"عندما أنظر إلى جميع مناطق النزاع وأرى أن الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهي القوى الكبرى بالعالم، تشترك في الأمر وتدعم جهة أو أخرى، فإن القلق الذي يعم الكثير منا هو أن هذا الأمر قد يقود إلى نوع من التصعيد قد يصعب السيطرة عليه لاحقاً".
ذلك ما قاله مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، جون برينان، في حديث لشبكة "سي إن إن"، في سبتمبر/أيلول الماضي، محذراً من أن تتطور الأوضاع فتتسبب في نشوب حرب عالمية ثالثة.
غرابة مشتركة
غرابة الطباع التي تجمع بين الزعيم الكوري كيم جون أون، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد تؤدي إلى فعل كارثي، وهذا ما لا يستبعده بعض المحللين؛ إذ إن كوريا الشمالية تصر على مواصلة تجاربها الصاروخية، التي تعتبرها واشنطن تهديداً لها.
فالزعيم الكوري، الذي تولى الحكم ببلاده عقب وفاة والده في ديسمبر/كانون الأول 2011، اشتُهر من خلال طباعه الغريبة وقراراته الموصوفة بـ"الجنونية" التي تطبق بالقوة، بعد أن فرض سلطة حكم دكتاتوري، شملت مختلف جوانب الحياة.
شخصية الزعيم الكوري الشمالي، جاء من يوازيها أخيراً، بظهور دونالد ترامب رئيس أقوى دولة بالعالم.
فترامب عُرف بالكثير من التصرفات والقرارات التي أثارت غرابتها -وما زالت- الرأي العام العالمي، حتى طغت أخباره على وسائل الإعلام العالمية، وصار حديث الساعة.
تصريحات ترامب أثارت الجدل حوله منذ إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث عُرف بلسانه السليط وجرأته وغرابة تصريحاته واندفاعه في الكثير من القضايا التي كانت تدار بتروي.
حرب عالمية ثالثة
شدة احتراق فتيل قنبلة الحرب العالمية الثالثة تزداد تسارعاً، مجسَّدة في الأزمة الأمريكية-الكورية الشمالية، لا سيما مع مواصلة الأخيرة تجاربها الصاروخية، التي تراها واشنطن تهديداً صريحاً لها؛ ومخالفة لقرار الأمم المتحدة القاضي بوقف نشاطاتها النووية.
في مقابل ذلك، ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن تلك التجارب الصاروخية، هجمات استفزازية تنبئ بتحدِّ مستمر للقرارات الدولية المتخَذة بحق بيونغ يانغ، وهو ما يضطر واشنطن إلى مواصلة رفع "الكروت الصفراء" بوجه لاعبي السياسة بالكورية الشمالية.
آخر تلك التحذيرات أطلقها وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، الخميس 2 فبراير/شباط الحالي، ضد كوريا الشمالية، مهدداً بـ"رد أمريكي ساحق"، ضد أي هجوم يستهدف الولايات المتحدة وحلفاءها أو أي استخدام للأسلحة النووية.
وقال ماتيس: إن "التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن كوريا الجنوبية لا يتزعزع، وهو يتضمن التزامنا بتوفير الردع الموسع الذي تتكفل به مجموعة كاملة من القدرات الدفاعية الأمريكية".
وأضاف أن "أي هجوم على الولايات المتحدة أو حلفائها، وأي استخدام للأسلحة النووية، سيُقابل برد ساحق وفعال، فليس ثمة مجال للخطأ".
وتأتي تصريحات وزير الدفاع الأمريكي عقب اجتماع دبلوماسيين ومسؤولين عسكريين بارزين من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية؛ لمناقشة أحدث التطورات في ملف كوريا الشمالية، عقب التجربة النووية الخامسة التي أجرتها بيونغ يانغ قبل أسابيع، وإخفاقها في إطلاق صاروخ باليستي قبل أيام.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تعهد مطلع العام الحالي، بألا تكمل كوريا الشمالية مساعيها لإنتاج صاروخ نووي قادر على استهداف الولايات المتحدة.
وفي تغريدة له على "تويتر"، قال ترامب: "صرحت كوريا الشمالية بأنها في المراحل النهائية من تطوير سلاح نووي قادر على الوصول إلى أجزاء من الولايات المتحدة"، مضيفاً: "هذا لن يحدث!".
وانتقد ترامب حليفة بلاده الصين "التي تأخذ الأموال الضخمة والثروة من الولايات المتحدة، لكنها لا تفعل شيئاً حيال كوريا الشمالية".
نظير ترامب، الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، أكد نجاح بلاده في تطوير قدراتها الصاروخية، وإنها مستمرة في هذا الصدد.
