لم تعد الأزمة السياسية المعقدة في اليمن منذ سنوات بين قوات الشرعية وبين المتمردين الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، هي فقط أخطر ما يهدد اليمن ووحدته واستقراره، بل أضحى خطر الإرهاب لا يقل ضراوة عن خطر الحرب المستعرة لما يشكله من تهديد، ليس فقط لليمن بل للمنطقة والعالم، وهو ما يستدعي ضرورة التحرك الجماعي لاستئصال هذا المرض قبل استفحاله وصعوبة القضاء عليه، حيث تشكل الجرائم التي ارتكبها تنظيم «القاعدة» وعملياته المباغتة في حضرموت وأبين ورداع والبيضاء ومدينة عدن وغيرها، وكان أبشعها الجريمة الإرهابية المروعة التي شهدتها دار المعوقين بمديرية الشيخ عثمان بمحافظة عدن، قبل أسابيع وسقط فيها نحو 17 قتيلاً، جرس إنذار للجميع.
رغم أن جذور الإرهاب في اليمن، الذي تمثله جماعات تنظيم القاعدة، تعد قديمة ، وتحديداً منذ عقدين واستهدفت القوات والمؤسسات الحكومية للدولة اليمنية والمصالح الأجنبية خاصة الأمريكية، وجرت جولات من الصراع والشد والجذب بينهما، إلا أن خطر الإرهاب زاد بشكل كبير خلال السنوات الخمس السابقة وتحديدا بعد الثورة اليمنية، وذلك لعدة أسباب:
أولاً: تعقيدات الأزمة اليمنية واستمرار حالة الصراع بين قوات الشرعية التي يقودها الرئيس هادي، وبين جماعة الحوثي المتمردة التي أعلنت انقلابها على الشرعية في سبتمبر 2014 والتي تدعمها قوات الرئيس المخلوع صالح، واستمرار المعارك بين الجانبين وغياب أفق للحل السياسي حتى الآن، وقد شكلت بيئة الصراع في اليمن حالة من الفوضى والفراغ كان من أبرز نتائجها تنامي خطر الجماعات والتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم «القاعدة»، و«داعش» الذي بدأ يضع أقدامه في اليمن، فقد استغلت تلك التنظيمات تراجع قبضة الدولة اليمنية، وتركيزها على محاربة الحوثيين وتحرير المدن اليمنية، لبسط نفوذها على مناطق يمنية كثيرة خاصة في محافظات الجنوب، ومنها في حضرموت ومأرب والبيضاء وشبوة. ومن ناحية أخرى سعت أطراف الصراع- خاصة الحوثيين والرئيس المخلوع صالح- إلى عقد تفاهمات مع «القاعدة» و«داعش» كورقة في الصراع مع قوات الشرعية، وغض النظر عن انتشارهم في مدن الجنوب من أجل إظهار خطر الإرهاب، وبالتالي كسب الدعم الدولي والأمريكي لصالحهم.
ثانياً: صعوبة السيطرة على المدن والمناطق المحررة من قبضة الحوثيين وقوات صالح، ففي ظل إنهاك قوات المقاومة الشعبية والقوات الحكومية وتركيزها على المعارك ضد الحوثيين، اتسمت عملية تأمين المدن المحررة مثل عدن وغيرها بالضعف وهو ما سمح للجماعات والتنظيمات الإرهابية بالتمدد والتحرك فيها، وتوظيف الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجهها البلاد وحالة الغضب الشعبي من الحكومة، لتجنيد أبناء القبائل والتحالف معها ما أوجد أرضية شعبية لتلك التنظيمات وساعد على انتشارها خاصة في ظل امتلاكها أسلحة حديثة ومتطورة استولت عليها من قوات الجيش اليمني ومن قوات الحوثيين ومكنها من أن تجري عمليات نوعية في مناطق الجنوب.
