يتعرض القطاع التجاري اليمني في مناطق سيطرة المتمردين الحوثيين للتنكيل من خلال الابتزاز والإتاوات غير القانونية، وامتد التضييق إلى أحد المنافذ البحرية الاستراتيجية وهو ميناء الحُديدة المطل على البحر الأحمر (غرب)، مما أدى إلى تعطّل النشاط التجاري في عدد من القطاعات ويهدّد بتوقف كلي للحياة الاقتصادية.
وتسيطر جماعة أنصار الله (الحوثيون) على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة منذ شهر سبتمبر/أيلول عام 2014، كما تحتل محافظة الحُديدة الساحلية وميناءها المطل على البحر الأحمر.
وأكدت مصادر تجارية لـ "العربي الجديد" أن الحوثيين فرضوا مبلغ 100 ألف ريال (الدولار = 250 ريالا) على الشركات الملاحية مقابل كل سفينة تدخل الميناء، تحت اسم "دعم البنك المركزي" في صنعاء الذي قررت الحكومة الشرعية تحويله إلى فرع، في حين يصرّ الحوثيون على استمرار عمله مقراً رئيسياً.
وأوضحت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن الجماعة فرضت أيضاً منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مبلغ 5 آلاف ريال على كل بيان جمركي يتم تخليصه دعماً للبنك، وبسندات من دون ختم رسمي، وترفض إدارة جمرك ميناء الحديدة إعطاء فواتير للمبلغ الذي يتم تحصيله.
وأشارت المصادر إلى أن الحوثيين عينوا مندوباً لا يتبع مصلحة الجمارك لتحصيل المبالغ المطلوبة.
وقررت الحكومة الشرعية، منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين إلى عدن، في مسعى لتجفيف منابع تمويل الحرب. ورفض الحوثيون قرار نقل البنك المركزي من صنعاء لعدن وأطلقوا حملة شعبية لجمع التبرعات لمصلحته، وسط شكوك بذهاب التبرعات للمجهود الحربي.
وعبّر تجّار عن غضبهم من التضييقات في ميناء الحديدة مطالبين الحكومة الشرعية بنقل حركة الملاحة التجارية إلى موانئ عدن والمكلا.
زيادة الإتاوات
عقب قرار نقل البنك المركزي لجأت جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء وعدد من المدن إلى العديد من الإجراءات والقرارات التي استهدفت القطاع الخاص ووصل الأمر إلى ممارسة الابتزاز على صغار التجار.
وقال تجار في العاصمة صنعاء لـ"العربي الجديد" إن الحوثيين يواصلون تحصيل مليارات الريالات من رجال الأعمال وكبار التجار تحت مبررات متعددة منها الدور الوطني ودعم المجهود الحربي ودعم البنك المركزي.
وحسب التجار، انتقل الحوثيون إلى جباية الأموال من صغار التجار ومالكي محلات الغذاء والملابس والإلكترونيات، وفرضت مليشيات الحوثي المسلحة مبالغ طائلة على أصحاب المحلات التجارية الكبرى ومحلات الذهب في العاصمة صنعاء بحجة دعم البنك المركزي.
وأكد رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، أن جماعة الحوثي تُمارس ابتزازاً على كل البنوك والشركات والمؤسسات التي تقع تحت سيطرتها، ووصل الأمر إلى انتهاكات جرّمها القانون كالمداهمة والاعتقال، وتزامن ذلك مع إصدار قرارات جديدة تقضي برفع مزيد من الرسوم والإتاوات على التجار في ميناء الحُديّدة بدون أية مسوغات قانونية".
وقال نصر لـ"العربي الجديد: "هذه التصرفات بالتأكيد سيكون لها رد فعل سلبي علي الاقتصاد والمواطنين لأن تلك السياسات ستدفع القطاع الخاص لمزيد من الحذر والهروب.
وطالب نصر كافة منظمات القطاع الخاص ابتداء بالاتحاد العام للغرف لتجارية ومنظمات الأعمال بالدفاع عن أعضائها الذين يتعرضون لابتزاز يومي دون مبررات قانونية.
واتجهت الجماعة بعد تشكيل حكومة في صنعاء إلى "شرعنة" القطاع الخاص الطفيلي الذي تم تأسيسه خلال الحرب وتدمير القطاع الخاص الرسمي. ودعا نائب برلماني محسوب على حزب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، في 8 ديسمبر/كانون الأول، لإعادة تقييم الشركات ورجال الأعمال.
