لا تكاد تدخل إلى مواقع التواصل الاجتماعي أو تلج إلى شبكة الإنترنت، إلا وتشاهد إعلانا أو أكثر عن التدريب والتنمية البشرية، وعن المدرب الخبير والأكاديمي المتمرس الذي يجوب البلاد ليمنح خبراته للشباب.
وفي حين يرى البعض أن التدريب والتنمية أمر مهم للغاية، يرى آخرون أن دورات التنمية البشرية ما هي إلا بيع للوهم، واستدراج للشباب الباحث عن الخبرات.
وتضج مدرجات المدربين بالشباب الطامح بصقل خبراته، أو الراغب بالتعرف على أسلوب حياة ذلك المدرب الذي تغلب على المصاعب والعقبات أملا في أن يساعده ذلك في حياته العملية.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من المقاطع الساخرة من منتحلي "مدربي" أو "خبراء تنمية".
مهنة من لا مهنة له
مدرب التنمية البشرية، والمختص في الشأن التربوي، مخلص سمارة، وافق في حديث لـ"عربي21" على أن التنمية البشرية أصبحت وسيلة لملء الجيوب ومهنة من لا مهنة له.
ولفت سمارة إلى أن الأصل أن مهنة التنمية البشرية يجب أن تكون حافزا للنجاح لا وسيلة للتغطية على الفشل بذرائع مختلفة.
وأكد أن بعض المدربين يعمدون إلى تقليد المشاهير، أو الحصول على شهادات عن بعد، لكسب الجمهور بإقناعهم أنه صنع نفسه عبر التجارب وتحدي الصعاب تمهيدا لبيعهم الوهم.
وقال إن المتدربين في الغالب هم من فئة الشباب الباحث عن عمل، والطامح بأن تكون إحدى هذه الدورات والشهادات مدخلا للوظيفة، أو مساعدا في إيجاد عمل.
وتابع بأن على السلطات في أي مكان بذل جهد أكبر في الرقابة على المدربين والمؤسسات والتأكد من حصولها على متطلبات التدريب والتنمية من شهادات أو خبرات حقيقية، إلى جانب حملات توعية وتأهيل للطلاب قبل التخرج ومنحهم ما يحتاجون تحت سقف الجامعة حتى لا يقعوا فريسة الإعلانات البراقة عن التدريب والتنمية.
وبدأ مفهوم التنمية البشرية يتطور بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في محاولة من الدول التي دمرتها الحرب اقتصاديا للإسراع في الخروج من الدمار الشامل الذي أصاب بعض الدول.
بيع الوهم
الشاب المصري، حمادة يسري، وهو أحد الشباب الذين سجلوا في إحدى دورات التنمية البشرية في مركز شبه حكومي في القاهرة (تحفظ على ذكر اسمه)، قال لـ"عربي21" إنه كان يحلم بأن يكون مدربا للتنمية البشرية وسجل في دورة إعداد المدربين ودفع مبلغا كبيرا.
وأشار إلى أنه تفاجأ بأن محتوى الدورة كان مجرد كلام يتعلق بالأحلام والطموحات، لكنه لا يقدم أي شيء على أرض الواقع.
ولفت إلى أنه اقتنع بعد انتهاء الدورة التي تضمنت عدة تدريبات وتمارين تحت شعار "لا يوجد مستحيل" أبرزها كان كيفية "حمل الكرسي بإصبع واحد"، أن التنمية البشرية ما هي إلا بيع للوهم و"سبوبة" يأكل بها المدربون خبزا.
وبحسب المستشار الإعلامي لشبكة تنمية الشرق الأوسط (مدن)، الدكتور نزار الحرباوي، تتصل حقيقة التنمية البشرية بالإنسان ذاته، ما بين ميوله وتوجهاته وحاجاته وحاجات المجتمع ذاته، فإذا قولبنا هذه القيم والمفاهيم ودمجنا معها علم الاجتماع والإدارة والتسويق ونحوها كان مفهوم التنمية أعمق وأرسخ.
وأشار الحرباوي لـ"عربي21" إلى أن التحدي الحقيقي أمام مجتمعاتنا العربية يتصل بكثرة المسميات الجوفاء، على مستوى الأفراد والمؤسسات التكوينية والتأهيلية، تلك التي باتت تطلق مشروعات التدريب والتنمية والتشبيك كشعارات براقة فضفاضة لا رصيد لها في العلم والتدرج ومنهجيات البناء ورفع سقف الوعي، وهو ما جعل عالم التنمية البشرية يعيش في تيه وفقدان بوصلة فعلية بين الواقع والمأمول.
ضرورة مجتمعية
ومن أبرز موضوعات التدريب التي يطرحها خبراء التنمية البشرية؛ التفكير الإيجابي، وفن إقناع الآخرين، وتحليل الشخصيات، وإدارة المشاعر، والتحكم بقدرات العقل الباطن، إلى جانب أمور عديدة بخصوص تطوير الأعمال والإبداع.
وتعتبر أبرز نظريات علم التنمية "الشيء الذي يمكن لعقل الإنسان أن يتصوره ويعتقده، يمكن تحقيقه"، التي قالها أشهر منظري هذا العلم، الأمريكي نابليون هيل.
المدرب الدولي الدكتور رضا الحديثي رأى أن التدريب عالم واسع هدفه تعليم المهارات أو تغيير القناعات أو بناء المعارف، ولكنه يقدمها بطرق غير تقليديه.
وتابع في حديث لـ"عربي21" أن التدريب شأنه شأن أي علم، إذ من الممكن أن يقوم به صاحب مبدأ وممكن أن يقوم به صاحب مصلحة، ويمكن أن يقوم به خبير كما من الممكن أن يتصدر فيه مراهق، وهذا ينطبق على مجالات كثيرة في الحياة وليس التدريب فقط.
ولفت إلى أن تعميم الرأي دون تفصيل سيكون فيه إجحاف، رغم الاتفاق أن في عالمنا العربي هناك من يحتال على الآخرين بعلم، وبعضهم دون أن يدري، إلى جانب وجود أهل الكفاءة والمبادئ وغير الأكفاء ممن لا مبادئ لهم في سوق التدريب.