ثالثاً: حالة السيولة التي يعيشها العديد من الدول العربية مع انتشار الحروب الأهلية فيها، خاصة سوريا والعراق وليبيا، والتي نمت فيها التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» وأصبح لديها أسلحة متطورة واستخدمت التكنولوجيا الحديثة في معاركها وسيطرتها على مساحات كبيرة في العراق وسوريا وتطبيق قوانينها وقواعدها الخاصة بها، وقد أدى تنامي التنظيمات الإرهابية في العديد من الدول العربية إلى امتداد آثارها إلى خارج تلك الدول وانتقل الكثير من العناصر المتشددة من العراق وسوريا مع الضربات العديدة التي تلقتها من قوات التحالف الدولي، إلى مناطق أخرى تتسم بالرخاوة والضعف مثل ليبيا واليمن لإقامة مناطق تجمع جديدة تكون منطلقاً لعملياتها الإرهابية، وساعدها في ذلك الحدود المفتوحة وصعوبة السيطرة عليها في ظل ضعف مؤسسات الدولة الوطنية والتحرك بسهولة عبر البحر والانتقال من مكان لآخر.
رابعاً: وهو الأخطر نمط التعامل العالمي مع مشكلة وخطر الإرهاب، الذي كان سبباً في انتشاره وليس في محاربته، فمن ناحية فإن الانتباه العالمي لخطر الإرهاب دائما ما يكون متأخراً وبعد أن تستفحل المشكلة وتزداد التفجيرات التي تمس الغرب ذاته، حيث يبدأ التحرك كرد فعل وليس وفقا لأسلوب المبادرة والتحرك لعلاج السرطان في بدايته قبل أن يستفحل وتكون تكلفة العلاج باهظة، وهذا ما حدث في الكثير من المناطق في العالم، فالجماعات والتنظيمات الإرهابية تنتقل وتنتشر وتتصاعد في أماكن كثيرة ولا يلتفت إليها أحد إلا بعد أن تقع الكارثة، ومن ناحية ثانية فإن التحرك العالمي في إطار الحرب على الإرهاب لم تجدِ نفعاً في القضاء عليه، بل أفضت إلى انتشاره وتزايد ضحاياه من المدنيين. ويعود ذلك إلى أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة يعتمد على المواجهة العسكرية فقط، وهو ما يصعب معه تحقيق نتائج فاعلة لأن التنظيمات الإرهابية تعتمد على حرب العصابات والانتشار في المدن ووسط المدنيين وفي المناطق التي تغيب فيها سلطة الدولة. وفي حالة اليمن فإن أسلوب الحرب من دون طيار التي تشنها الولايات المتحدة ضد عناصر تنظيم «القاعدة»، وإن نجحت في اغتيال العديد من زعمائه وقادته البارزين، إلا أنها لم تقض على التنظيم في اليمن وأدت إلى وقوع العديد من الضحايا المدنيين من جراء غارات الطائرات من دون طيار.
