تمارس مليشيات الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح منذ ما يقارب 9 أشهر حرب إبادة وحصار مطبق على مدينة تعز حيث تمنع دخول الغذاء والدواء وأي مواد أو أشياء قد يستفيد منها سكان المدينة في ظل تزايد لعدد الفقراء و ارتفاع تصاعدي لأسعار المواد الغذائية مع قلتها وانعدام للمشتقات النفطية والصحية وأتساع رقعة السوق السوداء
وطوال الأشهر التسعة الماضية تدور حرب عنيفة بين المقاومة الشعبية التي تعارض وتمنع المليشيات من الدخول إلى المدينة من جهة وبين مليشيات الحوثي وجماعة الرئيس السابق علي صالح من جهة أخرى ، وتواصل المليشيات قصف المدينة بشكل متعمد وعشوائي مما أدى إلى استهداف البنية التحتية والتنموية والحضارية وكل أوجه الحياة في تعز حيث أغلقت أكثر من 50 % من المحلات أبوابها في أوجه عملائها بسبب الحصار المفروض والقصف والحرب الذي تتعرض له المدينة فتسببت بكثرة البطالة لكثير من العمال الذين يعتمدون على هذه المحال أو على الأجر اليومي و بعض العمال من المحال التجارية التي مازالت مفتوحة لعدم وجود حركة تجارية وإن وجدت فهي ضعيفة مما لا يمكن أصحاب هذه المحلات دفع أجور العمال وهذا لا يقتصر فقط على المحال وإنما أيضاً على الشركات والمصانع الكبيرة فغالبية الشركات الواقعة في مربع الحصار متوقفة عن العمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي و لعدم القدرة على توفير مشتقات النفط وانقطاعها عن العالم الخارجي للمدينة بسبب الحصار أو بسبب القصف الحوثي الذي طالها والبعض حولتها المليشيات إلى ثكنات لها مثل شركة هزاع طه وشركة الشيباني في منطقة الحصب.
الشركات الموجودة خارج مربع الحصار منها متوقف ومنها مازالت تعمل لكن بالعمال الذين يعيشون خارج المدينة في الأرياف أو في محيط المدينة ولعدم تمكن العمال الذين يقطنون في مربع الحصار من الخروج لأشغالهم بسبب الحصار المفروض والاشتباكات المحيطة في المدينة وبذلك لا تستطيع مواكبة السوق أو توزيع موادها بسبب العراقيل الناجمة عن تعسفات مليشيات الحوثي والحصار الذي تفرضه المليشيات على مدينة تعز أو غيرها.
تضرر محلات الصرافة والبنوك بسبب الحصار
الحصار الخانق على المدينة والقصف العشوائي من قبل المليشيات أدى إلى تضرر كل مقومات الحياة وسط المدنية والذي بدوره أثر بشكل سلبي على مئات الآلاف من المدنيين، الجانب الاقتصادي والبنوك نالت الحض الأكبر من هذا الضرر حيث أغلقت الكثير من محلات الصرافة وبعض البنوك أبوابها في وجه عملائها مما فاقم الوضع المعيشي أكثر بالنسبة للسكان.
وأغلقت أغلب محلات الصرافة أبوابها في بداية الحرب مثل شركة الصيفي للصرافة وشركة الحظاء للصرافة وكل فروع البريد داخل المدينة المحاصرة بينما بقية المحلات تمارس عملها رغم خطورة الوضع حيث قدمت خدمتها للعملاء طوال الأشهر الماضية الأمر الذي سبب زيادة الضغط على هذه المحلات التي بقيت تمارس أعمالها لسكان المدينة المحاصرة.
