لا زال المخرج والشاعر اليمني حميد عقبي، على الرغم من المعوقات والصعوبات التي واجهت تجربته؛ مؤمناً بـ»سينمائية القصيدة وشعرية السينما». يعمل في السينما الشعرية ويقيم في فرنسا، وتحول هذا العمل الى طريقة للتفكير، وربما أسلوب يمارس فيه نشاطه عند الكتابة الأدبية.
أكمل عقبي دراسته العليا في السينما الشعرية في جامعة كون الفرنسية، ومازال يشتغل باحثا في التخصص ذاته، وأخرج عدداً من الأفلام القصيرة، ونشر وينشر العديد من الدراسات والمقالات النقدية، وأصدر هذا العام 11 كتابا إلكترونيا أهمها «كارمن (قصص سينمائية)»، «الرصيف السينمائي»، «السينما والواقع» وأربع مسرحيات (الرصيف ــ مونودراما فانتازيا كائنات أخرى ــ أطفال الشمس -ولا شيء يحدث هنا).
يعمل حميد مدرساً في عدد من مراكز التدريب المسرحي والسينمائي في مقاطعة «النورماندي» الفرنسية، وفيها أنشأ، مؤخراً، مؤسسته الخاصة للإنتاج المسرحي والسينمائي، مؤكداً في مقابلة مع «القدس العربي» ان لديه أكــــثر من سيناريو فيلم طويل ينتظر إنتاجه وإخراجه من خــلال هذه المؤسسة، منها سيناريو فيلم «بلال وحورية»، الذي تعثر إخراجه بسبب غياب الممول، متمنياً تجاوزها قريباً، علماً بأن «مشكلة التمويل هي مشكلة عامة في فرنسا».
بعد هذه السنوات (الصعبة)، لا ينكر حميد عُقبي، أن اتجاهه نحو السينما الشعرية كان مغامرة، ويعترف بأن ما يعيشه معها، هو «ورطة وورطة جميلة فعلاً، إذ هي خلقت في داخلي ذلك الطفل المجنون الذي يحلم، يهذي، يكتب، يسعى أن يصوَّر بعض جنونه سينمائياً لو انفرجت المشاكل المادية». ويضيف: «لم أكن محظوظاً بفرصة إنتاج فيلم طويل، ومازال هناك وقت، لذا لستُ محبطاً، ولا أشعر بالصدمة أو الخسارة، المهم أن يكبر خيال الطفل المجنون في داخلي. الخسارة والصدمة ستكون لو تعافى خيالي الطفولي المجنون، عندها فقط ينتهي الفنان. إن اتجاهي نحو «السينما الشعرية « قد كشف لي مدى هشاشة تكويني الفني والفكري؛ فحفزني ذلك لتنمية قدراتي ومهاراتي حتى أصبحت علاقتي بالسينما الشعرية تتجاوز الفيلم إلى الحياة، بل يظهر تأثيرها في كل انشطتي وكتاباتي».
في كتاباته المختلفة يتناول عُقبي الكثير من القضايا المثيرة للجدل، بل أنه تعرض بسبب بعضها لردود فعل ومشاكل في اليمن، إحداها انتقلت على أثرها أسرته من اليمن لتقيم معه في فرنسا نتيجة تعرضها لتهديدات.. وهنا يدافع حميد عما يعتقد أنها حرية المخرج والفنان «إذ لا يمكن أن يكون هناك فنان خائف، محاصر وخاضع لأي تأثيرات دينية أو سياسية».
درس حميد عقبي الإخراج التلفزيوني والإذاعي في كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد، وفي سنة التخرج قادته الصدفة إلى عالم السينما الشعرية. يقول عُقبي: «يمتلك المخرج الشاعر، في فضاء السينما الشعرية، كامل الحرية في التعبير عن أحلامه وهواجسه وقلقه من خلال الكاميرا والصورة مثله، في ذلك، مثل الشاعر وهو يكتب قصيدته معبراً من خلالها عن هواجسه وأحلامه. السينما الشعرية هي التعمق في دواخل النفس البشرية، لتظهر شرها وخيرها، شكوكها، أحلامها وكوابيسها، رؤيتها إلى اللامرئي»، ويوضح انه «ربما يمكن القول إنه لا توجد نظريات تحكم هــــذا الاتجاه؛ هناك أفكار كثيرة وأعمال لبازوليني وكوكتو وبونويل وتاركوفسكي وبيرجمان وغيرهم…المسألة باختصار هي إبحار في بحر متلاطم من الخيال والجدل الحر والإيغال بالحلم، انطلاقاً من الواقع الاجتماعي».
لكن تبقى الملاحظة في قلة حضور هذه الأفلام في المهرجانات وندرة، إن لم يكن غياب، إنتاجها عربياً، اذ يشير عُقبي إلى «أن الحــرية والتمرد في هذه النوعية من الأفلام قد جعلت من الفيلم الشعري ملاحقاً وممنوعاً، وتسببت في حدوث صدامات بين المخرج كفنان وشاعر والسلطات الدينية والسياسية وغيرها. وأنا بهذا لا أقول إن الفيلم الشعري أشبه ببيان سياسي أو موعظة اجتماعية، بل هو أخطر من ذلك؛ فهو صرخة من العمق الإنساني لا يحكمه شكل أو فكر أو قالب معين».
وعند الحديث عن الأفلام الشعرية لابد من التمييز بين شعرية الفيلم السينمائي والمعالجة السينمائية للقصيدة الشعرية، وهنا نعود بالمخرج حميد عُقبي إلى بدايات تجربته، وهي المرحلة التي أخرج فيها عدداً من الأفلام القصيرة في سينمائية القصيدة الشعرية، وهنا يؤكد على الفرق بين مفهوم سينمائية القصيدة الشعرية التي تعني المعالجة السينمائية للقصيدة، بينما السينما الشعرية تعني اشتغالا سينمائيا بنفس شعري على الصورة السينمائية ترجمة لهواجس المخرج الشاعر.
وكان فيلم «الكتابة بدم المقالح» أول افلامه القصيرة في سينمائية القصيدة الشعرية، ومثَّل فيلم «الرتاج المبهور» آخر أفلامه في هذا السياق… يقول: في تلك الأفلام اتبعت أسلوباً سهلاً وغير معقد ولكنه ذاتي ولا يعتمد التقليد؛ فكل قصيدة اشتغلتُ عليها قمتُ بمعالجتها قصصياً، انطلاقاً من فهمي الخاص للقصيدة ومزجها بتجربتي وأحاسيسي، أي أنني عملت على إحداث نوع من التزاوج بين الشعر والسينما».
اليمني حميد عُقبي: السينما الشعرية ورطة و«نادرة»
(مندب برس- القدس العربي)