دفع الدور المتنامي لمليشيات ما يسمى الحشد الشعبي في العراق؛ إيران للتفكير في تحويلها تدريجياً من محاربة داعش، هدف نشأتها المعلن، إلى استراتيجية جديدة تتحول من خلالها إلى مؤسسة موازية للجيش العراقي، وربما تبتلعه، من خلال الأدوار الأمنية والعسكرية وحتى السياسية التي ستسند إليها من الآن فصاعداً بعد ضمها رسمياً إلى الجيش.
مستشار الأمن الوطني في الحكومة العراقية، ورئيس "الحشد الشعبي"، فالح الفياض، أعلن الأحد، أن الحشد "أصبح تشكيلة عسكرية بالأطر الكاملة"، وأنه "سيعاد ترتيب العناصر وفق آلية يضعها القائد العام للقوات المسلحة". ويشمل مشروع القانون تحويل الحشد الشعبي إلى قوة عسكرية تخضع للقانون العسكري، وليس فقط اعتباره قوة أمن داخلي، ما يؤهله للتصرف بنفس طريقة الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب.
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، عبد الوهاب بدرخان، تساءل عن موقف المجتمع الدولي من تقنين وضع الحشد الشعبي بالعراق، برغم ما يمارسه من إرهاب ضد سنة العراق، مضيفاً أنه بين عشية وضحاها بات الشعب العراقي يأتمر بأمر إيران، ما جعل الدولة العراقية مجبرة على تبني هذا الحشد وتحويله إلى مؤسسة رسمية، وفق ما قاله في تصريح خاص لـ "الخليج أونلاين".
وأشار الكاتب الصحفي إلى أن هذا "الحشد لم يفقد طابعه الوقتي ولا طابعه المذهبي، كما لم يفقد طبيعته الإيرانية، ومن ثم فإن الخوف منه اليوم كبير جداً؛ من أن يتحول إلى حزب إيران في العراق، شبيهاً بحزبها في لبنان، ويناط به نفس الدور التشييعي والتخريبي، ما يجعل دول الخليج، أو جلها، لا تنظر بارتياح إليه، كما تعتقد أن هذا الحشد سيكون أداة من أدوات عدم الاستقرار في المنطقة".
التقنين الذي حظي الحشد الشعبي به جاء بعد تصريحات كثيرة لقادته تؤطر تدخُّله المباشر في الحياة المدنية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فضلاً عن الدور العسكري الذي بات يتضخم شيئاً فشيئاً، وهو ما كان سبباً في حدوث تحول تكتيكي نحو الساحة المحلية، خاصةً مع اقتراب انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش المحددة خلال أشهر قليلة قادمة، والتي بانتهائها ينتهي دوره الذي أنشئ من أجله، فبات يبحث عن شرعية تجيز له الاستمرار في الوجود.
ولكون الحشد الشعبي العراقي بمثابة الذراع الإيرانية في العراق، حسبما أكدته مصادر إيرانية وعراقية عديدة، انتابت تخوفاتٌ الساسةَ والمسؤولين من أن يتحول الحشد بتوجيهات إيرانية إلى مؤسسة ثابتة داخل جسد الدولة العراقية، مثلما حدث في لبنان حين أنشئ حزب الله، ومن ثم سيكون ذريعة قوية للتغلغل الإيراني.
التخوفات من إقصاء السّنّة في العراق تصاعدت فور تقنين وضع الحشد الشعبي برغم الإرهاب الذي كان يمارسه بحق السنة، حيث ترتّب على قرار تقنينه انسحاب الأعضاء السنة من البرلمان العراقي، معتبرين أن هذا "التقنين بمثابة طعن في العملية السياسية والشراكة الوطنية"، ومن ثم فقد تسبب التقنين بإقصاء وتهميش المشاريع الأخرى ما عدا المشروع الشيعي.
نموذج حزب الله اللبناني واعتباره سلطة فوق سلطة الدولة في لبنان يبقى شبحاً يُخشى وصوله إلى العراق، خاصةً أن الحشد الشعبي يسعى للسيطرة على أجزاء كبيرة من الدولة العراقية، ويتأهل ليكون سلطة لا تعلوه سلطة أخرى، أو على الأقل لا يخضع لسلطة عليا أو يلتزم بحدودها.
الإقصاء الذي سيعاني منه أهل السنة في العراق لن يقتصر عليهم فحسب، وإنما سيلحق الأكراد بهم أيضاً، وفق ما ذكره موقع "رووداو" الكرديّ، ناسباً ما نشره إلى محللين ومواطنين في 14 أغسطس/آب الماضي، حيث انتقدوا قرار البرلمان العراقي بضم الحشد الشعبي إلى الجيش، واعتبروا القرار خطوة لإيجاد قوة موازية للدولة، يتيح لهذه القوة السيطرة على الفصائل المقاتلة الأخرى، خاصةً تلك التي شاركت في تحرير محافظة صلاح الدين والرمادي ومدينة الفلوجة، والتي تشارك حالياً في تحرير الموصل.
وكانت قوى إقليمية، على رأسها السعودية، نادت مراراً بأهمية وضرورة حل الحشد الشعبي، وذلك وفق ما قاله وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في 2 يوليو/تموز الماضي: "إنّ الحشد الشعبي طائفي، ولا بد من تفكيكه؛ لأنه يؤجج التوتر الطائفي"، بالإضافة إلى تحركات بعض الأطراف لإيجاد بديل عبر إنشاء اتحاد القوى السني، وتخصيص الحشد الشعبي في مناطق محددة تكون خاضعة له، ويكون لكل محافظة جيشها الخاص يضم أبناءها فقط.
وذكر هذا المقترح في ورقة الإصلاح السياسي التي اتفقت عليها الكتل السياسية العراقية سابقاً، وقد أيدتها الحكومة، وكان مقرراً أن يعلن عن إنشاء "الحرس الوطني"، وفقاً للورقة، في 3 فبراير/شباط 2015، ولكنه لم ينفّذ إلى الآن.
الموقف السعودي الذي ظهرت مواقف خليجية مماثلة له، لا سيما على لسان مسؤولين من الإمارات والبحرين، تصف الحشد الشعبي بالتطرف والإرهاب، يجعل التنبؤ بكيفية تعامل دول الخليج مع الوضع الجديد في العراق أمراً صعباً، والمؤكد أن هذه الدول باتت تجد نفسها اليوم أمام تحدٍّ جديد، ولا مفر أمامها من التعامل مع الأمر الواقع، إلا أنها ستسعى إلى الرد على الخطوة الإيرانية التصعيدية، لكن السؤال كيف ومتى؟