تعد الناشطة هند الارياني واحدة من أبرز الوجوه النسائية التي تمثل جيلا جديدا من شباب يمني يعمل جاهدا، من خلال مبادرات وحملات شعبية، من أجل الحد من عادة مضغ نبتة القات، لما لها من آثار سلبية على صحة مجتمعهم واقتصاد بلدهم.
وتعتبر عادة مضغ أوراق النبتة الخضراء الرطبة من العادات التي تحظى بشعبية واسعة عند اليمنيين، حيث يقضي أغلب الرجال في مدن وأرياف اليمن، وعدد متزايد من النساء والأطفال، ساعات طويلة من عصر كل يوم في تناول القات أو ما يعرف محليا بـ "التخزين".
وتشير إحصاءات الامم المتحدة (برنامج الأغذية العالمي) إلى ان الأسر اليمنية، تصرف في المتوسط 10 بالمئة من دخلها على مضغ القات، وهذا يفوق نسبة انفاقهم على الصحة والتعليم معا في واحدة من أفقر البلدان العربية.
وأطلقت هند في مطلع العام 2012 حملة "يوم بلا قات" مستعينة بوسائل الاعلام الاجتماعية ولا سيما موقعي فيسبوك وتوتير بالاضافة الى الأنشطة التوعية.
وتقول هند لـ بي بي سي: "كان التفاعل من قبل عامة الناس ايجابيا، وكانت الردود مشجعة للغاية". وتضيف هند أن تكتلات شبابية، مثل المجلس التأسيسي لشباب الثورة، تبنت الحملة وشاركت في الترويج لها بينما ساهمت منظمات تطوعية، مثل منظمة أجيال بلا قات، في نصب وادارة خيم للتوعية عن أضرار القات في مدن مثل تعز.
وكان هدف هند من هذه المبادرة، حسب قولها، هو جعل يوم ?? من يناير من ذلك العام يوما خاليا من تناول القات، آملة في أن لا يقل أثره وصداه عن الثورات السياسية التي شهدتها المنطقة.
ويرى مراقبون ان اليمن بحاجة الى ثورة اجتماعية، حيث تشير التقديرات الى أن صنعاء قد تكون أول عاصمة في العالم تعاني من الجفاف بسبب زراعة القات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه في بلد يعاني شحا واضحا في موارده المائية.
حملات
وطورت هند من حملتها لاحقا في ابريل من نفس العام الى مبادرة "مؤسسات حكومية بلا قات" تطالب من خلالها الحكومة الانتقالية سن قانون يحظر على موظفي القطاع العام تناول القات في المنشآت الحكومية لما فيه تعطيل لعجلة الانتاج، وهدر لساعات العمل والموارد العامة حسب رأيها.
وبعد أشهر من حشد الرأي العام والاعتصامات أمام البرلمان من قبل هند وناشطين تحت رعاية مؤسسات شبابية مثل "إرادة لوطن بلا قات"، تم ادراج استراتيجية مزمنة، في التاسع من يوليو/تموز من هذا العام، ضمن أعمال مؤتمر الحوار الوطني الذي سينتهي قريبا من صياغة وثيقة تكون أساسا لدستور جديد للبلد.
ومن المفترض أن يتم، في منتصف شهر أكتوبر الحالي، التصويت على ضم بنود الاستراتيجية في الدستور الجديد. وتشمل بنود الاستراتيجية خطوات عملية مثل قلع عشرة بالمئة من أشجار القات ومنع زرع آراض جديدة.
وتضيف هند: "لو فعلا تمت اضافة الاستراتيجية كبند في الدستور فسيكون لأول مرة في تاريخ اليمن دستور يذكر " القات" الذي اصبح للأسف أهم من الماء والغذاء."
وتدرك هند، رغم تفاؤلها، حجم التحدي الذي يواجهها في بلد اعتاد شرائح كبيرة من سكانه، الذين يبلغ عددهم ?? مليون نسمة، ريادة مجالس تعرف محليا بـ"المفرش" لإحياء تقليد استمر لقرون.
