الرئيسية > اخبار وتقارير > غموض يلّف قصص تصفيتهم.. كيف قتل حزب الله قادته؟

غموض يلّف قصص تصفيتهم.. كيف قتل حزب الله قادته؟

لطالما قتل قادة حزب الله، وسط تتضارب الأنباء حول قاتليهم، فيما يوزع حزب الله التهم، وينفي المتهمون صلتهم بالأمر، ليكتشف لاحقاً أنه الحزب كان يتملص من جريمة قتلهم، ليخفي شخصياته التي يلاحقها القضاء الدولي بتهم تلقي بهم بين صفوف مجرمي الحرب، مثل مصطفى بدر الدين، وقبله عماد مغنية، والمكان سوريا، حيث لا قضاء ولا مساءلة.

ففي الثالث عشر من مايو/أيار 2016، نعى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بدر الدين، معلناً أنه قضى نتيجة قصف مدفعي قامت به المعارضة السورية المسلحة، على منطقة عسكرية في محيط مطار دمشق الدولي بالعاصمة السورية.

لكن فيلماً وثائقياً بثته قناة "العربية" السعودية، يوم 7مارس/آذار 2017، كشف أن بدر الدين لم يمت نتيجة قصف المعارضة؛ بل بسبب "تآمر حسن نصر الله"، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.

المحكمة الدولية الخاصة بالبنان، كانت قد أصدرت في العام 2011 قرار اتهام رسمي بحق بدر الدين و4 أخرين ينتمون لحزب الله؛ باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في شباط/فبراير 2005، وتتم محاكمتهم غيابياً بعد تواريهم عن الأنظار، ويعد إثبات تورطهما في القضية إثباتاً لتورط الحزب، ومن ورائه إيران.

وعن ضلوع الرجلين باغتيال الحريري، وبأنهما "ورطة" حزب الله في الجريمة، أفاد تحقيق نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية استناداً إلى تحقيقات الاغتيال في فبراير/شباط 2015، بأن أبرز المتهمين الخمسة (بدر الدين) في القضية قد يكون طلب موافقة مغنية لتنفيذ التفجير.

وأظهر التحقيق الذي أعده الصحفي الإسرائيلي المتخصص في الشؤون الأمنية، رونين برغمان، أن محققي المحكمة الدولية الخاصة بلبنان توصلوا إلى معلومات مفادها أن بدر الدين أجرى اتصالاً هاتفياً بمغنية قبل دقائق فقط من التفجير الذي أسفر عن مقتل الحريري و21 آخرين، بينهم الوزير الأسبق، باسل فليحان.

-تآمر

لطالما دعم "مراقبون" فرضية التصفية المتعمدة من الحزب لقياداته المتهمين، أو إخفائهم بهويات جديدة، لأن بدر الدين يمثل صندوقاً أسود خطيراً قد يفتح أبواب الجحيم على الحزب، الذي يفضّل أن تطلق عليه رصاصة، وتنظم له جنازة مهيبة، على أن يفضح أسرار الحزب واستخباراته، كما أنه شقيق زوجة مغنية، الذي تتشابه قصة اغتياله بالغموض نفسه.

إضافة إلى ذلك، فإن عملية الاغتيال المحتملة لبدر الدين وقعت قرب مطار دمشق المحصن أمنياً، والذي يخضع لسيطرة كاملة من قبل نظام الأسد، وهذا المكان -الذي ادعى حزب الله مقتل القيادي فيه- لا وجود للجماعات المعارضة فيه.

"الفيلم الوثائقي" الذي بثته "العربية"، أكد هذه الفرضيات، فقد كشف أن نصر الله طلب من قائد قواته في عام 2013، القتال بسوريا، لكن سليماني كان يتجاهل بدر الدين، ويطمح إلى الاستفراد بساحة المعركة بأسرها.

واعترض بدر الدين، بحسب الفيلم، عندما اكتشف أن سليماني يفضل دفع عناصر الحزب إلى المعركة ليقوم بحماية الجنود الإيرانيين، ليقوم بمعارضته ويطلب منه أن يقود عناصره بنفسه حسب قراراته، ومعرفته، وخبرته.

هذا الأمر دفع بسليماني إلى الطلب من نصر الله إزاحة بدر الدين من طريقه، بالإضافة إلى أن اتهامه رسمياً في المحكمة الدولية بقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، زاد من حجته للتخلص منه.

