يزور الهند شهرياً الآلاف من اليمنيين، حيث تشير الإحصاءات إلى زيادة ملحوظة في أعداد المسافرين إلى جمهورية الهند خصوصاً خلال السنوات القليلة الماضية، حيث وصل متوسط عدد الواصلين إلى مطار “تشاتراباتي شيفاجي الدولي” في مومباي العاصمة الاقتصادية للهند إلى أكثر من 1000 مسافر أسبوعياً، معظمهم لغرض العلاج والبعض الآخر للدراسة أو السياحة أو التجارة، وأمام هذا العدد الكبير تبرز العديد من الصعوبات والمشاكل التي تواجه المسافرين، خصوصاً المرضى الذين يشكون من عمليات نصب تعرّضوا لها من قبل بعض المستشفيات بمشاركة بعض الطلاب اليمنيين، وتحديداً في مدينة بونا..!!.
«الجمهورية» زارت مدينة بونا التي تبعد حوالي 200 كيلومتر عن مومباي ويقصدها معظم اليمنيين سواء للعلاج أم للدراسة، تجوّلنا في المدينة، زرنا عدداً من المستشفيات والعيادات، حقيقة صُدمنا من ذلك الكم الهائل من المرضى اليمنيين والذين تكتظ بهم المستشفيات؛ طوابير تقف أمام العيادات 99 % منهم لا يجيدون اللغة الإنجليزية مما يشكّل لهم معضلة كبيرة، فيضطرون إلى الاستعانة بمترجمين هنود أو طلاب، وهنا تبرز قضية السمسرة والتي يقوم بها بعض الطلاب اليمنيين هناك أو الهنود الذين يستغلون جهل المرضى ويمارسون عملية النصب بالاتفاق مع بعض المستشفيات أو العيادات الخاصة على دفع ما يُعرف بـ«العمولة مقابل إقناع المرضى بأفضلية تلك العيادة أو ذلك المستشفى» خصوصاً في حالة إجراء العمليات، كما أكد لنا صراحة أحد الطلاب والذي يمارس هذا العمل معتبراً ذلك حلالاً وجائزاً من وجهة نظره..أما المريض الضحية فيعتبر ذلك عملية نصب؛ على اعتبار أن المبالغ التي يتم إضافتها للفاتورة يدفعها هو، حيث يتم ذلك بالاتفاق المسبق بين السمسار والمستشفى أو الطبيب.
ابتزاز ونصب..!!
التقينا أيضاً بعض المرضى، أحمد قاسم «55 عاماً» واحد منهم، من محافظة تعز، أتى إلى هنا لإجراء عملية البروستاتا كما قرّر له بعض الأطباء، وإجراء عملية للعمود الفقري، إلا أن أطباء آخرين أعطوه علاجاً فقط؛ يقول الأخ أحمد إنه سمع كثيراً عن قصص لعمليات نصب واحتيال تعرّض لها بعض المرضى من قبل طلاب يمنيين مما اضطره إلى الاستعانة بهندي للترجمة، وقد وجد فيه حرصاً وأمانة ـ حسب قوله.
ويشارك الأخ أحمد الرأي والمعاناة الأخ أحمد الصوفي «48 عاماً» من محافظة الضالع، وهو الآخر فضّل الاستعانة بهندي للترجمة، وتحدّث قائلاً إنه قصد الهند لعلاج زوجته ووجدهـــا فرصة لإجراء بعض الفحوصات، وأكدت النتائج إصابته بمرض في القلب ويحتاج إلى إجراء تدخُّل جراحي؛ إلا أنه تمهّل وبحث عن أفضل الأطباء المتخصّصين، فأشاروا عليه بالدكتور “دار وراج” الذي أكد له أنه لا يحتاج إلى عملية بل علاج فقط، ومن قرّر له عمليه كان الغرض منها المال..!!.
صعوبة في الترجمة
لكن الأخت سميرة محسن، من محافظة عدن تخالفهم الرأي وترى أنه يوجد يمنيون جيدون وأهل أمانة، والأولى أن يتم التعامل معهم في الترجمة، ولا بأس من أن يستفيدوا مالياً، مطالبة الجميع بالوقوف أمام المتاجرين بالمرضى وفضحهم والتحذير منهم سواء أكان ذلك من المترجمين أم بعض المستشفيات أو بعض الأطباء.