رغم كل ذلك، تقول هند أن انتشار ظاهرة "أعراس بلا قات" يعطيها بصيصا من الأمل ان المجتمع بدأ يعي ان بالامكان قضاء اوقات سعيدة دون وجود القات.
ويذكر أن آخرحملة حكومية جادة لحظر زراعة القات ومنع تناوله في المؤسسات الحكومية كانت في عام ????وكانت النتيجة سقوط حكومة رئيس الوزراء آنذاك، محسن العيني.
وفي هذا السياق تذكر هند ردة فعل مسؤول يمني كانت تناقشه مؤخراً حول ضرورة ايجاد حل لمشكلة القات: "كان جوابه: "أتريدين أن تسقطي الحكومة؟!"
غير ان هند ترى أن "أصحاب المصالح" من شيوخ القبائل ومزارعي "الذهب الاخضر" هم أكبر حاجز يقف أمام أي حكومة تنوي التعامل مع ملف القات بجدية.
نظرة المجتمع الى المرأة الناشطة
وبالنسبة لهند، كان فوز الناشطة توكل كرمان في عام 2011 بجائزة نوبل للسلام تأكيدا على الدور التي تلعبه المرأة اليمنية في تحسين أوضاع مجتمعها بشكل عام.
وتؤمن هند أن المرأة اليمنية تلعب دورا كبيرا في الضغط على صناع القرار بضرورة تغيير الوضع القائم وأخذ اجراءات حازمة تجاه مشكلة القات.
وتفسر هند: "عند المرأة حس تنموي أكبر، لذلك نلاحظ تحمسها لموضوع القات، ومن الملفت للنظر أن كثير من القائمين على حملات التوعية في مدن مثل تعز هم البنات الشابات".
واكتسب الناشطون الشباب مثل هند جرأة في تسليط الضوء على ما يصفونه بـ"آفة اليمن" بعد بداية حراكهم السياسي ضد حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح في فبراير/شباط من عام 2011 ضمن ما بات يعرف بالربيع العربي.
وكان من الطبيعي جدا، حسب هند، أن يلتفت الناشطون إلى مشاكل أخرى اجتماعية تواجه بلادهم. ولا شك، بالنسبة لها، ان الثورة لعبت دورا هاما في لفت الانتباه الى مشكلة القات.
وتقول هند: "لولا الحراك لما تطلع اليمنيون لمستقبل أفضل، فأجواء الثورة ساعدت في تصور يمن أفضل، يمن ديمقراطي دون فساد وخال من القات".
في الوقت نفسه تشير هند الى أن نشاطها لا يكاد يخلو من التحديات والمنغصات. وتشرح قائلة: "البعض ينظر الي كوني امرأة، ومن هذا الباب يتهمني بتعمد لفت الأنظار الى نفسي ولا يبلي أي اهتمام بما نطرحه".
وتتابع هند أن بعض الردود السلبية كانت من قبل أقاربها الذين اعتبروا أن نشاطها قد يجلب لها "القيل والقال" وقد يسيئ تبعا الى سمعة عائلتها.
الا أن ايمان هند بمحورية ملف القات يزيد من عزيمتها في المضي قدما في حملاتها لأن مشكلة القات، حسب رأيها، متشابكة ولا تتجزأ عن أزمات جمة أخرى يعاني منها اليمن مثل أزمة المياه وزيادة معدلات سرطان الفم والفقر.
كما تأمل الناشطة اليمنية، المتنقلة بين اليمن ولبنان، ان تنجح حملاتها في تغيير صورة بلدها في الخارج الى الأفضل حيث تتطلع الى اليوم الذي لن تسأل فيه هي ولا غيرها من اليمنيين عن اذا ما يمضغون القات أيضا أم لا.
/BBc Arabic/