ومن ناحية ثالثة، فإن هناك ازدواجية عالمية في التعامل مع الإرهاب في اليمن، فالغرب- ومعه الولايات المتحدة- يقصر التنظيمات الإرهابية فقط على تنظيمات مثل «القاعدة» و«داعش»و«أنصار الشريعة» في اليمن ويتجاهل- بل ويغض الطرف عن- التنظيمات التي تمثلها جماعة الحوثي، التي ارتكبت جرائم لا تقل بشاعة عما ارتكبته «القاعدة» و«داعش» من قتل واستهداف للمدنيين وقصف المناطق التي تقطنها أعداد كبيرة من السكان، وهو ما حدث بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية والإعلان الدستوري بعد السيطرة على صنعاء. وهذه الازدواجية الغربية في التعامل مع التنظيمات الإرهابية ارتبطت بشكل أساسي بإشكالية تعريف الإرهاب وتحديد المنظمات الإرهابية، وهو الأمر الذي خضع للعبة المصالح والأهداف السياسية، فالحوثيون سعوا لإقناع الولايات المتحدة والغرب بأنهم يخوضون حرباً ضد الإرهاب وضد التنظيمات الإرهابية التي تمثلها «القاعدة» و«داعش»، لكسب التأييد الغربي، بينما يمارسون كل جرائم القتل والعنف مثل تنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين. وفي المقابل اعتبر الغرب أن الأولوية لمحاربة «داعش» وأن الحوثيين لا يشكلون خطراً، ولذلك لم تدن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الانقلاب الحوثي وإعلانه الدستوري، واكتفت الخارجية الأمريكية بإدانة ما أسمته الإعلان من جانب واحد، كما تقاعس الغرب عن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2216 بشأن انسحاب الحوثيين من الأماكن التي سيطروا عليها، والمساعدة في التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة اليمنية. وبالتالي لم تكن هناك سياسة أو رؤية موحدة بشأن التعامل مع الإرهاب والتنظيمات الإرهابية في اليمن، وهو ما ساعد على استفحال المشكلة، حيث أصبحت اليمن إحدى الدول البارزة في إنتاج وتصدير الإرهاب داخلياً وخارجياً، الذي طال الدول الغربية ذاتها، ما يشكل جرس إنذار خطر يدفع بضرورة أن يلفت العالم لما يحدث في اليمن من تفاعلات ومن بيئة مواتية لنمو الإرهاب وانتشاره.
لكن إذا كان اليمن اليوم- في ظل الأزمة الصعبة التي يمر بها- إحدى البؤر المرشحة لأن تكون منبعاً رئيسياً للإرهاب والتنظيمات الإرهابية المتشددة، فما الذي يمكن أن يفعله العالم لاحتواء هذا السرطان قبل أن يستفحل ويصل إلى مرحلة يصعب التعامل معها؟. الواقع أن التحرك العالمي لمواجهة خطر الإرهاب في اليمن يجب أن يتم على عدة مستويات متزامنة.
أولها: أن يكون هناك تحرك دولي جاد سريع لعلاج الأزمة اليمنية والتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم يرتكز على إعادة الشرعية واستيعاب الجميع في السلطة السياسية، بمن فيهم الحوثيون، في إطار حزب سياسي مشروع يمثلهم، وفقاً لمبدأ المواطنة واستبعاد كل من تلوثت أياديه بالدماء والقتل والتجويع والحصار، وأن يكون هذا الحل وفق مرجعية قرار مجلس الأمن الدولي 2216، ووفقا لمخرجات الحوار الوطني التي تم التوصل إليها في يناير/كانون الثاني 2015، الخاصة ببناء الدولة وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية والحكم الرشيد وغيرها، وأن يكون هناك ضغط دولي باتجاه التوصل إلى حل السياسي، وأن تكون هناك ضمانات لإلزام أطرافه بتنفيذه ومعاقبة من يتقاعس عن تطبيقه، ولا شك أن الحل السياسي سيساعد في إعادة بناء الدولة اليمنية وبناء مؤسساتها العسكرية والأمنية القوية القادرة على بسط نفوذها على كل أنحاء البلد وملء حالة الفراغ والسيولة الحالية والتفرغ لمواجهة التنظيمات الإرهابية ك «داعش» و«القاعدة»، وهنا من الضروري على الغرب، خاصة الولايات المتحدة وروسيا والدول الكبرى الأخرى، أن يكون التعامل مع الإرهاب وفق منظومة شاملة وليست انتقائية، واعتبار كل من يمارس القتل والترويع ويتبنى التطرف «إرهابياً».
