الانحياز المسبق من قبل الأمم المتحدة ومبعوثها الأممي لجانب الحوثيين "الشيعة المسلحة" وحليفهم المخلوع عبد الله صالح، وعدم وجود أي ضمانات لتنفيذ القرار 2216 والتدخل الروسي الإيراني على خط الأزمة، والتصعيد الحوثي العسكري، والنقاط السبع، كلها تمثل ألغام في طريق مفاوضات جنيف الثانية المرتقبة غدًا تستهدف إطالة أمد الحرب دون حسم سياسي أو عسكري لإنهاك التحالف العربي بقيادة السعودية واستنزافها وتقسيم اليمن لصالح شركات السلاح وقوى إقليمية ودولية، بل تهدد مبكرا بفشل الهدنة الإنسانية وقرار وقف إطلاق النار الذي من المنتظر أن يبدأ ليل الاثنين - الثلاثاء.
تنطلق مشاورات "جنيف 2" بين الحكومة اليمنية الشرعية والمليشيات المسلحة "الحوثي وصالح" غدا الثلاثاء بعدما سمى كل جانب أسماء ممثليهم المفاوضين.
من يلزم الحوثيين بالتنفيذ
يأتي انعقاد المفاوضات دون التزام واضح أو ضمانات بشأن القرار الأممي 2216 بما يعني إهدار للمكتسبات العسكرية الميدانية التي حققتها المقاومة الشعبية مدعومة من التحالف، وينص القرار على سحب الحوثي قواتهم من جميع المناطق التي سيطروا عليها في وقت سابق، بما في ذلك العاصمة صنعاء، والامتناع عن أية استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة، بالعكس تم خرق القرار قبيل بدء الهدنة، حيث يدخل اتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن حيز التنفيذ منتصف ليل الاثنين الثلاثاء، قبل ساعات من بدء مفاوضات في سويسرا بين طرفي النزاع.
ووفقاً لتصريحات المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وتصريحات مسؤول رئاسي، فإن الرئيس عبدربه منصور هادي سوف يدعو لوقف إطلاق نار مشروط بالتزامن مع انطلاق المحادثات ومن المقرر أن يترافق ذلك مع خطوات لبناء الثقة من قبل الحوثيين - تجري بالتزامن مع انطلاق المفاوضات أو أثناء انعقادها - وأبرزها الإفراج عن معتقلين سياسيين، في مقدمتهم وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، وتعد قضية المعتقلين من أبرز القضايا التي تمثل عقبة أمام مفاوضات جنيف 2 ، وتشير إحصائية نشرها موقع الجزيرة بداية ديسمبر الحالي إلى أن 2110 معتقل لدى الحوثيين في سجون ومراكز أمنية بصنعاء.
إجراءات هدم الثقة
أجواء محتقنة للغاية لا تنم عن إجراءات بناء ثقة بل مزيد من التصعيد العسكري غير المحسوب بما يهدد أي هدنة محتملة بخروقات حوثية فجة فقبل ساعات من سريانها، مساء اليوم الاثنين، قال العميد شرف لقمان، الناطق باسم قوات الجيش الموالية لجماعة الحوثي، إنه تم إطلاق صاروخين استهدفا قوات التحالف العربي في منطقة "باب المندب" جنوبي غربي اليمن، ومنطقة "جازان" جنوبي السعودية.
وقُتل قائدان عسكريان أحدهما من قوة العمليات الخاصة السعودية المرابطة في مدينة عدن جنوبي اليمن، العقيد عبدالله السهيان، إلى جانب القائد الإماراتي، محمد بن هويدن، وأثناء مشاركته بعملية تحرير محافظة تعز جنوبي البلاد، قتل الضابط الإماراتي البارز "العقيد الكتبي.
النقاط السبع المفخخة
الأكثر خطورة زعم الناطق باسم التمرد الحوثي محمد عبد السلام، أن ما يسمى بالنقاط السبع هي الأرضية الصلبة لأي مشاورات حول اليمن. وادعى خلال مؤتمر صحفي قبيل مغادرة وفد الانقلاب إلى سويسرا، أمس الأحد، أن المسودة الأممية النهائية للحوار لم تستوعب ملاحظات الحوثيين ويعد ذلك تراجعا عن وعودهم للمبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ.