أما الحاج عبدالله الحمزي «70 عاماً» من محافظة صنعاء تحدّث قائلاً: أنفقت الكثير من المال في اليمن ولم أجد فائدة، فنصحني الكثيرون بالهند، وسافرت مع زوجتي وأحد الأقارب، ووصلنا إلى مومباي، وأكثر من عشرين يوماً في مومباي ونحن نتنقّل من مستشفى إلى آخر، ونجد صعوبة في بالترجمة، مشيراً إلى أنه لم يجد من يقف إلى جانبه حتى من القنصلية.
ويواصل الحاج عبدالله كلامه: بعد أن أنفقت كثيراً من المال تركت مومباي واتجهت إلى بونا كما أكد لنا الكثيرون، أتمنّى أن أجد فيها طبيباً يلغي عنّي هذا المرض، حيث أعاني من مرض في العمود الفقري، الحاج عبدالله أبدى تخوّفه من الوقوع تحت يد نصّاب وكان همّه أن يجد مترجماً يتعامل معه بأمانة، ولن يبخل عليه بالمال - حسب قوله.
مبالغ مضاعفة
لكن الأخ طلعت حسن أكد لنا أنه تغلّب على مشكلة الترجمة بالاستعانة بقريب له يدرس في مدينة حيدر أباد، لكنه أشار إلى الاستغلال الذي تعرّض لها من قبل المستشفى، حيث أكد أنه اتفق معهم على مبلغ 150000 ألف روبية لإجراء عملية في القلب، وتفاجأ أن المبلغ تضاعف فاضطر للدفع.
حسن التركي ـ من محافظة لحج ـ هو الآخر تحدّث إلينا قائلاً: بعد إجراء عملية له في أحد المستشفيات فاجأوه بكشف حساب تضمّن مبالغ كبيرة رغم أنه اتفق مسبقاً مع المستشفى على مبلغ محدّد.
ضحايا كثر..!!
حالات كثيرة زرناها؛ كلٌ لها قصة مع السماسرة أو الاستغلال، لكن هناك من تحدّث عن الأخطاء الطبية، وأخطاء في التشخيص، ومنهم الأخ صادق الأغبري الذي أكد أن الأطباء في اليمن شخّصوا حالة زوجته بأنها مصابة بالسرطان، وفي الهند أكد الأطباء أنه ورم حميد تم استئصاله، بل إن البعض تحدّث إلينا أنه الآن يعالج من الأدوية التي كانت تُعطى له بالخطأ في اليمن..!!.
أيضاً لفت انتباهي في مدينة بونا استغلال للمريض بطريقة أخرى؛ حيث يقوم بعض الطلاب باستئجار شقق ويقومون بتأثيثها بأثاث متواضع ومن ثم يتم تأجيرها بمبالع كبيرة، كما أن العديد من المسافرين يشكون من استغلال الخطوط الجوية حيث تقوم بفرض مبالغ إضافية «فوارق» عند تحديد موعد السفر.
محاصرة الظاهرة
وللوقوف حول تلك القضايا والمشاكل وغيرها كان لنا حديث مطوّل مع القنصل العام للجمهورية اليمنية في مومباي سعادة السفير فؤاد محمد مهيوب الذي استقبلنا في مكتبه وتحدّث بداية عن العلاقات اليمنية ـ الهندية واصفاً تلك العلاقات بالمتطورة، وأنها تشهد نمواً كبيراً في كافة المجالات، مؤكداً أن القيادتين السياسيتين في اليمن والهند حريصتان كل الحرص على الدفع بتلك العلاقات قدماً، لافتاً إلى أن الأوضاع الاستثنائية التي تمر باليمن انعكست سلباً على كل مناحي الحياة، إلا أنه عاد وأكد أن القادم أجمل ـ إن شاء الله ـ خصوصاً إذا ما أخلص الجميع النوايا وتضافرت كل الجهود لإخراج اليمن إلى بر الأمان، معبّراً عن استيائه من قضية السماسرة والنصب الذي يمارسه بعض الطلاب في مدينة بونا الذين يستغلون المرضى ويمارسون عليهم عملية النصب والاحتيال بمشاركة بعض الأطباء والمستشفيات، مؤكداً أن القنصلية عملت على الحد من تلك الظاهرة واتخذت إجراءات بحق وأولئك السماسرة، وقد اختفت كثيراً مقارنة بالأعوام الماضية؛ إلا أنه لايزال هناك بعض الطلاب يمارسون هذا العمل خصوصاً الذين يدرسون على نفقتهم الخاصة..!!.
