اعتبر فرنسوا بورغا، احد كبار خبراء فرنسا في الشأن اليمني، ان اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن كانت السبب الرئيسي في تفجير الوضع في اليمن بين الجهات المتقاتلة فيه حاليا. وربط الأمرين بقوله ان أمريكا وحلفاءها في منطقة الخليج العربي خشيتا من استهداف النظام اليمني آنذاك بقيادة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ومجموعات مسلحة متحالفة معه دولا خليجية مجاورة لليمن، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية ومحاولة قلب انظمتها.
كما ان بورغا رأى، في محاضرة ألقاها بدعوة من قسم الإعلام والعلوم الاجتماعية في الجامعة الأمريكية في بيروت، ان الجهات الراديكالية المسلحة في اليمن كانت قبل ذلك في مواجهة مع نظام صالح الذي شن آنذاك حملة ضد التنظيمات الدينية المسلحة، ولكن الامر تبدل بعدما حدث في أمريكا في 11 ايلول/سبتمبر 2001. السعودية، براي المحاضر، تتواجه مع اي جهة تشكل خطراً على امنها، كما انها تتهادن، أو حتى تتحالف، مع اي جهة ترغب بالتعاون معها. وحتى مطلع العقد الماضي، كانت علاقة الرياض طبيعية مع نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح وحتى مع الحوثيين.
وبقيت هذه العلاقة كذلك حتى عامي 2003 ـ 2004، ولكن نظام صالح ساهم بدوره (بنظر بورغا) في تحول التوجه السياسي للحوثيين نحو الراديكالية والاقتراب من النظام الإيراني واعتناق الزي الطائفي ومن ثمة التحول إلى حليف مدعوم بشتى الوسائل من إيران.
وبورغا يعمل حاليا كمدير الابحاث في «معهد الابحاث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي» في فرنسا، بعد عمله سابقا كمدير لمركز ابحاث للشؤون الاجتماعية في صنعاء (اليمن)، في مطلع العقد الماضي، حيث سكن هناك حتى عام 2003، وعمل قبل ذلك في الجزائر والقاهرة وله مؤلفات بارزة حول الحركات الإسلامية في العالم العربي وشمال افريقيا.
وافتتح محاضرته بعنوان «اليمن والربيع العربي» بقوله ان اليمن كان دولة في حالة هدوء واستقرار في مطلع تسعينيات القنر الماضي، ولم تشوبها الانقسامات الطائفية.
وكانت الحركات الإسلامية تعمل بداخل النظام. وقاد حزب الاصلاح ذا التوجه الإسلامي، الشيخ عبد الله حسين الاحمر ابرز زعماء القبائل في اليمن. وبما ان التسلح سلميا كان من الصعب حدوثه، هذا برغم وجود مجموعات واعية ومثقفة في اليمن، ومع ان اليمن لم ينل استقلاله (كبعض الدول العربية الاخرى)، كهبة من الدول الاستعمارية السابقة.
وفي اليمن، حسب بورغا، كانت المعارضة قوية ومسلحة، خلافا لما كانت عليه في مصر لدى انطلاق حراك الربيع العربي في المنطقة عموما في عام 2011. وعندما تغير نظام علي عبد الله صالح، تم هذا القرار بدعم دولي واقليمي وداخلي ولكن صالح ابقى وجودا عسكريا له في القوات المسلحة مما اتاح له العودة والقيام بالدور الذي يقوم به حاليا. كما استمر في ترؤسه لحزب المؤتمر الشعبي العام، وهو حزب رئيسي في البلد. وفي هذين الواقعين الاساسيين اختلف الوضع في اليمن عن وضعه في دول عربية اخرى حدثت فيها ثورات الربيع العربي وتغيرت انظمتها.
وهذا يعني ان صالح وبعد خروجه من النظام، حفظ خط العودة اليه عبر عدم تخليه الكامل عن مواقعه، وبالتالي، غير تحالفاته واقترب من الحوثيين وشكل معهم تحالفا جديدا ذا توجه مختلف.
ويعتبر بورغا ان الحرب اليمنية ليست حربا طائفية، وان الحوثيين، ومن دون علي عبد الله صالح، ربما ما كان باستطاعتهم تحقيق التقدم الميداني الذي حققوه وادى إلى سيطرتهم على صنعاء.
وقد لبس صالح الثوب الزيدي الشيعي عندما اتهمه خصومه الإقليميون بأنه يخرج الأحزاب الإسلامية السنية التوجه من النظام، وبالتالي تحول الصراع إلى اكثر من صراع سياسي.
واعتبر بورغا ان صالح و«تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش) احتاجا إلى ادخال الجانب الطائفي إلى الصراع في اليمن لتحقيق غايتهما. وهنا اتيح المجال للجهات الاقليمية المجاورة لليمن بتحويل الصراع إلى مواجهة مع إيران والتطرف.
وعن إمكان العثور على أرضية مشتركة بين صالح وخصومه الإقليميين نظرا لأن صالح كان من القادة العرب القليلين الذين ايدوا الرئيس العراقي السابق صدام حسين في مواجهته للغرب وللمد الإيراني في املنطقة. اشار بوغا انه من الصعب جدا حدوث مثل هذا الامر، لأن صالح حاليا يلبس الثوب الزيدي ويؤيد خصوم الدول الخليجية في المنطقة. وقال انه متشائم بالنسبة غلى امكان حل قضية الصراع اليمني في المستقبل القريب.
?اعتداءات 11 أيلول 2001 في أمريكا فجّرت الحرب اليمنية
(مندب برس - القدس العربي- سمير ناصيف)