-صديقه قتله

ويكشف الفيلم أنه في مساء 12 من مايو/أيار من عام 2016، يوم مقتل بدر الدين، اجتمع القتيل مع ثلاثة أشخاص من بينهم قاسم سليماني نفسه، والقاتل، والمرافق الشخصي لبدر الدين في مبنى أمني بالقرب من مطار دمشق الدولي.

وحصلت القناة على شهادات ووثائق تؤكد أن قاتل "بدر الدين" هو صديقه "إبراهيم حسين جزيني"، كما أن المرافق الشخصي للقائد العسكري لحزب الله، لم يتدخل لإنقاذ حياة قائده.

وأكد شهود أنهم شاهدوا قاسم سليماني يترك المبنى قبل دقائق من العملية، والذي على ما يبدو هو من خطط المؤامرة، وعرف متى يترك المكان في الوقت المناسب.

وكان اللافت أن سليماني قدم العزاء لأبناء بدر الدين في زيارة خاصة، وقال لأكبر أبنائه (علي): "ستكون أنت على مسار أبيك".

-تشكيك

"الفيلم" نشر صورة جوية للموقع الذي قُتل فيه مصطفى بدر الدين، بعد ساعات من العملية، لا يظهر فيها أي دلائل تشير إلى أن المكان تعرض لقصف مدفعي، كما زعم حسن نصر الله حينها.

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، شكك في مزاعم نصر الله، وقال إنه لم يحدث قصف من جماعات مسلحة في هذه المنطقة منذ أكثر من أسبوع قبل الحادثة.

كما أكد البيت الأبيض في حينها أن المنطقة التي قتل فيها لم توجد بها أي طائرات تابعة للتحالف الذي تقوده واشنطن، ما دفع المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش آرنست، ليشك هو الآخر بمقتله قرب قاعدة مجاورة لمطار دمشق، في حين نفت إسرائيل مسؤوليتها عن الاغتيال.

-ظروف مشابهة

أما مغنية -الذي اغتيل في الـ12 من فبراير/شباط 2008- فقد طرح اغتياله وسط سوريا قبل الثورة، وفي تفجير كبير بحي كفرسوسة الذي يقع فيه مقر مخابرات أمن الدولة، ومنزل صهر بشار الأسد، اللواء آصف شوكت، الذي لقي حدفه هو الآخر في العام 2012، بتفجير مشابه لظروف اغتيال مغنية وبدر الدين، تساؤلات وعلامات استفهام عدة، وسط اتهام حزب الله للموساد تارة، وللاستخبارات الأمريكية تارة أخرى.

وكان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، إيهود أولمرت، أصدر بياناً ينفي فيه ضلوع تل أبيب في العملية، قائلاً: "إسرائيل ترفض أي محاولة من الجماعات الإرهابية، إلصاق أي مشاركة لها بالحادث".

وتبدو تفسيرات مقتل مغنية، ومن بعده بدر الدين، بنفس الأسلوب، أن الحزب انتهى لخيار واحد لا ثاني له، هو أن يقتلهما سراً ويتخلص بذلك من أدلة التورط باغتيال الحريري، وترك التأكيد بين يدي حزب الله، الذي يسيّر أي تحقيقات قد تلاحق عمليات الاغتيال في سوريا ولبنان.

واعتبر النائب اللبناني عن كتلة المستقبل النيابية، خالد زهرمان، في تصريح صحفي، أن "العدالة ستتوصل إلى نتيجة في حال لم يتم التخلص من المرتكبين، كما هي الشكوك لدى البعض حول مقتل بدر الدين، فكلما ظهر اسم قيادي في حزب الله في مسألة أمنية تتم تصفيته، ويختفي باغتيال، أو غارة جوية، أو عمل أمني ما، فالشكوك كبيرة حول تصفية هذه الرموز، التي قد تكون مفاتيح للكثير من معلومات في حال كان تم القبض عليهما من المحكمة الدولية".

ويرفض حزب الله تسليم المتهمين، ويتعاطى مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على أنّها "أمريكية إسرائيلية ذات أحكام باطلة"، فيما تصاعد تصنيف الحزب هذا العام على قوائم الإرهاب العربية، والخليجية، والعالمية، ما جعله جنباً إلى جنب مع تنظيمات وصفت بالتطرف والإرهاب، مثل تنظيم "الدولة".