أيضاً أشار القنصل إلى أنه ولمحاصرة تلك الظاهرة تم إشراك الجاليات بعد ترتيب أوضاعها بالتنسيق مع وزارة المغتربين، وقد بارك تلك الخطوات معالي وزير الخارجية، وتم التركيز على المدن الهندية التي يتواجد فيها اليمنيون، سواء المرضى أم الطلاب أو المدن التي يتواجد فيها هنود من أصول يمنية مثل حيدر أباد والتي يصل العدد من أصول يمنية فيها إلى 200000 تقريباً.
والغرض من كل تلك الخطوات، كما أكد القنصل هو العمل بشكل جماعي وخدمة اليمنيين، وكشف هؤلاء السماسرة وتعريتهم وفضحهم والتحذير منهم في أوساط المرضى، لافتاً إلى أن القنصلية تعمل كل ما بوسعها لتقديم خدماتها وفق الإمكانيات المتاحة، وستتعامل مع كل البلاغات والشكاوى بحزم وشدّة ولن تتهاون تجاه المخالفين أكانوا يمنيين أم هنوداً.
خدمات صحّية
كما أشار القنصل إلى أنه تم الاتفاق مع الأخت السفيرة في دلهي بمخاطبة العديد من المستشفيات في مدينة بونا لعمل حد لهذه الظاهرة السيئة، وطلبنا منهم مساعدة المرضى اليمنيين وتخفيض تكلفة العلاج بدلاً من ابتزازهم، بالإضافة إلى ضرورة توفير مترجمين معتمدين من قبل تلك المستشفيات.
كما تحدّث سعادة القنصل إلى أن القنصلية قد رتّبت عدداً من الزيارات لبعثات طبية إلى اليمن وقد تكلّلت بالنجاح، وهناك خطة تم إعدادها لترتيب زيارات أخرى للعديد من الوفود، وأيضاً أبرمت اتفاقات مع بعض المستشفيات على تقديم خدمات صحية للمرضى اليمنيين بأسعار مناسبة خصوصاً مرضى السرطان.
وفيما يتعلّق بشكاوى المسافرين بخصوص الفوارق التي تفرضها الخطوط الجوية اليمنية؛ فقد أكد أنه تمّت مخاطبة وزير النقل وتم حل المشكلة بزيادة عدد الرحلات واستخدام الطائرات الكبيرة لنقل المسافرين.
رغم تأكيد سعادة القنصل على حل هذه المشكلة؛ إلا أننا لاحظنا أن المشكلة مازالت قائمة، ولايزال المسافر يدفع الفوارق؛ والزحام شديداً والطائرات صغيرة الحجم رغم الجهود التي يبذلها مدير مكتب «اليمنية» في مومباي محمد الشيبة والذى يحظى باحترام كل المسافرين.
تبادل تجاري
وعن حجم التبادل التجاري بين البلدين؛ أكد القنصل أن حجم التجارة كبير وتشمل الملابس والأقمشة والأغذية والأدوية ومعدّات طبّية وقطع غيار سيارات وغيرها من السلع؛ لكنها لا تمر عبر الأطر الرسمية، ويتم الشحن من الميناء إلى الميناء، مشيراً إلى أن التاجر اليمني يلجأ للقنصلية فقط عند تعرّضه لمشكلة ما، في حين أن القانون يلزمه بتعميد كل ما يتعلّق بالشحن من فواتير وغيرها في القنصلية.
كما أشار القنصل إلى أنه تُبرم اتفاقيات تجارية وصحّية مع بعض الشركات والمؤسّســــات العامة والخاصة مباشرة دون الرجوع إلى القنصلية، لكنهم عندما تحدث إشكالات تجدهم يطرقون أبواب القنصلية؛ وهم يعملون على حلّها انطلاقاً من مسؤوليتهم ووجباتهم - حسب قول القنصل.
فيما القنصلية اليمنية هناك اكتفت بالتطمين وأكدّت انحسار الظاهرة.. مرضى يمنيون ضحايا نصب في «مومباي» الهندية..!!
(مندب برس - الجمهورية نت)