الرئيسية > شؤون دولية > ما هي التداعيات الإقليمية للاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1؟

ما هي التداعيات الإقليمية للاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1؟

ما هي التداعيات الإقليمية للاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1؟

ما هي التداعيات الإقليمية للاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1؟ وهل سيساعد هذا الاتفاق على إخراج المنطقة من حالة الفوضى وبناء حالة من الاستقرار يكون لإيران وقوى إقليمية أخرى دور مؤثر فيها؟ ام ان نشوة ما حققته إيران من تقدم في المفاوضات سيفتح شهيتها على لعب دور أكبر من المسموح به لها من قبل القوى الإقليمية الأخرى؟ هل ستشهد المنطقة صراعا عسكريا مباشرا بين القوتين الإقليميتين الأبرز السعودية وإيران؟ ام ستسمر حالة التوتر والحرب بالنيابة في الجبهات المشتعلة في الإقليم في العراق وسوريا واليمن؟ كل تلك الأسئلة وغيرها يضعها اليوم الباحثون والمحللون المعنيون بشؤون المنطقة ويحاولون الوصول إلى أكثر التوقعات واقعية.
الولايات المتحدة بقيادة إدارة أوباما توضحت سياساتها الخجولة تجاه منطقة الشرق الأوسط وحلولها التي اتسمت بالليونة مقارنة بحقبة إدارة الصقور من المحافظين الجدد إبان رئاسة جورج بوش الابن، التي كانت تفرض حلولا منفردة على المنطقة باستخدام القوة المفرطة، لذلك يرى البعض ان نجاح الاتفاق النووي قد تم بناء على دعامتين أساسيتين، الاولى هي منهج الاحتواء التي تحاول إدارة أوباما تطبيقها على إيران وعدم رغبتها في الدخول في مواجهات عسكرية أو استعمال للقوة ضد إيران، والدعامة الثانية هي صعود التيار الاصلاحي في إيران بقيادة الرئيس روحاني الذي عمل جاهدا لمنع تأثير المتشددين في الداخل الإيراني من افشال المفاوضات. ولا بد من الإشارة إلى ان محاولات عديدة طرحت من جانب المفاوض الغربي لربط ملف الاتفاق النووي مع ملفات الصراعات الإقليمية، إلا ان المفاوض الإيراني وعبر سلسلة دؤوبة من العمل التفاوضي استطاع ان ينتزع الاتفاق مقابل وعود بامكانية التعاون على حل الخلافات الإقليمية كل على حدة وبحسب معطيات الأزمة ومكانها وزمانها. فالملف العراقي مثلا ما يزال شديد التعقيد وان سطوة إيران في العراق لا يبدو انها اهتزت أو تراجعت بسبب حلفاء إيران الممسكين بالسلطة في بغداد، ورغم الضربات التي تلقتها الحكومة على يد تنظيم الدولة عندما احتل أراضي شاسعة من العراق، والتي أدت إلى ترنح الحكومة وأوشكت على الإطاحة بها وبالعملية السياسية برمتها، إلا ان دخول الدعم الإيراني المفرط على خط دعم الحشد الشعبي غير موازين القوة على الأرض وأصبحت الحكومة المركزية تكسب المعارك وتحرر المدن من سيطرة تنظيم الدولة. من طرفها المملكة العربية السعودية في محاولة لكسب النفوذ على الأرض دعت لتشكيل الحلف العسكري الإسلامي لضرب التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في المنطقة، لكن هذا الأمر رغم الدفعة المعنوية التي منحها لحلفاء السعودية في العراق لم يحقق تغيرا ملموسا على الأرض، والواضح من معطيات ما يدور في العراق ان النفوذ الإيراني ربما سيكسب مزيدا من القوة بعد الاتفاق النووي، ويرى المتفائلون ان امكانية التنسيق الأمريكي الإيراني في الساحة العراقية قد يكون مكسبا في تنسيق الجهود للقضاء على تنظيم الدولة في العراق، بينما يرى المتشائمون ان محدودية التعاون والتطبيع بين الطرفين الإيراني والامريكي سيترك الساحة العراقية بين شد وجذب لحين انجلاء المواقف الإقليمية الأخرى.