ثانيها: أهمية التحرك الدولي على المستوى الاقتصادي لتجفيف منابع التنظيمات الإرهابية في تجنيد الشباب وأبناء القبائل تحت عوامل الفقر والجوع والأمية، وذلك بدعم عملية التنمية في اليمن وتقديم مساعدات تنموية دولية للحكومة الشرعية لتحسين الأوضاع المعيشية للسكان الذين يرزحون تحت نيران الحرب منذ خمس سنوات، كذلك المساعدة في عملية إعادة إعمار اليمن وبناء مؤسساته الاقتصادية والإدارية. ورغم الدعم الإنساني الذي قدمته الدول الخليجية لليمن للتغلب على الظروف الإنسانية الصعبة التي تواجهه، فإن اليمن بحاجة لمزيد من الدعم العربي والدولي لمواجهة مشكلة الفقر والتدهور الإنساني فيه، وهنا يمكن عقد مؤتمر دولي لمساعدة اليمن وإعادة إعماره برعاية الأمم المتحدة، يخرج بالتزامات حقيقية على الدول الكبرى لمساعدة اليمن في تجاوز المرحلة الانتقالية والوصول إلى حالة الأمن والاستقرار، خاصة أن مؤتمر أصدقاء اليمن الذي عقد ببريطانيا لم تنفذ التزاماته حتى الآن.
ثالثها: أهمية تحييد دور الأطراف الخارجية السلبية في اليمن خاصة الدور الإيراني الذي ساهم في تغذية الإرهاب، فالدعم الإيراني السياسي واللوجستي والعسكري لجماعة الحوثي ساهم في نمو التنظيمات الإرهابية التي تلعب على ورقة الصراع السني- الشيعي، وهو ما يقود البلاد إلى حرب طائفية سوف تكون لها تداعيات خطرة على المنطقة العربية التي تشهد اختلافات دينية وطائفية في العديد من دولها.
رابعها: أن يكون التحرك الدولي تجاه مشكلة الإرهاب في اليمن في إطار الشرعية الدولية والأمم المتحدة، حتى لا يتم توظيف الحرب على الإرهاب في اليمن لأغراض مصلحية وسياسية من جانب الدول الكبرى، وورقة للابتزاز السياسي لدول المنطقة والتدخل في شؤونها، كما يجب أن تكون المواجهة العسكرية أكثر فاعلية من خلال تدعيم التنسيق الأمني والمعلوماتي والاستخباراتي مع دول المنطقة لوقف تسلل الإرهابيين عبر الحدود ومحاربة العناصر الإرهابية بأساليب عسكرية مختلفة غير تقليدية. ولا شك أنه إذا لم يتحرك العالم ويفتح عيونه لما يحدث في اليمن من تصاعد خطر الإرهاب ويتحرك بجدية لمواجهته فإن التداعيات ستكون خطرة وستطال الجميع دون استثناء.
رغم أن جذور الإرهاب في اليمن، الذي تمثله جماعات تنظيم القاعدة، تعد قديمة ، وتحديداً منذ عقدين واستهدفت القوات والمؤسسات الحكومية للدولة اليمنية والمصالح الأجنبية خاصة الأمريكية، وجرت جولات من الصراع والشد والجذب بينهما، إلا أن خطر الإرهاب زاد بشكل كبير خلال السنوات الخمس السابقة وتحديدا بعد الثورة اليمنية، وذلك لعدة أسباب:
أولاً: تعقيدات الأزمة اليمنية واستمرار حالة الصراع بين قوات الشرعية التي يقودها الرئيس هادي، وبين جماعة الحوثي المتمردة التي أعلنت انقلابها على الشرعية في سبتمبر 2014 والتي تدعمها قوات الرئيس المخلوع صالح، واستمرار المعارك بين الجانبين وغياب أفق للحل السياسي حتى الآن، وقد شكلت بيئة الصراع في اليمن حالة من الفوضى والفراغ كان من أبرز نتائجها تنامي خطر الجماعات والتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم «القاعدة»، و«داعش» الذي بدأ يضع أقدامه في اليمن، فقد استغلت تلك التنظيمات تراجع قبضة الدولة اليمنية، وتركيزها على محاربة الحوثيين وتحرير المدن اليمنية، لبسط نفوذها على مناطق يمنية كثيرة خاصة في محافظات الجنوب، ومنها في حضرموت ومأرب والبيضاء وشبوة. ومن ناحية أخرى سعت أطراف الصراع- خاصة الحوثيين والرئيس المخلوع صالح- إلى عقد تفاهمات مع «القاعدة» و«داعش» كورقة في الصراع مع قوات الشرعية، وغض النظر عن انتشارهم في مدن الجنوب من أجل إظهار خطر الإرهاب، وبالتالي كسب الدعم الدولي والأمريكي لصالحهم.
