نتهت جولة مباحثات السلام اليمنية في مدينة بيل في سويسرا إلى غير النتيجة المرجوة. المبعوث الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ حاول قدر المستطاع رسم ابتسامة على شفتيه، خرجت الابتسامة تشي بنوع من التفاؤل المصطنع، تماماً كتلك البسمة التي يخرج بها محارب مهزوم.
ونقول «مهزوم» بكل أسف لأن جولة «بيل» خرجت بصفر كبير. الصفر يعني انعدام تحقق النتائج، لكن كونه كبيراً، يعكس نوعاً من محاولة الامتلاء بهذه النتائج الصفرية.
لم ينس ولد الشيخ بالطبع أن يذكر في مؤتمره الصحافي الذي عقده بعيد نهاية جولة المحادثات، أن الطرفين نجحا في الاتفاق على لقاء قادم منتصف كانون الثاني/يناير المقبل، وهذا أمر مهم لاستمرار جولات المحادثات.
لا بأس، يصبح «الحَشَف» لذيذ المذاق، عندما يصعب الحصول على «الرُطَب».
عبر أحد المشاركين في الحوارات بقوله «إن المفاوضات نجحت من حيث الشكل، لكنها فشلت من حيث المضمون»، مشيراً إلى إنجاز اتفاق على لقاء قادم، مع عدم الخوض في المقررات الأساسية للقرار الدولي 2216 الذي يعد مرجعية المحادثات مع المبادرة الخليجية، ومع مخرجات الحوار الوطني الذي انتهى في كانون الثاني/يناير 2014.
على كل يكفي أن تكون «بيل» حققت هدف جمع الأطراف المتصارعة مباشرة على طاولة حوار واحدة، حسب مسؤول في الامم المتحدة، لأن جولة «جنيف» لم تستطع تحقيق هذا الهدف، بغض النظر عن التزام معسكر الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح بمتطلبات القرار الدولي 2216 من عدمه.
لا شك أن المبعوث الدولي بذل جهوداً كبيرة لإحراز تقدم، ولا يمكن تحميله مسؤولية الحصول على «صفر كبير» في بيل، بل إن المسؤولية تتحملها الأطراف المعنية بتنفيذ القرار الدولي، والتي أعلنت قبولها لهذا القرار دون أن تسعى بشكل جدي لتنفيذه.
الحوثيون وحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، أرسلوا رسالتين خطيتين كل على حدة إلى أمين عام الأمم المتحدة السيد بان كي مون، أعلن الطرفان فيهما إلتزامهما بالقرار الدولي 2216، غير أنهما جاءا إلى بيل بأحاديث حول «النقاط السبع» التي اقترحها وفد الحوثيين وصالح في مسقط، وعرضت في حينها على الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وتم رفضها لأنها لا تفي بمتطلبات القرارات الدولية في هذا الخصوص.
ومع ذلك فقد اتفقت الأطراف اليمنية على قضيتين مهمتين: الأولى تتمثل في إيجاد آلية رقابة على وقف إطلاق النار، حيث من المفترض ان تشكل لجنة محايدة للمراقبة، وهو الأمر الذي كان الحوثيون وصالح يرفضونه، ثم تشكيل لجنة لمراقبة والإشراف على توزيع مواد الإغاثة الإنسانية، التي اتهمت تقارير دولية الحوثيين بالسيطرة عليها، والاستفادة منها لدعم مجهودهم الحربي، وحرمان المناطق المعنية من الاستفادة منها.
الواقع أن الأطراف اليمنية في بيل كانت تناقش قضايا ليست في صلب القرار الدولي 2216، وهي القضايا التي تحدثت عنها مسودة تقدم بها ولد الشيخ كإجراءات لبناء الثقة بين الطرفين المتصارعين، من مثل إيصال المساعدات الإنسانية، ووقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين لدى جماعة الحوثي. وانقضت الأيام الستة دون إحراز أي تقدم على مستوى إجراءات بناء الثقة، الأمر الذي أدى إلى تأجيل المحادثات إلى 14 يناير 2016، للخوض فيما نفذ منها، وللبدء في مناقشة بنود القرار الدولي بعد أن تم تأجيل مناقشتها إلى اللقاء القادم.
يأمل اليمنيون أن تنتهي الحرب، وأن يعود بلدهم سعيداً، كما يطيب لهم ان يسموه، لكن الواقع غير التمني، والواقع يشير إلى استمرار المعاناة، إذ ما إن انتهت جولة بيل، واعلنت الحكومة اليمنية تمديداً لوقف إطلاق النار، لمدة سبعة أيام أخرى حتى خرج بيان باسم المجلس السياسي للحوثيين، يعد بمثابة «إعلان حرب»، وزع فيه التهم على الجميع، وهدد الجميع في الداخل والخارج، بما سماها مرة اخرى «خيارات استراتيجية صعبة»، وهذا يعني أن تلك اللقاءات ليست أكثر من «استراحة محارب»، استعداداً لجولات قادمة من الحرب التي أتت على إمكانيات بلد يعد ضمن البلدان الأكثر فقراً في العالم.
ومع كل ما ذكر، فإن الحل في اليمن يظل واضح المعالم إذا ما قورن بالحلول في بلدان أخرى، إذ أن خريطة الطريق واضحة في مشروعيتها الوطنية المكونة من مخرجات الحوار الوطني، وبعدها العربي المتمثل في المبادرة الخليجية، ومرجعيتها الدولية المتمثلة في القرارات الدولية، وآخرها القرار 2216 الصادر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. لكن كل ذلك الوضوح في معالم طريق الحل اليمني لا تبدو كافية مع غياب الإرادة السياسية للأطراف المعنية بالمضي قدماً في الحل.
وهكذا يبدو الحل في اليمن بعيداً على الرغم من أنه في متناول اليد.
?اليمن…حل بعيد في متناول اليد!
(مندب برس- القدس العربي)