وقال كيم في خطاب متلفز سابق؛ بمناسبة حلول العام الجديد، إن بلاده أصبحت قوة نووية في 2016. وتابع مشدداً بالقول إن لبلاده "قوة عسكرية لا يمكن حتى لأقوى أعدائها أن ينالوا منها".
وخلال عام 2016، أجرت بيونغ يانغ تجربتين نوويتين، وأطلقت عدة صواريخ في إطار سعيها الدائم إلى التمكن من بلوغ الأراضي الأمريكية بصاروخ مزود برأس نووي.
حرب نووية
الحرب النووية ليست مستبعدة؛ وهو ما أكدته بيونغ يانغ، في تحذير سابق، لافتة الانتباه إلى أن تلك الحرب ستشهدها شبه الجزيرة الكورية، دون أن تحدد وقت اندلاعها، مؤكدة مواصلة تعزيز قدراتها النووية، متهمة واشنطن بالوقوف وراء إشاعة التوتر بينها وبين سيول.
وقال وزير خارجية كوريا الشمالية، ري يونغ هو، في سبتمبر/أيلول الماضي، إن امتلاك بلاده أسلحة نووية "يستهدف الدفاع عن النفس ضد التهديدات النووية من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية".
وأضاف في كلمته خلال النقاش العام للدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة: "سوف تواصل كوريا الشعبية الديمقراطية اتخاذ الإجراءات الرامية إلى تعزيز قواتها المسلحة النووية الوطنية كمّاً وكيفاً"، مضيفاً أن "شبه الجزيرة الكورية هي أكثر بقاع العالم خطورة، التي يمكن أن تشعل حتى حرباً نووية".
ووصف العقوبات المفروضة من قِبل مجلس الأمن الدولي على بلاده بأنها "كالذي يتستر على تعسف الولايات المتحدة الأمريكية".
وكان مجلس الأمن الدولي وافق بالإجماع، مطلع مارس/آذار 2016، على مشروع قرار أمريكي يقضي بفرض عقوبات مشددة على كوريا الشمالية؛ بهدف الضغط عليها للتخلي عن برنامجها النووي، وذلك بعد شهرين من إعلان بيونغ يانغ إطلاق قنبلة هيدروجينية، وبعد شهر واحد فقط من تأكيدها إجراء تجربة على نطاق واسع لاختبار يُعتقد أنه لصواريخ باليستية، تحت ستار إطلاق قمر اصطناعي للفضاء.
صراع مفتوح
إلى ذلك، يرى الخبير في الشؤون الدولية والاستراتيجية الدكتور أنس القصاص أن الصراع يعتبر شبه مفتوح بين مجموعة الآسيان المدعومة أمريكياً والهند المنضمة إليها حديثاً من جهة، والصين التي تسعى لدعم روسي لها في أزماتها البحرية مع الآسيان، إلى جانب تحالفها الاستراتيجي مع باكستان.
وأوضح القصاص في تصريح لـ"الخليج أونلاين" أنه ووفقاً لذلك، فإن العالم في طريقه للاشتعال أكثر، مشيراً إلى أن ما وصفها بـ"المشكلة الكبرى" وراء كل هذا تكمن في تأخر وجود فلسفة اقتصادية صالحة لعالم جديد.
وفي التاسع من سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت كوريا الشمالية أنها أجرت تجربة نووية ناجحة؛ بمناسبة الذكرى الـ68 لتأسيسها، بحسب التلفاز الرسمي، الذي لفت إلى أن التجربة "أثبتت قدرة بيونغ يانغ على تركيب رؤوس حربية نووية على صواريخ باليستية".
وبحسب وكالة كوريا الجنوبية للأنباء، فإن زلزالاً بشدة 5.3 درجات على مقياس ريختر وقع شمال شرقي البلاد، وبعمق 10 كم، مطلع الشهر الحالي، مشيرةً إلى احتمال أن يكون الزلزال ناجماً عن إجراء جارتها الشمالية تجربة نووية جديدة، وأثارت التجربة ردود فعل غاضبة حيال ما قامت به كوريا الشمالية.
وفي حين لا يستبعد مراقبون وقوع حرب عالمية، سبب شرارتها قرارات الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والكوري الجنوبي كيم جون أون، فإن القوة العسكرية للبلدين ستقول كلمتها في النزاع العسكري إن وقع.
قدرات الجيش الكوري الشمالي
وفقاً لتصرح سابق للجنرال الأمريكي ليون لابورت، قائد القوات الأمريكية الموجودة في كوريا الجنوبية، فإن الجيش الكوري الشمالي يشكل بتعداده، البالغ 2.1 مليون مقاتل، قوة تقليدية هائلة، حيث يملكون أكبر قوة غواصات، وأكبر قوات مدفعية في العالم، وأكبر قوات خاصة؛ إذ تعد أكثر أمم العالم عسكرة بالمقارنة مع عدد سكانها الذي يبلغ 22 مليون شخص.
