخص في العالم مع التلميح إلى أن القرار مكلف للشركة، وذلك بعد أشهر من الجدل حول هذا الموقع الاجتماعي الذي قد يخسر بذلك من عائداته على المدى القصير، لكن الأمر سيصب في صالحه على المدى البعيد.
وقالت سوزان هوفمان المؤسسة المساهمة لموقع “اديسيون إف” الألماني للنشر المخصص للنساء إن موقع فيسبوك اتخذ هذا الخيار منفردا دون التشاور مع أحد.
وأعربت هوفمان عن الأسف لأن “فيسبوك يقرر بالنيابة عن مستخدميه ما هو مناسب لهم أو غير مناسب”، وتساءلت “ماذا يمنع إبداء انفتاح وسؤال المستخدمين ما الذي يفضلونه؟”.
ويراقب خبراء وسائل التواصل الاجتماعي عن كثب أثر التعديل الأخير على صفحات وسائل الإعلام وعلى الدعاية في المنصة الرقمية الأكثر شعبية بالعالم. واللافت أن المنشورات لن تظهر بعد اليوم بشكل تلقائي على شريط الأحداث لمستخدم يتابع صفحة وسيلة إعلامية أو ماركة تجارية، إلا إذا تداولها أقرباؤه.
ومن المرجح أن التعديل الكبير في شريط الأخبار الذي أعلنته فيسبوك دون سابق إنذار لإعادة التركيز على أخبار الأقارب والأصدقاء، سينعكس سلبا على وسائل الإعلام الأكثر تعويلا على شبكات التواصل الاجتماعي.
وقالت شركة فيسبوك إنها تريد العودة إلى أصلها، أي أن تكون منصة اجتماعية أولى أولوياتها نشر مضامين أفراد العائلة والأصدقاء.
لكن هذا النهج قد يزعزع النموذج الاقتصادي السائد في أوساط عدد كبير من وسائل الإعلام التي تعتمد اعتمادا تاما على جمهور فيسبوك وتجني الأرباح من الإعلانات على الإنترنت.
ويقول نيكولا رفعت من مكتب المشورات “بيرينغ بوينت” إن “وسائل الإعلام المدمجة في المنصات قد تكبدت أصلا خسائر من جراء قرار فيسبوك لجم ‘مصائد النقرات’ وهي ستعاني الآن المزيد من الأضرار”.
من جهته يؤكد جيريمي روبيول مدير الدراسات لدى “كزيرفي” أن “الأمر بمثابة تشكيك في علة وجود وسائل إعلامية مثل بازفيد وكونبيني وبروت وإليفنت”. أما بالنسبة إلى “وسائل الإعلام التقليدية التي تنشر جزءا من محتوياتها على فيسبوك لزيادة شعبيتها، فإنها قد تخسر إيرادات إعلانية طائلة”، وقد تضطر إلى أن تحد من تعاونها مع فيسبوك. وهي التي انتقدت بشكل لاذع أداة “إنستنت آرتيكلز” التي قدمها فيسبوك للسماح للمحررين بنشر مقالاتهم مباشرة على المنصة لكن عائداتها الإعلانية قليلة.
وأعرب جوان هوفناغل، المسؤول السابق في صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية الذي عين مديرا للتحرير في موقع “لوبسايدر” الجديد القائم بالكامل على خدمات التواصل الاجتماعي، عن أنه لم يفقد الأمل، وصرح “استبقنا الأمر إذ كنا نعرف أنه سيحدث… ولا بد من النضال لتحصيل التزام فعلي لتداول المقالات والتعليق عليها من قبل المستخدمين”. ويحدو الأمل أيضا غييوم لاكروا مدير “بروت” الذي يكشف “أن 90 بالمئة من نطاق انتشارنا قائم على تشارك المحتويات في أوساط المستخدمين، ومن ثم، فإن المعادلات الحسابية التي تعطي الأولوية للمضامين التي تولّد تفاعلات كثيرة هي لمصلحتنا”.
وقال زوكيربرغ إنه يتوقع أن يؤدي تقليل الإعلانات إلى تراجع الوقت الذي يقضيه المستخدم على الموقع، لكن محللي موقع “آر بي سي كابيتال ماركتس” يرون أن ذلك سيؤدي على العكس “إلى زيادة عدد المستخدمين مع الوقت ونشاطهم”على فيسبوك.
ويعتبر العديد من المحليين أن الموقع بمستخدميه البالغ عددهم ملياري نسمة يتجاوز بحافظة عملائه كل ما عرفته الرأسمالية حتى الآن، وأنه في موقع قوة يمكنه من زيادة التعرفة التي يفرضها على المروجين أو حتى الاكتفاء بالأكثر أهمية منهم.
وجاء الإعلان عن التعديل الأخير بعد إقرار زوكيربرغ بحصول “أخطاء” وتعهده بمعالجتها في العام 2018، حيث يسعى إلى الخروج من دائرة الاتهام حول انتشار الأخبار الكاذبة منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.
ويلفت أوليفييه إرتزشيد الأستاذ المحاضر في علوم الإعلام في جامعة نانت في فرنسا إلى أن “شركة فيسبوك تشهد أزمة كبيرة في ما يخص صورتها منذ أشهر عدة”، في ظل انتشار الأخبار الزائفة واتهامها بالتسبب في حالات إدمان، ما قد يبرر قرار المجموعة استعادة السيطرة على الوضع. وأردف قائلا “لكن هناك أيضا مشكلة أخرى ألا وهي ركود العائدات الإعلانية. وبات يتوجب على الراغبين في الحصول على المزيد من الشهرة أن يدفعوا مقابل ذلك”. ولا يزال من الصعب تقييم الأثر على الإعلانات في شبكة التواصل الاجتماعي، إذ أن هذا القرار باغت الأوساط برمتها.
ويقول رونو مينيرا رئيس جمعية “موبايل ماركتينغ أوسييشن فرانس” الفرنسية إن “فيسبوك لن تقوم بخطوة انتحارية” تقضي بالتخلي عن الإعلانات التي تشكل 97 بالمئة من عائداتها.
ومن الممكن إثر هذا التعديل أن تعاود شركات فتحت صفحات على فيسبوك للتعريف على منتجاته، النظر في استراتيجيتها.
ويشير فريديرك مارتي-ديبا المدير العام لمجموعة “بيرفورميكس” وهي وكالة إعلام، إلى أن “القرار منطقي بالنسبة إلى المستخدمين، لكن وسائل الإعلام والترويج قد تكون الخاسر الأكبر منه. وقد يضيق نطاق انتشارها ويتوجب عليها زيادة ميزانياتها”.