ثانياً: صعوبة السيطرة على المدن والمناطق المحررة من قبضة الحوثيين وقوات صالح، ففي ظل إنهاك قوات المقاومة الشعبية والقوات الحكومية وتركيزها على المعارك ضد الحوثيين، اتسمت عملية تأمين المدن المحررة مثل عدن وغيرها بالضعف وهو ما سمح للجماعات والتنظيمات الإرهابية بالتمدد والتحرك فيها، وتوظيف الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجهها البلاد وحالة الغضب الشعبي من الحكومة، لتجنيد أبناء القبائل والتحالف معها ما أوجد أرضية شعبية لتلك التنظيمات وساعد على انتشارها خاصة في ظل امتلاكها أسلحة حديثة ومتطورة استولت عليها من قوات الجيش اليمني ومن قوات الحوثيين ومكنها من أن تجري عمليات نوعية في مناطق الجنوب.
ثالثاً: حالة السيولة التي يعيشها العديد من الدول العربية مع انتشار الحروب الأهلية فيها، خاصة سوريا والعراق وليبيا، والتي نمت فيها التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» وأصبح لديها أسلحة متطورة واستخدمت التكنولوجيا الحديثة في معاركها وسيطرتها على مساحات كبيرة في العراق وسوريا وتطبيق قوانينها وقواعدها الخاصة بها، وقد أدى تنامي التنظيمات الإرهابية في العديد من الدول العربية إلى امتداد آثارها إلى خارج تلك الدول وانتقل الكثير من العناصر المتشددة من العراق وسوريا مع الضربات العديدة التي تلقتها من قوات التحالف الدولي، إلى مناطق أخرى تتسم بالرخاوة والضعف مثل ليبيا واليمن لإقامة مناطق تجمع جديدة تكون منطلقاً لعملياتها الإرهابية، وساعدها في ذلك الحدود المفتوحة وصعوبة السيطرة عليها في ظل ضعف مؤسسات الدولة الوطنية والتحرك بسهولة عبر البحر والانتقال من مكان لآخر.
رابعاً: وهو الأخطر نمط التعامل العالمي مع مشكلة وخطر الإرهاب، الذي كان سبباً في انتشاره وليس في محاربته، فمن ناحية فإن الانتباه العالمي لخطر الإرهاب دائما ما يكون متأخراً وبعد أن تستفحل المشكلة وتزداد التفجيرات التي تمس الغرب ذاته، حيث يبدأ التحرك كرد فعل وليس وفقا لأسلوب المبادرة والتحرك لعلاج السرطان في بدايته قبل أن يستفحل وتكون تكلفة العلاج باهظة، وهذا ما حدث في الكثير من المناطق في العالم، فالجماعات والتنظيمات الإرهابية تنتقل وتنتشر وتتصاعد في أماكن كثيرة ولا يلتفت إليها أحد إلا بعد أن تقع الكارثة، ومن ناحية ثانية فإن التحرك العالمي في إطار الحرب على الإرهاب لم تجدِ نفعاً في القضاء عليه، بل أفضت إلى انتشاره وتزايد ضحاياه من المدنيين. ويعود ذلك إلى أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة يعتمد على المواجهة العسكرية فقط، وهو ما يصعب معه تحقيق نتائج فاعلة لأن التنظيمات الإرهابية تعتمد على حرب العصابات والانتشار في المدن ووسط المدنيين وفي المناطق التي تغيب فيها سلطة الدولة. وفي حالة اليمن فإن أسلوب الحرب من دون طيار التي تشنها الولايات المتحدة ضد عناصر تنظيم «القاعدة»، وإن نجحت في اغتيال العديد من زعمائه وقادته البارزين، إلا أنها لم تقض على التنظيم في اليمن وأدت إلى وقوع العديد من الضحايا المدنيين من جراء غارات الطائرات من دون طيار.