وفي الأيام الأخيرة اشتدت وتيرة الحصار المفروض على مدينة تعز حيث أغلقت كل المداخل ولغمت بعضها ، الأمر الذي جعل إدخال أي من مقومات الحياة إلى وسط المدينة أمر مستحيل ، حيث منع دخول السيولة المالية إلى محلات الصرافة والبنوك وتم احتجاز عدد من السيارات التي تدخل السيولة النقدية إلى الصرافين الأمر الذي جعل أغلب محلات الصرافة تعلن عن نيتها الإغلاق بينما قامت بعض المحلات باتخاذ إجراءات احترازية سوف تساعدها على استمرار عملها حيث عملت العديد من محلات الصرافة بتنويه زبائنها على أن أكبر مبلغ يدفع للحوالات 70000 ألف ريال يمني وأكبر مبلغ سحب من حساب هو 30000 ألف ريال يمني وبالعملة النقدية المحلية (فئة 100 وفئة 250 ) ريال يمني.
انعدام السيولة بسبب الحصار وعدم القدرة على تسليم الحوالات
وحول هذا الموضوع قال مدير فرع مصرف الكريمي بتعز خالد الشميري لـ"مندب برس": "لا نستطيع الحصول على الكمية الكافية لاحتياج العملاء بسبب الحصار المفروض علينا، لذا نحاول جاهدين تقسيم السيولة الموجودة لدينا بين هؤلاء العملاء والتي نحصل عليها من خلال قاعدة العملاء المودعيين والتجار الذين لديهم ثقة بالمصرف".
وأضاف الشميري، أن ثقة العملاء بالمصرف هو أكبر مصدر مالي لتوفير السيولة في هذه الظروف الصعبة.
من جانبه قال سليم المجيدي - مدير فرع شركة الجزيرة إخوان للصرافة تعز لـ"مندب برس": " إن قطع الطرقات من قبل مليشيات الحوثي وحصار المدينة عمل على قطع السيولة وعدم السماح بدخول المبالغ المالية إلينا فاضطررنا لتوفير سيولة مالية من بعض التجار الذين كانت عندهم سيولة مالية، لكن اشتداد الحصار و قطع الطريق ومنع دخول المواد والبضائع إلى التجار جعلهم يخرجون من وسط مربع الحصار ، الأمر الذي جعلنا نقوم بدراسة المبالغ الموجودة لدينا والمبالغ الضئيلة التي تأتينا من بعض العملاء المودعين وقمنا بتقسيمها بين العملاء المستفيدين حيث يتم صرف الحوالات البسيطة فقط وهي التي تكون اقل من 100 إلف بينما الحوالات التي هي أكثر من هذا المبلغ لا نقدر على دفعها من المكتب الذي يقع تحت مربع الحصار بينما المكاتب التي تقع خارج مربع الحصار تدفع المبالغ الكبيرة أصبحنا نقوم بعملنا وعمل البريد من خلال أن أكثر الحوالات هي حوالات موظفين عبر مندوبين لهم خارج المدينة".
وبحسب تقرير صادر عن منظمة العدالة والإنصاف فقد لاحظ فريق الرصد والتوثيق التابع لها عشرات الموظفين الحكوميين وهم يغادرون مدينة تعز إلى المحافظات المجاورة لاستلام رواتبهم بعد منع مسلحي مليشيات الحوثي وقوات صالح إدخال السيولة المالية إلى بريد المدينة.
وأضاف التقرير أن عامل في إحدى المصارف قال لهم أن مسلحي مليشيات الحوثي وقوات صالح منعوا دخول سيارة تمويل المصرف القادمة من العاصمة صنعاء إلى مدينة تعز وبداخلها سبعمائة مليون ريال، حيث قاموا باحتجاز سائقها ومرافقيه وأعادوها إلى العاصمة صنعاء واشترطوا لتسليمها إلى مركز المصرف الرئيسي في صنعاء عدم تمويل فرع المصرف في مدينة تعز.
من جهته قال قاسم عبد الله الطيب مدير شركة أحمد العامري للصرافة – تعز لـ"مندب برس": "إننا نقوم بتوفير السيولة من خلال بعض التجار الذين لدينا معهم علاقة طيبة داخل المدينة أما بالنسبة للتجار خارج المدينة فكما تعلمون لا نستطيع إدخال المال منهم أو من فروعنا بسبب الحصار الذي فرضته مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي صالح".