وأهم صراعات المنطقة بالنسبة لإيران اليوم هو الصراع الدائر في الساحة السورية، فقد ألقت إيران بكل ثقلها في دعم نظام الأسد الابن الحليف الاستراتيجي لإيران منذ أيام الحرب العراقية الإيرانية إبان رئاسة الأسد الاب، كما ان سوريا تمثل همزة الوصل التي تربط إيران بحليفها الاستراتيجي حزب الله في لبنان. ومع تعدد قطبية الصراع في سوريا بعد التدخل الروسي واستخدام الصين للفيتو ثلاث مرات لحماية النظام السوري من تدخل الأطلسي بعد أزمة الكيميائي، تغيرت معطيات الصراع على الأرض وأصبح الصراع متعدد الأقطاب. فبالاضافة إلى الولايات المتحدة توجد اليوم روسيا والصين والاتحاد الاوروبي وكلها أطراف فاعلة في الصراع ، ومن ذلك يرى بعض المراقبين ان الاتفاق النووي سيمنح الإيرانيين الامكانية لتنسيق الجهود مع الروس في الساحة السورية مما سيغير معطيات الصراع وسينعكس ذلك على جولات المفاوضات المقبلة بين النظام والمعارضة بعد فرض وجهة النظر الإيرانية التي ترفض حل إزاحة الأسد وانما تفضل اعتباره جزءا من الحل، وتسويق الأزمة على انها محاولة لتوحيد الجهود الدولية لقتال تنظيم الدولة والتنظيمات المتطرفة الأخرى. وبالتبعية سيؤثر ذلك على الساحة اللبنانية المصابة بالشلل منذ أكثر من سنة حيث منصب رئيس الجمهورية خال والاتفاق السياسي غائب والبلد يغرق في فوضى سياسية نتيجة لصراع المحاور المنعكس من الأزمة السورية، وحتى في المبادرة الأخيرة لرئيس القوات اللبنانية سمير جعجع التي أعلن عنها بقبوله ترشح الجنرال عون القريب من حزب الله للرئاسة يرى فيها البعض انها خطوة أولى في تأثير الاتفاق النووي الإيراني على الساحة اللبنانية عبر ميلان المواقف لصالح كفة حلفاء طهران في بيروت.
اما في اليمن فان فرض الشرعية الذي يسعى التحالف الذي تقوده السعودية عبر عمليات «عاصفة الحزم» إلى فرضه يحقق نجاحات بطيئة على الأرض، فبعد السيطرة على عدن وتحقيق موطئ قدم لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، يبدو وكأن العمليات العسكرية لا تحقق كبير نجاح على الأرض، فما زالت قوات انصار الله (الحوثيون) المدعومة من إيران وحليفهم الرئيس المخلوع صالح يسيطرون على العاصمة صنعاء وأغلب اليمن الشمالي، كما ان مدن جنوب المملكة العربية السعودية المحاذية لشمال اليمن باتت تعاني من هجمات صاروخية من قوات الحوثيين وصالح، وبالإضافة إلى الكلفة البشرية التي تكبدتها قوات التحالف الذي تقوده السعودية فان التكاليف المالية لحرب لا تبدو لها نهاية قريبة أصابت الخزينة السعودية بخسائر كبيرة، ومع ذلك ما زال الدعم الإيراني لقوات انصار الله على ما هو عليه لم يتراجع إلا انه لم يزد، ولم تربح السعودية المعركة في اليمن رغم انها كسبت جولات مهمة فيها وقد نجحت السعودية لحد الآن في تحديد نفوذ الحوثي وصالح في اليمن.
لقد جاءت أحكام الإعدام التي نفذتها الحكومة السعودية في عدد من المدانين بعمليات إرهابية بحسب القضاء السعودي، وبينهم رجل الدين الشيعي نمر النمر لتصب الزيت على نار التوتر بين إيران والسعودية، حيث رد جمهور غاضب في طهران على حكم الإعدام بمهاجمة السفارة السعودية وإضرام النار فيها ما خلق أزمة اعتبرها العديدون طبول حرب تدق معلنة بداية مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين، إلا ان احتواء الأزمة تم ، على الأقل لحد الآن ولم تتطور إلى تصعيد أخطر من قطع العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين تبعه قطع العلاقات الدبلوماسية بين عدد من الدول الحليفة للسعودية وإيران.