وطالب النائب عبد السلام زابية، خلال جلسة للبرلمان بتقييم الشركات ورجال الأعمال "بحيث تكون أولوية التسهيلات للواقفين مع الوطن والشعب" على حد قوله. وعمل الحوثيون على تكوين إمبراطورية مالية وكيان اقتصادي موازٍ عبر عائدات السوق السوداء بعد تدمير القطاع الخاص.
ابتزاز وتنكيل
وتعد السفن المحتجزة في ميناء الحديدة منذ عام كامل مثالا على التنكيل والابتزاز الذي يمارسهما الحوثيون ضد تجار القطاع الخاص الرسمي لصالح السوق السوداء وقطاع خاص طفيلي تابع لهم. واحتجزت سلطات الحوثيين أربع سفن مملوكة لشركات شحن أجنبية عالقة منذ عام كامل، في ميناء الحديدة.
وحسب مصادر في ميناء الحديدة، لا تزال سفن محملة بالمشتقات النفطية تابعة لشركة كروغاز يمن للطاقة تنتظر في ميناء الحُديدة، منذ أشهر طويلة بسبب عدم قدرة البنك المركزي على سداد قيمة تلك المشتقات النفطية؛ ما أدى إلى احتساب غرامة تأخير وصلت إلى مبالغ كبيرة بالدولار، وبالتالي لجوء الشركة الموردة إلى القضاء.
وصدر حكم من المحكمة التجارية بالحديدة، في يونيو/حزيران الماضي، لصالح شركة كروغاز ويقضي بإلزام شركة النفط الوطنية الحكومية بتقديم ضمان بنكي لصالح الشركة بقيمة شحنات الوقود التي استوردتها.
لكن الشركة الحكومية الخاضعة للحوثيين استمرت في المماطلة، وأقدمت على تفريع كميات وقود من إحدى السفن التابعة للشركة، رغم أن السفينة تعد ضمن عدة سفن متنازع حولها وترسو منذ أكثر من عام في الميناء ولم تسدد الشركة قيمتها.
وحسب الوثائق، التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، فقد وجه مدير الشركة علي الطايفي، الموالي لجماعة الحوثي، بصرف أربعة ملايين لتر من الباخرة هيدروسا.
في حين توضح وثيقة من مدير الدائرة التجارية لشركة النفط إلى مدير فرع الحديدة بضرورة التحفظ على الباخرة واحتجازها وعدم السماح بصرف أي كميات منها "حفاظا على حقوق جميع كل الأطراف"، وهو ما تجاوزه مدير الشركة كنوع من العقاب على إثر بيان أصدرته شركة كروغاز قبل أيام ترد فيه على اتهامات شركة النفط.
غرامات وخسائر
أوضح مدير العمليات بشركة كروغاز يمن للطاقة فوزي المعمري، أن الشركة قامت بتوريد شحنات وقود منذ بداية الحرب وحدث خلاف مع شركة النفط الحكومية حول السعر.
وقال المعمري لـ "العربي الجديد": "تقديرا للظروف التي تمر بها البلد وضعت شركتنا تسهيلات للدفع بضمان بنكي، ورغم ذلك ظلت سفننا تحتجز لأشهر، وشركة النفط غير قادرة على الدفع وتتراكم عليها غرامات تأخير".
وأضاف أن "الشركة التزمت بدفع الغرامات وقدمت تعهدات وعندما تراكمت مبالغ كبيرة على شركة النفط كغرامات تأخير وفي ظل المماطلة اتجهنا إلى المحكمة المختصة بالقضايا التجارية وصدر حكم لصالحنا يقضي بإلزام شركة النفط بتقديم ضمان بنكي وأن تقوم بتفريغ الشحنات".
وتابع المعمري: "ظلت شركة النفط تتهرب وتختلق الأعذار، ثم أخبرتنا أنها ستتولى التواصل مع الشركة الأم المالكة لشحنة الوقود وهي شركة روسية على أساس إبرام اتفاق الغرض منه التهرب من التسديد وأبلغنا شركة النفط أننا مع أي تسوية تتم".
وقال مراقبون، إن المستفيد الأكبر من تعقد قضية كروغاز هم تجار السوق السوداء الذين تدخل كمياتهم إلى السوق بمنتهى السهولة مقابل رسو سفن كروغاز المستوردة لمصلحة شركة النفط منذ أكثر من عام في ميناء الحديدة، وهي الكميات التي من المفترض أن تباع للمواطنين بالسعر الرسمي المدعم. -