تكبدت مدينة تعز أكثر الخسائر البشرية والمادية خلال موجة الحرب الراهنة في اليمن التي تشارف على انتهاء عامها الثاني، وتعرضت خلالها إلى أسوأ حالات العنف والانتهاكات الإنسانية، وأنكى حالات الدمار والتخريب لكل ما هو جميل في المدينة المسالمة التي تحوّلت إلى فوهة بركان في وجه الانقلابيين الحوثيين والرئيس السابق علي صالح.
طال الاقتتال في تعز وتصاعدت موجات الحرب فيها، دفع ثمنها سكانها البسطاء الذين دفعت الحرب بأغلبهم إلى حافة الهاوية من شدة الفقر والفاقة التي تعرضوا لها جراء فقدانهم لأعمالهم ومصادر دخلهم وجراء الحصار الجائر أيضا على مدينتهم التي تحولت إلى معتقل مفتوح لسكانها إثر حصارها من كافة الجهات من قبل ميليشيا الانقلابيين الحوثيين وصالح، وأصبحت حركة المدنيين فيها محفوفة بالمخاطر وفي نطاق ضيق ومحدود جدا.
كان اليمنيون يطلقون على مدينة تعز خلال العقود الماضية بـ(المدينة الحالمة) التي كان أبناؤها يتطلعون إلى مستقبل مشرق لبلدهم ولمدينتهم التي تمثل بالنسبة لهم وطنهم الصغير، غير أن علي صالح لم يعط مدينة تعز أي فرصة للنهوض لتحقيق أحلامها، كما تعمّد إلى تدمير كل ما حققته خلال فترة حكمه عبر الحرب الراهنة، انتقاما منها ومن أبنائها الذي أسهموا بشكل كبير في إشعال ثورة 2011 ضد نظامه وأيضا وقوفهم الحاسم ضد التمدد الحوثي الطائفي الذي دعمه صالح نكاية بنظام خلفه الرئيس عبدربه منصور هادي ورغبة من صالح في العودة إلى الحكم عبر بوابة الانقلاب الحوثي.
ذكر برلماني يمني مقرب من صالح لـ(القدس العربي)، أن الأخير قال في أحد الاجتماعات بمقربيه بحضور البرلماني خلال الفترة الأولى لثورة 2011 «لا أخشى من تعز، فإني قادر على تطويعها بطقم عسكر»، غير أن هذا التوقع خاب، إثر المفاجأة التي صدمت صالح بتحوّل هذه المدينة المسالمة إلى أسد زؤور تسببت في الانقضاض على عرشه في 2011 ووقفت في وجه حركته الانقلابية في 2015 المتوشحة بغطاء الحوثية المتمردة.
امتداد الحرب في مدينة تعز واتساع دائرتها تبدو في مجملها حالة من الانتقام والثأر الصالحي/الحوثي منها، وهو ما يفسّر هذا الجمود في عدم كسر حصارها وأيضا في تكثيف التعزيزات العسكرية الدائمة للانقلابيين إلى جبهاتها رغم أن المواجهات في تعز خلال نحو 20 شهرا أسفرت عن سقوط الآلاف من ميلشيا الحوثي وصالح، ومع ذلك مصرّين على كسر شوكتها التي كانت بمثابة شوكة في حلق صالح والحوثيين وحجرة عثرة أمام تحقيق حلمهم في بسط نفوذهم والانقضاض على الدولة.
المؤامرة كانت كبيرة، أكبر من إمكانيات أبناء محافظة تعز، ذات الأكثرية السكانية في اليمن، ولكنهم أصروا على تحمل كافة أعباء ذلك وتبعاتها مهما كانت، ولم يكونوا يتوقعون أبدا أن تصل النتيجة إلى هذا الدمار اليومي الكبير في كل مكان في تعز، والذي تجاوز محيط المدينة ليمتد إلى مناطق الأرياف الآمنة التي لم تصلها الخدمات العامة بعد، طوال حكم صالح الممتد لنحو 33 عاما، بينما وصلتها قذائفه وميليشياته.
الحالة الإنسانية لمدينة تعز، تظل الأسوأ في كل أرجاء اليمن خلال الحرب الراهنة، رغم أن بعض المناطق اليمنية الأخرى التي وصلتها الميليشيا الانقلابية عبثت بأمنها وبأبنائها وشردتهم، غير أنها عمليات خاطفة، بينما في تعز طال أمد الحرب أطول مما كان متوقعا، وتزداد سوءا يوما بعد يوم وينحسر الأمل في الحسم العسكري القريب، إثر التعقيدات المحلية والخارجية التي أحيطت بها من كل جانب، في ظل انعدام الرؤية لدى حكومة والتحالف العربي حيال قضية الحسم في تعز والتي لن تكون مكلفة في نظر العديد من العسكريين.
مدينة تعز، كانت الحضن الدافئ خلال العقود السابقة لاستقبال المكلومين من كل المناطق اليمنية في الشمال والجنوب عند تقلب الظروف وعند نزول النوائب عليهم، غير أنها أصبحت حاليا المدينة المنكوبة التي لم تجد من ينجدها ومن يقف إلى جانبها للتخلص من هذا الحصار المفرط في حق أبنائها الذين تجرعوا ويلات الحرب وعذابات الحصار وتداعياتها لدرجة افتقارها لأبسط مقومات الحياة من خدمات ومواد غذائية وتموينية أساسية، وأصبح الحلم بـ(الحياة) أكبر حلم يطمح اليه سكان مدينة تعز في ظل قصف الميليشيا الحوثية العشوائي على الأحياء السكنية والتي لا تفرق بين كهل وشاب ولا بين امرأة ورجل أو بين طفل وعجوز.
سكان مدينة تعز تعبوا كثيرا من حالة الحرب في مدينتهم التي تبدوا بلا أفق، والتي تدور في معزل عن بقية المشهد اليمني المعقّد، والذي لا يشهد نفس المعاناة التي تعانيه تعز، غير أنهم تعايشوا مع حالة الحرب والحصار واضطروا إلى التكيّف مع هذا الواقع الجديد والدخيل على حياتهم، فيما الانقلابيون الحوثيون وصالح يتلذّذون في إيلام سكان محافظة تعز حتى لا تقوم لها قائمة في المستقبل والتي يصرون على تدمير حاضرها ومستقبلها بتحويلها إلى مدينة مدمّرة ماديا ومعنويا.