إذا كنت تعتقد انك تشعر بالبرد في فصل الشتاء فإن زيارة إلى قرية "اويمياكون" الروسية ستجعلك تغير رأيك. فالحرارة في شهر يناير وفبراير تصل في المتوسط إلى 50 درجة مئوية تحت الصفر مما يجعل منها المنطقة المأهولة بالسكان الأبرد في العالم.
وبلغت أدنى درجة حرارة في هذه القرية السيبيرية التي تلقب ب" قطب البرد" 71 مئوية تحت الصفر، ما يجعل منها أدنى درجة حرارة يتم تسجيلها في أي بقعة يعيش فيها بشر على وجه الأرض، والأدنى التي يتم تسجيلها في نصف الكرة الشمالي.
وكانت هذه القرية، التي تأوي حوالي 500 نسمة، في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي محطة توقف لرعاة الرنة لسقاية قطعانهم من ينبوع ماء حار، إلى أن حولتها السلطات السوفيتية إلى منطقة استيطان دائم.
ومن المفارقات أن اسم اويمياكون يعني "الماء الذي لا يتجمد" نظراً لوجود ينبوع الماء الحار بها.
ومازالت معظم البيوت تستخدم الفحم والحطب في التدفئة ولا تعرف لوسائل الراحة العصرية سبيلاً.
ولا تنمو المزروعات في هذه القرية ولذلك يعتمد السكان في طعامهم على لحوم الرنة والخيول. ويزود المتجر الوحيد بالقرية سكانها بحاجاتهم الضرورية. ويقتصر عمل السكان على تربية الرنة والصيد البري وصيد الأسماك من الثلوج.
ويعزو الأطباء عدم إصابة السكان بسوء التغذية إلى أنهم يتعاطون حليب الرنة الغني بالعناصر الغذائية.
ويتكيف السكان تماماً مع الطقس في قريتهم ولا تتوقف مظاهر الحياة بسبب كثافة الثلوج - إلا نادرا- كما يحدث عادة في بعض الدول. ولا تغلق المدرسة الوحيدة في القرية أبوابها إلا إذا انخفضت درجات الحرارة إلى مادون 52 مئوية.
وتقع القرية على ارتفاع 750 متراً فوق سطح البحر، ويتراوح طول النهار فيها مابين 3 ساعات في شهر ديسمبر إلى 21 ساعة في الصيف. وعلى الرغم من الشتاء القارس فمن المألوف تسجيل حرارة فوق الثلاثين درجة في يونيو ويوليو وأغسطس من كل عام.
ولا تتوفر وسائل الراحة العصرية في القرية حيث تشترك العديد من المباني في مراحيض خارجية بينما مازال معظم السكان يستخدمون الفحم والحطب للتدفئة. فعندما يتوقف وصول الفحم بين حين وآخر، تلجأ محطة الطاقة بالقرية إلى استخدام الحطب. وإذا انقطعت الطاقة فان مظاهر الحياة في القرية تتوقف في غضون خمس ساعات، بينما تتجمد أنابيب الطاقة وتتشقق.
وتقع قرية اويمياكون على مسافة يومين بالسيارة من العاصمة الإقليمية ياكوتسك، التي تعتبر المدينة ذات الشتاء الأكثر برودة في العالم. وتضم المدينة مطارين وجامعة ومدارس ومسارح ومتاحف.
ومن بين المشكلات اليومية ذات الصلة بالعيش في اويمياكون أن الحبر يتجمد في القلم وتتجمد عدسات النظارات في وجوه مستخدميها وتفقد البطاريات طاقتها ما يجعل السكان يتركون سياراتهم في حالة تشغيل دائم مخافة ألا يتمكنوا من إعادة تشغيلها مرة أخرى. وإذا كانت هناك تغطية لشبكات الهواتف الجوالة فإن هذه الأجهزة نفسها لا تعمل في مثل هذه الظروف الجوية القاسية.
ودفن الموتى من اكبر المعضلات الناتجة عن تدني درجات الحرارة، في عملية قد تستغرق ثلاثة أيام. فلا بد أولاً من اذابة التربة بما يكفي لحفرها ولذلك يتم إشعال نار عليها لعدة ساعات، ثم إحاطة موقع الحفر بالفحم المشتعل ثم البدء بالحفر. وتتكرر هذه العملية لعدة أيام حتى يصبح القبر كبيراً بما يكفي لدفن الميت.
وتوفر شركات السفر فرصة للسياح لزيارة القرية وتذوق نوعية الحياة في ظروف يتجمد فيها كل شيء.