التكهنات بانعكاس تأثير الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1 متضاربة بشكل ملفت للنظر فبينما يرى الكثير من صناع القرار في الخليج ان الاتفاق النووي بين إيران والغرب سيشكل تهديدا كبيرا للأمن القومي الخليجي، وان رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران سيوفر لاقتصادها انتعاشا سينعكس عبر المزيد من التدخل في الشؤون الداخلية الخليجية والعربية، نجد ان بعض المراقبين يقللون من شأن الاتفاق النووي بل ويعدونه انتصارا لإرادة الغرب التي حيدت المشروع النووي العسسكري الإيراني، فإيران قد تخلت عن 98? من مخزونها من اليورانيوم المخصب، ووافقت على تفكيك أكثر من ثلثي أجهزة الطرد المركزي لديها وحصرت نشاط التخصيب في منشأة نتانز، وقبلت بإعادة هيكلة المنشآت النووية الأخرى وتحويل بعضها إلى مخابر بحثية تحت رقابة منظمة الطاقة الذرية الدولية. وان اطلاق الأموال المجمدة الإيرانية في الغرب لن يساعد كثيرا في انعاش الصناعة النفطية الإيرانية التي تعاني من التعثر وعدم امكانية العودة إلى عصرها الذهبي في السبعينات، حيث ما تزال إيران غير قادرة على تصدير حصتها في اوبك البالغة 4.2 مليون برميل يوميا ولم تصل سوى لسقف 3 ملايين برميل يوميا، كما ان سياسة الاحتواء الغربية التي يسعى من خلالها الساسة الأمريكيون والأوروبيون إلى احتواء الخطر الإيراني قد تطلق صراعا داخليا بين تيار الاصلاحيين وتيار المتشددين في الداخل الإيراني مما يؤدي بها إلى الانكفاء على مشاكلها الداخلية وتقليل دورها الخارجي الاقليمي، كما ان بعض الساسة يشيرون إلى أهمية تحويل النوايا الإيرانية من البرامج العسكرية النووية إلى البرامج السلمية بمثابة رفع فتيل قنبلة كانت ستفجر المنطقة برمتها نتيجة تهديد إسرائيل بضرب المنشآت الإيرانية وإعلان إيران بالمقابل امتلاكها صواريخ يمكن ان تنهال على المدن الإسرائيلية مما يعني غرق المنطقة في حرب غير تقليدية بين قوتين كبيرتين في المنطقة وسيكون الخاسر الأول فيها هو الغرب لان مصالحه الاقتصادية ستهدد وأمن إسرائيل سيتعرض لامتحان عسير، وعندها سيفقد الغرب الكثير من الحلفاء الاستراتيجيين في المنطقة.
كذلك يرى بعض المحللين ان الاتفاق النووي قد طمأن النظام الإيراني على بقائه ومستقبله ومن ثم لن يضطر إلى استخدام الأوراق الإقليمية للضغط على الغرب، وهو ما قد يدفعه إلى اعتماد مقاربة أكثر مرونة في سوريا والعراق واليمن ولبنان، ومن الممكن ان يدخل الاتفاق إيران في اللعبة الدولية وفق قواعدها المتفق عليها، وهذا هو المبرر الذي تسوقه إدارة الرئيس أوباما لتبرير منهج الاحتواء، وإلا فان إيران لو تركت تطور في السر برنامجها التسليحي ربما كان العالم سيفيق على نموذج كوري شمالي في منطقة الشرق الأوسط وحينئذ لا أحد يمكنه التكهن بمدى مخاطر اشتعال حرب غير تقليدية في المنطقة.

للحصول على أهم الأحداث أولاً بأول من مندب برس في التليجرام على الرابط التالي :
https://telegram.me/mandab_press

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
شريط الأخبار