لطالما تفاخرت روسيا بأن منظومة "إس 300" و"إس 400" المضادة للصواريخ والطائرات التي نشرتها في سوريا منذ أواخر العام 2015، سوف تغير من التوازنات في منطقة الشرق الأوسط لحسابها.
كما مثلت تلك المنظومة تحدياً للولايات المتحدة أو لأي أطرافٍ تفكر بقصف مقار حيوية أو منشآت عسكرية لحليفها بشار الأسد، إلا أن إطلاق الولايات المتحدة الأمريكية 59 صاروخاً من طراز "توماهوك" على مطار الشعيرات العسكري وسط سوريا، فجْر الجمعة 7 أبريل/نيسان الجاري، طرح علامات استفهام وتساؤلات عدة حول جدوى وجود هذه المنظومة، وعن سر صمتها.
وجاء قصف الولايات المتحدة لمطار الشعيرات رداً على الهجوم الذي شنته قوات الأسد بالأسلحة الكيمياوية، في 4 أبريل/نيسان، على خان شيخون شمالي سوريا، الذي أسفر عن مقتل وجرح المئات من السوريين الأبرياء، من بينهم نساء وأطفال.
وتعمل صواريخ الدفاع الجوي "إس 300" و"إس 400"، التي نشرتها روسيا عقب إسقاط تركيا لطائرة عسكرية روسية أواخر العام 2015، على تدمير طائرات التشويش الإلكتروني، وطائرات الاستطلاع، والكشف الراداري، والتحكم عن بعد، وطائرات التجسس، والطائرات الاستراتيجية والتكتيكية، والصواريخ الباليستية التكتيكية والعملياتية التكتيكية، والصواريخ الباليستية المتوسطة المدى.
- عجز
وفي تصريح فسر على أن المنظومة الدفاعية الروسية لم تكن على قدر كاف من التقنية للتصدي للتوماهوك الأمريكي، أكد الجيش الروسي- عقب الغارة على الشعيرات- أنه سيتم اتخاذ "إجراءات" جديدة لدعم الأنظمة الدفاعية السورية.
ويرى مراقبون أن الغارة الأمريكية كانت كفيلة بإظهار عجز موسكو عن الوقوف في وجه الـ"توماهوك" الأمريكي، وذلك بفضل قدرتها على التحليق بسرعة تتجاوز سرعة الصوت.
المحلل العسكري الروسي، بافل فيلغنهاور، أوضح في حديث لوكالة "فرانس برس" أن "روسيا ساعدت نظام الأسد على تطوير دفاعاته الجوية، لكن يبدو أن الأمريكيين قادرون على تخطيها بسهولة".
وحول ردة الفعل الروسية أشار المحلل الروسي إلى أن "موسكو تأمل في أن تكون هذه الضربة الأمريكية الوحيدة، دون أن تقوم برد يزيد من التصعيد، على أمل أن تتمكن من إبقاء الأمور تحت السيطرة".
من جهته؛ رأى "بافل فليجنيجر"، المحلل العسكري المختص بالشأن الروسي، في حديث لإذاعة "أوروبا الحرة" أن "ادعاء موسكو تأمين المجال الجوي السوري بأنظمة الدفاع الجوي الروسية، يهدف إلى زيادة مبيعات السلاح التي استعرضتها موسكو في سوريا".
ولفت النظر إلى أن منظومة "إس-400" المتطورة تقع في القاعدة الجوية الروسية في طرطوس، أي على نحو 120 كيلومتراً من مطار اللاذقية، مشيراً إلى "أن فاعلية نظام الدفاع الجوي الروسي تعمل في محيط 40 كيلومتراً من موقعها".
- حرب نووية
لكن هناك من المحللين الروس من عبّر عن خشيته من أن أي اعتراض روسي غير مدروس للصواريخ الأمريكية، قد يؤدي إلى "حرب نووية"، خاصة أنه لا يمكن التنبؤ بتصرفات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المتقلبة بين ساعة وأخرى.
وقال العضو المراسل في أكاديمية العلوم العسكرية بروسيا، سيرغي سوداكوف، في تصريحات لصحيفة "إيزفيستيا"، إن تحلي العسكريين الروس "بضبط النفس" أبعد احتمال اندلاع حرب نووية، حسب زعمه.
وأوضح قائلاً: "يعتقد الجمهور أنه كان علينا القيام بذلك وصد الهجوم، لكن لو بدأنا بإسقاط تلك الصواريخ، فلربما لم نستيقظ هذا الصباح؛ لأنه كان من المحتمل أن يحصل اليوم ما يسمى نزاعا نووياً، علماً أن مثل هذا التطور لو حصل لكان صداماً بين دولتين نوويتين على أراضي دولة ثالثة".
وأضاف: "تقوم إسرائيل وتركيا بقصف سوريا من وقت لآخر، لكن نحن نحمي مطارنا ومنشآتنا، وأعتقد أنه كان هناك قرار سياسي بعدم إسقاط تلك الصواريخ، لأنه لو تصدينا لها لكان ذلك نزاعاً بين الولايات المتحدة وروسيا على مستوى الدفاع المضاد للصواريخ".
واعتبر الخبير الروسي أن إصدار ترامب أمْره بضرب النظام السوري، اقترب من وضع يمكن وصفه بـ"الحرب الساخنة".
- دقة
وبحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية، فإن صواريخ توماهوك تحلق على مستوى منخفض، وتصيب أهدافها بدقة، دون تعريض طاقم الطائرة للخطر، وتوجه عن بعد باستخدام نظام ملاحة متقدم، ولا يمكن إسقاطها.
واستخدمت هذه الصواريخ لأول مرة في عملية "عاصفة الصحراء" لتحرير الكويت من نظام صدام حسين عام 1990، ويمكن تجهيزها برؤوس حربية تقليدية زنة 455 كيلوغراماً.
وقال ريك فرانكونا، العقيد المتقاعد بالقوات الجوية الأمريكية، في حديث لشبكة "سي إن إن": "إن صاروخ توماهوك صنع من أجل الوصول إلى مستوى منخفض، وتصيب المنشآت الثابتة، دون أي خطر على طاقم طائرة التي نفذت الهجوم".
وأشار الجنرال المتقاعد الجنرال بالجيش الأمريكي، جيمس سبايدر، في حديث للشبكة "سي إن إن" الأمريكية، إلى أن "المهم في التوماهوك أنها لا تنطلق في خط مستقيم، بل تتخذ مسار دوران متعرجاً بحيث لا يمكن إسقاطها".