أشرف حلمي ( أحد العملاء الذين وجدناهم في شركة الجزيرة إخوان للصرافة )، قال بأن أكثر ما يعانيه العملاء، هو النقدية، مشيرا إلى أن المصارف لا تعطي فئة 1000 ريال وفئة 500 ريال، وتعطي فئة 250 ريال وفئة 100 ريال وبعملة مستهلكة وقديمة، بالإضافة إلى أن هناك زحام شديد وطوابير طويلة، مشيرا إلى أنه أحيانا يومان لا تكفي لاستلام الحوالة.
وأضاف حلمي أنه كان لديه حوالة بمبلغ 70000 ألف ريال وبسبب عدم توفر السيولة قام باستلامها على ثلاثة أقساط وفي كل مرة يضطر للوقوف لساعات طويلة في الطابور أزمة أوجعت قلوبنا وحل الأزمة لن يتم إلا بفك الحصار.
من جهتها قالت خديجة التي وجدناها في نفس الصراف: "كنا نستلم من فروع المصارف المختلفة المنتشرة في مناطق المدينة بسهولة كفرع الكريمي في حوض الأشراف إلا أن هذه الفروع أغلقت بسبب وقوعها في أماكن الاشتباكات مما اضطرنا للمجيء لمسافات طويلة لاستلام الحوالة وإغلاق هذه الفروع سبب لنا أزمة كبيرة بالزحام والطوابير ولا يتم إعطاءنا أكثر من 100الف ريال بسبب العجز المالي".
توقف الصرافات الآلية التابعة للبنوك في وسط المدية المحاصرة
تجدر الإشارة إلى أن الصرّافات الآلية المنتشرة في بعض المناطق داخل مدينة تعز، جميعها متوقف، إلا التي تقع بمبنى البنك أو الصراف، الأمر الذي تسبب في ازدحام كبير وطوابير طويلة، فالذي يريد أن يستلم حوالته لابد من المكوث في هذه الطوابير لأوقات طويلة قد تصل لساعتين من الزمن.
وبعض هذه المصارف والبنوك عملت على افتتاح فروع جديدة لعملها في منطقة الحوبان التي تقع شرق المدينة وأغلقت الفروع الواقعة داخل المدينة لتلافي الأزمة ولاستمرار عملها ولعدم القدرة على إدخال المقدرات المالية لتلك الفروع بسبب منع الحوثيين والحصار المفروض من خلالهم على المدينة.
اختلاف سعر الصرف في تعز عن بقية المحافظات
ويشهد سعر الريال اليمني تراجعاً مقابل الدولار والعملات الصعبة مع توفر سيولة كبيرة للريال السعودي في السوق وسعر صرف هذه العملات منخفض مقارنةً بالمدن اليمنية الأخرى مما يسبب أزمة مالية طاحنة داخل المدينة حيث سعر الصرف للريال السعودي داخل المدينة 57 ريال يمني أما خارج المدينة فسعر الصرف له تقريباً يتفاوت من مدينة إلى أخرى بين 61 – 64 ريال يمني.
مدينة تعز أصبحت على حافة الخطر وتعيش بوضع كارثي يهدد النظام الاقتصادي للمدينة بالانهيار بشكل كلي والكثير من الأسر باتت تعيش تحت خط الفقر ولا تستطيع توفير القوت الضروري اليومي مما أدى إلى حالة معيشية صعبة جداً لا يمكن لأحد أن يتخيلها.
تعز مدينة أصبحت بحق منكوبة تعاني الجوع والفقر والكثير هنا يناشدون المنظمات الإغاثية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان لإنقاذهم من بطش الحاجة وتخليصهم من أسر الجوع ولفك الحصار عنهم وإغاثة المدنيين.
إن فك الحصار عن المدينة هو الحل الوحيد لإنقاذ هذه المدينة من ذئب الفقر وانتشالها من أزمة خانقة قد تعصف بها بشكل كارثي وخطير.