ومن ناحية ثالثة، فإن هناك ازدواجية عالمية في التعامل مع الإرهاب في اليمن، فالغرب- ومعه الولايات المتحدة- يقصر التنظيمات الإرهابية فقط على تنظيمات مثل «القاعدة» و«داعش»و«أنصار الشريعة» في اليمن ويتجاهل- بل ويغض الطرف عن- التنظيمات التي تمثلها جماعة الحوثي، التي ارتكبت جرائم لا تقل بشاعة عما ارتكبته «القاعدة» و«داعش» من قتل واستهداف للمدنيين وقصف المناطق التي تقطنها أعداد كبيرة من السكان، وهو ما حدث بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية والإعلان الدستوري بعد السيطرة على صنعاء. وهذه الازدواجية الغربية في التعامل مع التنظيمات الإرهابية ارتبطت بشكل أساسي بإشكالية تعريف الإرهاب وتحديد المنظمات الإرهابية، وهو الأمر الذي خضع للعبة المصالح والأهداف السياسية، فالحوثيون سعوا لإقناع الولايات المتحدة والغرب بأنهم يخوضون حرباً ضد الإرهاب وضد التنظيمات الإرهابية التي تمثلها «القاعدة» و«داعش»، لكسب التأييد الغربي، بينما يمارسون كل جرائم القتل والعنف مثل تنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين. وفي المقابل اعتبر الغرب أن الأولوية لمحاربة «داعش» وأن الحوثيين لا يشكلون خطراً، ولذلك لم تدن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الانقلاب الحوثي وإعلانه الدستوري، واكتفت الخارجية الأمريكية بإدانة ما أسمته الإعلان من جانب واحد، كما تقاعس الغرب عن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2216 بشأن انسحاب الحوثيين من الأماكن التي سيطروا عليها، والمساعدة في التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة اليمنية. وبالتالي لم تكن هناك سياسة أو رؤية موحدة بشأن التعامل مع الإرهاب والتنظيمات الإرهابية في اليمن، وهو ما ساعد على استفحال المشكلة، حيث أصبحت اليمن إحدى الدول البارزة في إنتاج وتصدير الإرهاب داخلياً وخارجياً، الذي طال الدول الغربية ذاتها، ما يشكل جرس إنذار خطر يدفع بضرورة أن يلفت العالم لما يحدث في اليمن من تفاعلات ومن بيئة مواتية لنمو الإرهاب وانتشاره.
لكن إذا كان اليمن اليوم- في ظل الأزمة الصعبة التي يمر بها- إحدى البؤر المرشحة لأن تكون منبعاً رئيسياً للإرهاب والتنظيمات الإرهابية المتشددة، فما الذي يمكن أن يفعله العالم لاحتواء هذا السرطان قبل أن يستفحل ويصل إلى مرحلة يصعب التعامل معها؟. الواقع أن التحرك العالمي لمواجهة خطر الإرهاب في اليمن يجب أن يتم على عدة مستويات متزامنة.
