ومنذ إعلان اللجان التحضيرية للمؤتمر الحضرمي الجامع، الذي دعا إليه حلف حضرموت، وهو تجمّع قبلي، قبل أسابيع، حركت أطراف سياسية ورقة حضارم المهجر للتأثير في الوضع السياسي في المحافظة، خصوصاً أن هذه الشريحة تمثل ثقلاً مالياً، تحديداً في منطقة الخليج وشرق آسيا. وفي هذا السياق عُقدت في السعودية جملة من الاجتماعات التشاورية لمناقشة أوضاع المحافظة وتحديد الموقف من المؤتمر الحضرمي الجامع، الذي يهدف للخروج بوثيقة تحفظ لحضرموت حقوقها.
وعُقد في الرياض قبل أسابيع اجتماع ضم عدداً من النخب السياسية، وتشكّلت خلاله لجنة المؤتمر الجامع بالمهجر، وتم الاتفاق على تشكيل لجان للعمل لنقل رؤى المهجر للمؤتمر الجامع، ولا زالت اللجان مستمرة في لقاءاتها. كما عُقد لقاء في المنطقة الغربية وتم خلاله تشكيل لجنة لحضارم المنطقة الغربية للمساهمة في تقديم رؤية للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المحافظة.
على الجانب الآخر عقدت ما تسمى بـ"منسقية الحضارم" مطلع الأسبوع الحالي في الرياض لقاء للمطالبة بتصحيح مسار اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجامع وإعادة هيكلته وتأخير انعقاده، لحين تجاوز بعض الإشكاليات. وأقر الاجتماع تشكيل مجلس حكماء حضرموت، وأنيط به تولي مهام الرقابة والإشراف على سير تحضيرات اللجان وأعمالها.
وحضر اللقاء وكيل وادي حضرموت المساعد عبدالهادي التميمي، والشيخ عبدالله بن محسن الكثيري وعدة شخصيات سياسية واجتماعية.
كما شهدت العاصمة السعودية لقاء موسعاً استضافه مستشار العاهل السعودي، سعد الشثري، وحضره رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر، وشخصيات تمثل محافظات إقليم حضرموت. وأكد اللقاء في مجمله على الدفع باتجاه قيام الدولة الاتحادية الفيدرالية.
إلى ذلك عُقد في العاصمة الماليزية، كوالالمبور، قبل أيام اجتماع ضم 1000 شخصية من أصول حضرمية مستقرة في شرق آسيا، بحضور رجال أعمال ووزراء سابقين ومسؤولين، تقدّمهم السفير اليمني في ماليزيا، عادل باحميد، الذي ينحدر من حضرموت، ورجل الأعمال الشيخ عبدالله بقشان، ذو الأصول الحضرمية.
وعلى الرغم من أن لقاءات مماثلة عُقدت خلال السنوات الماضية في ماليزيا، إلا أن هذا العام شهد حضوراً لافتاً من بعض الشخصيات السياسية التي وفدت من دول أخرى، كما شهد الاجتماع تغطية إعلامية كبيرة.
ويأتي هذا الحراك لحضارمة المهجر تزامناً مع لحظة حساسة تمر بها المحافظة، التي تحررت لتوها من قبضة تنظيم "القاعدة" وتسعى إلى تطبيع الحياة وانتزاع حقوقها بعد عقود من التهميش.
لكن يظل السؤال الأبرز إلى أي مدى سيكون تأثير حضارم المهجر على الداخل؟ وهل ستستفيد الدول الخليجية مثلاً من هذه الورقة للضغط على أطراف محلية لتبنّي وجهة نظرها تجاه مستقبل المحافظة، التي تمثل عمقاً استراتيجياً خصوصاً للسعودية التي تملك حدوداً شاسعة مع المحافظة؟ في هذا السياق يقول المتخصص في العلاقات الدولية، صالح بازياد، إن حضرموت بمثابة طائر له جناحان لا يستطيع الطيران بأحدهما فقط وهما حضارم الداخل والمهجر، بل إن أهمية حضارمة المهاجر تكاد تكون أهم وأكثر فاعلية على الكثير من الأصعدة، خصوصاً السياسية والاقتصادية.
ويرجع بازياد ، هذه الأهمية إلى ما يمتلكه حضارم المهجر من أدوات فاعلة وخبرات متعددة في مجتمعاتهم أكسبتهم ثقلاً اجتماعياً، معتبراً أنه من المهم عدم إغفالهم في ترتيبات مهمة مثل عقد مؤتمر جامع يفترض أن تتمثل فيه كافة الشرائح الحضرمية بمختلف تنوعها.
ويشير إلى أن امتلاك حضارم المهجر شبكات علاقات واسعة وثقلاً شعبياً في دولهم، إذ إنهم أضعاف أعداد حضارم الداخل، يجعل تأثيرهم عميقاً، فضلاً عن تبوؤ الكثير من المهاجرين مناصب في مراكز اتخاذ القرار المصيرية. ويلفت بازياد إلى أهمية رؤوس الأموال الكبيرة التي ستُوجّه للاستثمار في الداخل وتأثيرها على الواقع السياسي والاقتصادي، لكنه يربط ذلك بتروٍّ ووعيٍ يترجمان عبر آليات فاعلة تستوعب المهاجر الحضرمية في كل مراحل الإعداد لمؤتمر حضرموت الجامع بما يمكنهم من تضمين رؤاهم في وثائق المؤتمر.
من جهته، يرى الكاتب السياسي المقيم في السعودية، هاني مسهور، أن التفاعل الحضرمي في المهجر السعودي مع مؤتمر حضرموت الجامع يؤكد انبعاث الهوية الحضرمية، وهذا ما حدث تماماً، إذ استشعر أبناء حضرموت أهمية المرحلة السياسية خصوصاً بعد انطلاق "عاصفة الحزم" في 26 مارس/آذار 2015 وما تلاها من أحداث، وخصوصاً سقوط المكلا عاصمة حضرموت بيد "القاعدة"، وانخراط عشرات الآلاف من الحضارم في جيش النخبة الذي شكّل مع التحالف العربي رأس حربة لتحرير ساحل حضرموت.
ويعتبر مسهور أن ما تمر فيه حضرموت هو سياق طبيعي بترتيب البيت الداخلي الحضرمي، وما يقدّمه أبناء المهاجر هو إسناد للداخل في عمل تكاملي يحاول فيه الجميع تأسيس مرحلة جديدة لحضرموت المستقبل، والتي تضمن القدر المطلوب من حقوق حضرموت في ثرواتها النفطية والبحرية وغيرها والتوظيف المدني والعسكري لأبناء حضرموت والسيطرة على المنافذ البحرية والبرية والجوية.
وعن علاقة المهاجرين الحضارم بالأسرة الحاكمة في السعودية، يلفت مسهور إلى أن هذه العلاقة هي أعمق علاقة معروفة بين الأسرة السعودية والجالية الحضرمية منذ تأسيس المملكة وحتى عهد الملك سلمان بن عبد العزيز.