خلال الشهر الحالي، طلب الرئيس الأميركي موازنة سنوية قدرها 19 مليار دولار لحماية شبكة الإنترنت في الولايات المتحدة. وهو مبلغ يزيد على مثيله في موازنة العام الماضي بأكثر من الثلث.
هذا الإنفاق الضخم والمتصاعد على أمن وسلامة شبكة الإنترنت يعطي دلالة واضحة على الاهتمام والقلق حيال الأذى الذي يمكن أن تسببه الخروقات التي تنشأ عن الإنترنت. فالمشاريع التي تريد الإدارة الأميركية تنفيذها من خلال هذه الموازنة، هي لمواجهة جرائم الإنترنت وعمليات القرصنة التي يقوم بها بعض الأفراد، وكذلك ما أصبح يسمى بشكل رسمي وحرفي "حروب الإنترنت" و"إرهاب الإنترنت"، وهو ما تقوم أو ما يمكن أن تلحقه الدول والمنظمات المعادية للولايات المتحدة بها من أذى، وخسائر قد تطال البنية التحتية بمختلف جوانبها؛ مثل الطاقة والاتصالات والنقل والخدمات المالية والتجارية وغيرها.
وفي زمن انتشرت فيه الأجهزة الذكية التي تحوي أجهزة تحكم حاسوبية في مختلف المجالات، وأصبحت هذه الأجهزة تتصل مع الشبكات من خلال بروتوكلات معروفة، صارت مخاطر هجمات الإنترنت في تصاعد مستمر. فقد سُجلت حوادث دللت على الأثر الذي يمكن أن تحدثه الهجمات الحاسوبية على البنى التحتية المختلفة. من أمثلة ذلك الدودة بالغة التعقيد والأذى "Stuxnet"، التي استهدفت المفاعلات النووية الإيرانية، وكذلك الهجمات التي نسبت إلى كوريا الشمالية ضد شركة "سوني"، والتي وجه على إثرها أوباما تحذيرا لكوريا الشمالية. وكذلك الهجوم الواسع على أجهزة شركة "أرامكو" السعودية، والذي نسب إلى ايران، وكذلك الأعطال التي حصلت في نظام المواصلات في تركيا.
لوقت طويل، ساد اعتقاد أن تأثير هجمات الإنترنت يبقى تأثيرا مؤقتا. إلا أن دراسات متخصصة في الولايات المتحدة وضعت احتمالات لتأثيرات بالغة وطويلة الأمد على البنية التحتية، يمكن أن تمس دولة في حجم الولايات المتحدة. ويدور الآن حوار موسع حول جدوى بناء استراتيجية عسكرية للردع في مجال الإنترنت، أسوة بما حصل مع الخطر النووي. على كل الأحوال، فإن الجيوش الحديثة باتت تضع الحرب المعلوماتية كأحد المجالات الاستراتيجية وميدانا للمعارك المستقبلية. وهي تستعد لذلك، وتنفق الكثير على توظيف الكفاءات الفنية المتخصصة في هذا المجال.
على الجانب الآخر، تبدو الفجوة التقنية هائلة بين الدول المتقدمة وتلك الأقل تقدما، لتجد الأخيرة نفسها مكشوفة أمنيا، وربما تضطر إلى طلب الحماية الأمنية لمعلوماتها من لدن الدول والمؤسسات الأجنبية في حالة لا تختلف كثيرا عن طلب الحماية العسكرية، وبما يجعلها مرتهنة للأجنبي. وليس من صور الخيال البعيد، أن تتخيل مشهدا لمواطن يستيقظ صباحا ليجد أن الكهرباء والماء في بلاده متوقفة بسبب هجوم معلوماتي؛ فإذا ما حاول استخدام الهاتف أو خدمات الإنترنت ومحطات الإذاعة والتلفزيون، وجدها "محتلة". وقد يتعدى ذلك إلى نظام المرور والإشارات الضوئية والحسابات البنكية، وأجهزة التحكم في المصانع والإنتاج... إلخ.
قد يحدث ذلك من دون أن تتحرك طائرة أو بارجة أو تطلق طلقة. فأنت في ميدان يصعب فيه التنبؤ بالأهداف التي يمكن أن يستهدفها الهجوم المعلوماتي. إذ حيثما وجدت الأجهزة الالكترونية، وشكل من أشكال الاتصال، فإن الخطر قائم. فيمكن لمن يملك القدرة على العبث في أنظمة التحكم الإلكترونية والحواسيب المتعددة الأشكال والاستعمال، أن يحدث أضرارا ليس أقلها تعطيل وظائف هذه الأجهزة.
بقي أن أذكر أن الموازنة المطلوبة من قبل الرئيس الأميركي تحظى بدعم في الكونغرس، وهو في الأغلب سيوافق عليها كما وردت.