تحرص منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" على المحافظة على دورها ولو بشكل جزئي في إدارة معادلة الأسعار العالمية . ولعل هذا ما يفسر إصرار بعض الدول الأعضاء في المنظمة على رفض تخفيض إنتاج المنظمة كحل تعتبره متسرعا في الوقت الذي بدأت عوامل عالمية أخرى تكثيف ضغوطها على معادلة الأسعار منها كميات الغاز الطبيعي التي تدخل الأسواق ومصادر الاستخراج الجديدة القائمة على تقنيات تم تطويرها في السنوات الأخيرة كالحفر في أعماق البحار وتفتيت الصخر الزيتي وغيرها.
نتج تدني الأسعار عن تضافر تلك العوامل، وعودة عدد من الدول المنتجة الى الأسواق مثل ليبيا، وضعف الاستهلاك على خلفية نمو اقتصادي متباطئ في الصين وفي منطقة اليورو . ومن المتوقع أن تبقى أسعار النفط ضعيفة عام 2015 بسبب استمرار الفائض في المعروض العالمي ما يمكن ان يؤجج الخلافات بين الدول المنتجة بدءا ببلدان أوبك . وتدعو فنزويلا الى تخفيض إنتاج أوبك فيما تعارض السعودية ذلك رافضة الاستمرار في تحمل القسم الأكبر من الوعود بتخفيض إنتاج المنظمة .
كما يتوقع أن يؤدي تراجع اسعار النفط الى زيادة حدة التوتر داخل الدول التي تعتمد على العائدات النفطية مثل العراق حيث حذر ريتشارد مالينسون، خبير النزاعات الدولية في شركة "انرجي آسبكتس" من تأثير تدهور اسعار الخام في قدرة الحكومات في مواجهة الحركات والتنظيمات الإرهابية .
غير أن كل ذلك يبقى مجرد احتمالات لأن الكونغرس الأمريكي قد يعمد إلى تشديد العقوبات الدولية المفروضة على طهران والتي خفضت صادراتها النفطية بمقدار النصف . غير ان ميزان العرض والطلب قد يبدأ بالتكافؤ إذا زاد تأثير انخفاض الأسعار في العرض وبالتالي نشط الطلب . ومن المتوقع بصورة خاصة ان يدفع تدني الأسعار المنتجين إلى إعادة النظر في استثماراتهم حيث يتوقع خبراء في بنك "كومستزبنك" ان يؤثر انخفاض الأسعار بشكل جذري في ربحية الكثير من المنتجين الأمريكيين . وكان الإنتاج الأمريكي قد شهد زيادة كبرى في السنوات الماضية بفضل نفط الزيت الصخري الذي تعتبر كلفة استخراجه أعلى . وتشير الإحصاءات الى ان عدد التراخيص الجديدة بدأ يتراجع في الخريف ولو ان البلاد تشهد تباطؤا في معدلات نمو الطلب على الخام وليس تراجعا في حجم الطلب .
وليس من المستبعد ان تخفض أوبك إنتاجها بشرط أن تتخذ الدول المنتجة خارج المنظمة قرارا مماثلا . ويبقى تراجع الإنتاج احتمالا مطروحا سواء من قبل أوبك أو الدول المستقلة .
ويبقى تهديد الاضطرابات السياسية مرشحا للتفاقم على خلفية استمرار تراجع عائدات تصدير الخام لدى الدول المنتجة . ففي فنزويلا أثار تراجع العائدات النفطية توتراً شديداً في الأجواء الاجتماعية والسياسية . أما روسيا التي أضعفتها العقوبات الغربية وانهيار سعر الروبل، فقد تعمد الى تخفيض إنتاجها لعدم توافر الاستثمارات .
ومع الغموض المحيط بالنمو الاقتصادي العالمي فإنه في حال أسفر تراجع الأسعار عن تحفيز الاستهلاك فإن مستوى مخزونات النفط المرتفع سيحول دون تأثير ذلك في اسعار النفط قبل النصف الثاني من عام 2015 .
/الخليج/