يبلغ تعداد الجيش الكوري الشعبي النظامي "996.000" مقاتل. وتملك قواته "3.800" دبابة، و"2.270" ناقلة مدرعة، و"13.200" مدفع مختلف العيارات.
أما قوة كوريا الشمالية البحرية، فتبلغ "72" غواصة؛ منها "22" غواصة من طراز روميو السوفييتية الصنع، و"430" قطعة بحرية مختلفة و"340" سفينة دعم ومساندة، ويبلغ تعداد القوى البشرية البحرية "48 ألف" مقاتل.
وبشأن القوات الجوية، فهي تضم نحو "1700" طائرة متنوعة؛ منها "780" طائرة مقاتلة تشمل طائرات الميغ "23"، وهناك عدد غير معروف من مقاتلات الميغ "29" المتقدمة تكنولوجياً، ويبلغ تعداد القوات الجوية "103" آلاف شخص.
وتمتلك القوات المسلحة نحو "13" ألف قطعة مدفعية مختلفة العيارات. أما القوات الخاصة، تُقدر بـ"100" ألف مقاتل.
وتمتلك كوريا الشمالية عدداً من الصواريخ الباليستية يتراوح ما بين 600 و750 صاروخاً.
وتتمتع بثالث أكبر ترسانة من الأسلحة الكيماوية في العالم، وهي تمثل درعاً كاملة، تشتمل على غاز الخردل (Mustard ) والفوسجين (Phosgene ) والزارين (Sarin).
أما نووياً، فقد أعلنت كوريا الشمالية أنها أصبحت قوة نووية. ووفقاً للتقارير الاستخباراتية الأمريكية، فإن الكوريين الشماليين يمتلكون كميات من البلوتونيوم تكفي لصنع من (2-5) أسلحة نووية. إضافة إلى ذلك، أعادت كوريا الشمالية معالجة قضبان الفيول المنضب، التي يمكن أن تحتوي على ما يكفي من البلوتونيوم لإنتاج من (6–10) أسلحة نووية.
القدرات العسكرية الأمريكية
من حيث الإنفاق العسكري، تتمتع القوات الأمريكية بمعدل إنفاق هو الأعلى عالمياً، ففي 2016 بلغ 617.1 مليار دولار.
الجيش الأمريكي يمتلك أكبر وأحدث أسطول مقاتلات جوية في العالم بـ"13" ألفاً و"683" طائرة من طرازات مختلفة، أحدثها وأخطرها طائرات الجيل الخامس القادرة على التخفي، أقواها "F-22" "F-35".
الجيش الأمريكي لا يمثل القوة البحرية الأولى في العالم من حيث التعداد، حيث يمتلك 473 قطعة بحرية؛ بينها 10 حاملات طائرات و15 بارجة حربية و62 مدمرة و72 غواصة. وبذلك، تسبقه بحرية كوريا الشمالية والبحرية الصينية أيضاً، من حيث امتلاك المدمرات البحرية الصغيرة، غير أنهما لا يمتلكان حاملات طائرات وغواصات بحجم ما تمتلكه الولايات.
أيضاً، فإن الجيش الأمريكي ليس الجيش الأول من حيث تعداد القوات العسكرية؛ إذ يأتي بعد الجيش الصيني بعدد قوات يبلغ بـ1.4 مليون جندي.
وفي ناحية عدد الدبابات، لا يعد الجيش الأمريكي الأقوى؛ إذ يأتي ثالثاً بعد روسيا والصين بـ"8325". وفي عدد المدرعات العسكرية، يأتي الأمريكان ثانياً على مستوى العالم بعد روسيا بـ"25782".
أما من حيث امتلاك المدافع المتنقلة الثقيلة ذاتية الدفع، التي تصاحب القوات البرية، يحل الأمريكان ثالثاً بعد روسيا والصين بـ"1934" مدفعاً، والمرتبة الـ"12" من حيث امتلاك المدافع الصغيرة المتحركة بـ"1791 مدفعا".
ويأتي الجيش الأمريكي رابعاً على مستوى العالم، من حيث امتلاك الراجمات الصاروخية (نظام إطلاق صواريخ متعدد)، حيث يمتلك 1330.
لكن السلاح الأكثر خطراً بيد أمريكا؛ إذ تمتلك نحو 1642 رأساً نووياً، وهو ما تطلق عليه واشنطن بتكافؤ القدرات النووية مع موسكو؛ بعد أن أعلنت الأخيرة امتلاكها لنحو 1643 رأساً نووياً في 2014.