وتتضمن النقاط السبع: الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بما فيها 2216 من جميع الأطراف وفق آلية تنفيذية يتم التوافق عليها، مع التحفظ على العقوبات الصادرة بحق المواطنين اليمنيين، وقف دائم وشامل لإطلاق النار من جميع الأطراف وانسحاب كل الجماعات والمليشيات المسلحة من المدن وفقاً لآلية تؤدي إلى سد الفراغ الأمني والإداري ورفع الحصار البري والبحري والجوي، الاتفاق على رقابة محايدة على تنفيذ الآلية التي سيتم الاتفاق عليها بإشراف الأمم المتحدة، عودة حكومة خالد بحاح لممارسة مهامها كحكومة تصريف أعمال لفترة لا تتجاوز 90 يوماً يتم خلالها تشكيل حكومة وحدة وطنية بما لا يتعارض مع الدستور.
موقف المقاومة الشعبية
للمقاومة موقف مغاير للحكومة اليمنية وهي الرقم الصعب بالمعادلة السياسية بما يعكس خلافات داخل الجبهة اليمنية كشف ذلك بيان للمقاومة الشعبية في محافظة إب، اعتبر أن "أي تفاوض أو حوار أو لقاءات بين السلطة الشرعية والانقلابيين بعد كل التضحيات والشهداء والجرحى تفريط بتلك التضحيات وخيانة لها، وتمثل عائقاً أمام الشرعية والمقاومة لاستعادة الدولة ومؤسساتها، وفتح باب الفوضى على المستوى اليمني والإقليمي".ليس هذا فحسب بل إن هناك خلافات بين الرئيس عبدربه هادي ونائبه خالد بحاح بما يضعف موقف الوفد المفاوض.
مواجهات بلا حسم
مواجهات عنيفة عشية انعقاد المحادثات بلا حسم عسكري، حيث يرى مراقبون أن إيران تستهدف استنزاف الرياض حيث قتل 53 من ميلشيات الحوثي، أمس الأحد، وكثف طيران التحالف غارته الجوية مستهدفا مواقع تمركز الميلشيات ودارت مواجهات وصفت بالأعنف بين الجيش والحوثيين في منطقة المغنية بالقبيطية جنوب شرق تعز، إثر هجوم شنه الحوثيون على المنطقة.
المستفيدون من الحرب
بدوره يرى الكاتب عبد الواسع الفاتكي، بمقال عنوانه "الحرب في اليمن: الآثار والأهداف" اليوم بصحيفة العربي الجديد أن "تلاقي المصالح الأميركية والروسية والإيرانية المتمثلة في عدم انهيار الحوثيين بشكل كامل في هزيمة عسكرية ساحقة، يدركه الحوثيون جيدا، ويمنحهم قدرا من المراوغة والصبر على أمل إطالة الحرب، بما يفرغها من مضمونها السياسي، ويحرم خصومهم من جني ثمارها، فمليشيات الحوثيين والمخلوع ترى أنه كلما طالت الحرب كان ذلك في صالحها.
وأضاف:"وهذا يتطابق تماماً مع مواقف دول كبرى كثيرة كأميركا التي تريد الحفاظ على التوازن العسكري بين الأطراف المتحاربة في اليمن؛ ليستمر القتال فترة أطول يسمح لشركات الأسلحة الأميركية، ببيع مزيد من الأسلحة للسعودية ودول الخليج الأخرى، وللحوثيين عبر وكلاء إيرانيين".
وبحسب "الفاتكي" تشير الدلائل إلى أن صراع الإرادات الإقليمية الذي أصبحت اليمن مسرحه، وعدم امتلاك الأطراف المتحاربة في الداخل اليمني قرارها، فضلا عن افتقارها أي رؤية وطنية تنزع فتيل العنف والاحتراب، وتحول دون مزيد من التدهور والانقسام، يقود اليمن إلى مربع ما قبل الدولة والشعب والوطن".
المثير للقلق أن تعيد مفاوضات جنيف الثانية الأزمة اليمنية للمربع صفر بجولات كلامية تجهض منجزات المقاومة والتحالف العربي وتزيد معاناة الشعب اليمني، كذلك تربط إيران ووكلاءها الحرب باليمن بالموقف السعودي بالملف السوري لمقايضة الرياض وابتزازها ما سيعقد جميع ملفات التسوية النهائية بالأزمتين.