منذ أكثر من عقدين واليمن يعاني ظاهرة الاختطاف، خصوصاً اختطاف الأجانب، سواء كانوا سياحاً أو مقيمين، لكن الأزمات السياسية المتتالية التي تكللت بالحرب منذ نحو عام ونصف، غيبت قليلاً هذه الظاهرة التي أساءت إلى اليمن واليمنيين، ومع ذلك فقد عادت هذه المشكلة إلى واجهة المشهد اليمني مع استمرار التغييب القسري للتونسية نوران حواس منذ الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2015.
"حواس"، التي تعمل مديرة قسم الحماية في بعثة الصليب الأحمر في العاصمة صنعاء اختُطفت من داخل سيارتها رفقة زميل لها أطلق الخاطفون سراحه بعد ساعات من اختطافه.
وانتشر مقطع مصور في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً تناشد فيه الشابة "نوران"، التي تحمل الجنسية الفرنسية أيضاً، الرئيسين الفرنسي واليمني والصليب الأحمر لإنقاذها من خاطفيها، ولم تحدد هوية خاطفيها أو أياً من طلباتهم، وهو ما جعل اللجنة الدولية للصليب الأحمر تطالب، في بيان لها، وسائل الإعلام والجمهور بعدم نشر أو مشاركة الفيديو، احتراماً وتقديراً لنوران وعائلتها، وهو طلب أكده أيضاً بيان "الخارجية" التونسية.
وامتنعت اللجنة الدولية عن التكهن بهوية الخاطفين، أو إصدار أي تعليق آخر حول المقطع لحساسية الملف، وحرصاً على الحفاظ على حياة المختطفة، لكن تقارير إعلامية تتحدث عن مطالبة الخاطفين بفدية مالية، وهو أمر مرجح بالقياس إلى دوافع حوادث سابقة.
ليست حواس المختطفة الأولى من موظفي الصليب الأحمر؛ ففي 21 أبريل/ نيسان من عام 2012 تعرض الفرنسي بنجامين مالبرانك للاختطاف من قبل رجال مسلحين قرب مدينة الحديدة (غرب البلاد)، قبل أن يطلق سراحه في منتصف يوليو/ تموز من العام نفسه.
- الحادثة الأولى
أول يمني يقوم باختطاف أجانب هو "مبارك المشن"، من محافظة مأرب، حيث تتناقل المصادر أنه اختلف مع نظام الرئيس المخلوع علي صالح فقام باختطاف دبلوماسي رفيع في السفارة الألمانية من وسط صنعاء عام 1992، واقتاده إلى مأرب، لتتوالى بعد ذلك العمليات بدوافع مختلفة، توزعت بين المال، والمطالب الحقوقية، ومطالب الضغط على الدولة للإفراج عن سجناء.
اللافت أن المشن- وهو عسكري برتبة لواء- أصبح مؤخراً عضواً عن الحوثيين في المجلس السياسي الأعلى الذي شكلوه بالشراكة مع المخلوع صالح لإدارة المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون، وهو أمر أثار سخرية اليمنيين، خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استنكروا أن يصبح من وصفوهم بقطّاع الطرق مسؤولين رفيعين في البلاد.
- أبرز العمليات
* بلغت حوادث الاختطاف في اليمن ذروتها في أواخر عام 1998؛ عندما تعرضت مجموعة مسلحة لفوج سياحي واختطفت 16 سائحاً في محافظة أبين، وشكلت الحكومة على أثر ذلك "محكمة قضايا الاختطاف".
*في يوليو/تموز 2012، اختطف واحد من ضباط أمن السفارة الإيطالية في صنعاء، وتبنت جماعة قبلية العملية كوسيلة ضغط لإرغام السلطات على الاستجابة لمطالبها.
* اختطاف القنصل السعودي عبد الله الخالدي من عدن في 28 مارس/آذار 2012 من قبل مسلحين يتبعون تنظيم القاعدة، ولم يفرج عنه إلا بعد ثلاث سنوات.
ورغم أن أغلب بيانات الإفراج عن المختطفين تنفي الخضوع للمطالب المالية، فإن متابعين يؤكدون أن الجهات التي ينتمي إليها المخطوفون تضطر إلى دفع فديات مالية كبيرة في أغلب الحوادث.
- الدافع الأبرز
الناشط الحقوقي اليمني أحمد القرشي، عد تنامي ظاهرة الاختطاف خلال السنوات الماضية بحق اليمنيين وغيرهم يأتي كوسيلة ضغط على الحكومة لتنفيذ مطالب بعض القبائل، ومنها مطالبات بمشاريع تنمية، أو إطلاق سجناء، أو الحصول على امتيازات معينة، لكنه تحول إلى وسيلة لجلب المال من الأجانب بشكل أساس، برأيه.
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أضاف القرشي: "بعض الجماعات الإرهابية والمسلحة سلكت طريق الاختطاف للحصول على أموال لتمويل أنشطتها"، وأكد أن ضعف أو عدم جدية الدولة في وضع حد للمشكلة يعد أبرز أسباب هذه الظاهرة، خصوصاً مع عدم تطبيق عقوبات صارمة على الخاطفين.
ويرى "القرشي" أن "استجابة الدول التي يُختطف مواطنوها لضغوط الخاطفين من خلال دفع أموال طائلة للخاطفين يعد سبباً بارزاً أيضاً، بالإضافة إلى استجابة الحكومة اليمنية لمطالب الخاطفين؛ كتنفيذ مشاريع، وإطلاق سجناء، وغير ذلك".
كما أن انحسار التزام كثير من القبائل بمنظومة القيم القبلية، التي كانت تحمي الفئات الضعيفة، كالنساء والأطفال، والضيوف، وغير المحاربين إجمالاً، حتى في ظل الصراعات القبلية المسلحة؛ يعمق من هذه الأزمة أيضاً.
- آثار كبيرة
وأوضح "القرشي" أن للاختطاف آثاراً كبيرة؛ "لكونه يضر بحقوق المخطوفين وذويهم بشكل مباشر، كما يشجع على تنامي الجريمة واللجوء إلى أدواتٍ ووسائل غير قانونية في تحقيق أهداف الخاطفين، حتى لو كانت مشروعة في بعض الأحيان، بل ويكرس الصورة السلبية عن القبيلة".
وقد ألحقت ظاهرة خطف الأجانب أضراراً كبيرة بسمعة اليمن واقتصاده الوطني، بعدما تسببت بشكل مباشر في عرقلة حركة الاستثمارات الأجنبية، ووجهت ضربات مؤثرة لحركة السياحة؛ من خلال تقليص عدد السياح، ومضاعفة خسائر تشغيل المنشآت السياحية، وإحباط جهود الترويج السياحي في الخارج، وانخفاض العائدات السياحية بنسبة وصلت إلى 55% في عام 2012، حسب إحصاءات حكومية.
وقد تعثر القطاع السياحي تماماً عقب انقلاب مليشيا الحوثي وصالح في سبتمبر/أيلول من عام 2014.
ووفقاً لأرقام حكومية، فقد سجلت 133 عملية اختطاف في عام 2011، مقابل 41 عملية في عام 2010.
وتصدرت العاصمة صنعاء مسرح جرائم الاختطاف، تلتها محافظة لحج، ثم محافظة ذمار.