أولها: أن يكون هناك تحرك دولي جاد سريع لعلاج الأزمة اليمنية والتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم يرتكز على إعادة الشرعية واستيعاب الجميع في السلطة السياسية، بمن فيهم الحوثيون، في إطار حزب سياسي مشروع يمثلهم، وفقاً لمبدأ المواطنة واستبعاد كل من تلوثت أياديه بالدماء والقتل والتجويع والحصار، وأن يكون هذا الحل وفق مرجعية قرار مجلس الأمن الدولي 2216، ووفقا لمخرجات الحوار الوطني التي تم التوصل إليها في يناير/كانون الثاني 2015، الخاصة ببناء الدولة وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية والحكم الرشيد وغيرها، وأن يكون هناك ضغط دولي باتجاه التوصل إلى حل السياسي، وأن تكون هناك ضمانات لإلزام أطرافه بتنفيذه ومعاقبة من يتقاعس عن تطبيقه، ولا شك أن الحل السياسي سيساعد في إعادة بناء الدولة اليمنية وبناء مؤسساتها العسكرية والأمنية القوية القادرة على بسط نفوذها على كل أنحاء البلد وملء حالة الفراغ والسيولة الحالية والتفرغ لمواجهة التنظيمات الإرهابية ك «داعش» و«القاعدة»، وهنا من الضروري على الغرب، خاصة الولايات المتحدة وروسيا والدول الكبرى الأخرى، أن يكون التعامل مع الإرهاب وفق منظومة شاملة وليست انتقائية، واعتبار كل من يمارس القتل والترويع ويتبنى التطرف «إرهابياً».
ثانيها: أهمية التحرك الدولي على المستوى الاقتصادي لتجفيف منابع التنظيمات الإرهابية في تجنيد الشباب وأبناء القبائل تحت عوامل الفقر والجوع والأمية، وذلك بدعم عملية التنمية في اليمن وتقديم مساعدات تنموية دولية للحكومة الشرعية لتحسين الأوضاع المعيشية للسكان الذين يرزحون تحت نيران الحرب منذ خمس سنوات، كذلك المساعدة في عملية إعادة إعمار اليمن وبناء مؤسساته الاقتصادية والإدارية. ورغم الدعم الإنساني الذي قدمته الدول الخليجية لليمن للتغلب على الظروف الإنسانية الصعبة التي تواجهه، فإن اليمن بحاجة لمزيد من الدعم العربي والدولي لمواجهة مشكلة الفقر والتدهور الإنساني فيه، وهنا يمكن عقد مؤتمر دولي لمساعدة اليمن وإعادة إعماره برعاية الأمم المتحدة، يخرج بالتزامات حقيقية على الدول الكبرى لمساعدة اليمن في تجاوز المرحلة الانتقالية والوصول إلى حالة الأمن والاستقرار، خاصة أن مؤتمر أصدقاء اليمن الذي عقد ببريطانيا لم تنفذ التزاماته حتى الآن.
ثالثها: أهمية تحييد دور الأطراف الخارجية السلبية في اليمن خاصة الدور الإيراني الذي ساهم في تغذية الإرهاب، فالدعم الإيراني السياسي واللوجستي والعسكري لجماعة الحوثي ساهم في نمو التنظيمات الإرهابية التي تلعب على ورقة الصراع السني- الشيعي، وهو ما يقود البلاد إلى حرب طائفية سوف تكون لها تداعيات خطرة على المنطقة العربية التي تشهد اختلافات دينية وطائفية في العديد من دولها.
رابعها: أن يكون التحرك الدولي تجاه مشكلة الإرهاب في اليمن في إطار الشرعية الدولية والأمم المتحدة، حتى لا يتم توظيف الحرب على الإرهاب في اليمن لأغراض مصلحية وسياسية من جانب الدول الكبرى، وورقة للابتزاز السياسي لدول المنطقة والتدخل في شؤونها، كما يجب أن تكون المواجهة العسكرية أكثر فاعلية من خلال تدعيم التنسيق الأمني والمعلوماتي والاستخباراتي مع دول المنطقة لوقف تسلل الإرهابيين عبر الحدود ومحاربة العناصر الإرهابية بأساليب عسكرية مختلفة غير تقليدية. ولا شك أنه إذا لم يتحرك العالم ويفتح عيونه لما يحدث في اليمن من تصاعد خطر الإرهاب ويتحرك بجدية لمواجهته فإن التداعيات ستكون خطرة وستطال الجميع دون استثناء.
شريط الأخبار