يتجرع اليمنيون مرارة الحرب التي تشهدها بلادهم في شتى مناحي الحياة المختلفة، لكن ذوي الاحتياجات الخاصة (المعاقين) منهم يعانون ويلات مضاعفة، سواء في المعيشة أو الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية التي انعدم أغلبها.
وتشهد مناطق مختلفة من اليمن معارك ميدانية بين المقاومة الشعبية، مسنودة بالتحالف العربي المؤيد لشرعية الرئيس عبد ربه هادي، وبين مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية التي سيطرت على السلطة بالسلاح في سبتمبر/ أيلول من العام 2014.
الطفلة اليمنية سلوى يوسف كانت ترتاد مركزاً للعلاج الطبيعي في صنعاء؛ لكونها تعاني ضموراً في المخ أفقدها القدرة على المشي على قدميها، لكن هذا المركز أصبح مغلقاً الآن بسبب الحرب.
صمود غير مجدٍ
تقول أم سلوى لـ"الخليج أونلاين" إن وجودها خلال فترة ما قبل الحرب في صنعاء كان لغرض استشفاء ابنتها البالغة من العمر خمس سنوات في مركز العلاج الطبيعي، والذي كان يتقاضى رسوماً رمزية تبلغ نحو سبعة آلاف ريال شهرياً، أي ما يعادل ثلاثين دولاراً أمريكياً.
ومع اندلاع الحرب حاولت عائلة سلوى الصمود والاستمرار في صنعاء في ظل الخوف والرعب القائم، لكن صمودها أنهاه إغلاق هذا المركز المجتمعي والخيري، واضطرت إلى العودة إلى الريف حيث موطنها الأصلي في محافظة ريمة النائية وسط البلاد، لا سيما أن زوجها مغترب في المملكة العربية السعودية، وبهذا حرمت سلوى من حقها في العلاج الطبيعي وأصبح مستقبلها الصحي مجهولاً.
فهيم القدسي، ناشط إعلامي مهتم بقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، أوضح في حديث مع "الخليج أونلاين"، أن عدداً كبيراً من المعاقين حرموا من جلسات العلاج الطبيعي في عدد من المراكز المتخصصة التي أغلقت بسبب انعدام المشتقات النفطية أو وجودها في السوق السوداء بأسعار مرتفعة جداً وانقطاع الكهرباء، وهو ما سبب تدهوراً في الحالة الصحية لأولئك الأشخاص المستفيدين من هذه المراكز.
إغلاق أبرز الجمعيات
وبحسب القدسي فإن عدد المعاقين الذين انقطعت عنهم خدمات التعليم والعلاج بلغ نحو مئة وتسعين ألف معاق في مختلف أنحاء الجمهورية، حيث أغلقت عدد من المراكز والجمعيات البالغ عددها نحو 450 جمعية ومركزاً، أبرزها جمعية التحدي، وجمعية الصم، وجمعية الأمان للكفيفات.
بالإضافة إلى مركز النور لرعاية المكفوفين الذي تورطت مليشيا الحوثي في إغلاقه بصنعاء، قبل أن يتم التفاهم مع قيادة المليشيا وحل المشكلة.
ووفقاً لأرقام رسمية فإن تعداد المعاقين في اليمن يبلغ نحو ثلاثة ملايين نسمة، أي ما يعادل 12% من نسبة سكان الجمهورية اليمنية، البالغ تعدادهم خمسة وعشرين مليون نسمة تقريباً. حيث أنشأت الحكومة اليمنية في العام 2002 صندوقاً لرعاية وتأهيل المعاقين يوفر مصادر مالية تتسم بالاستقرار والثبات لدعم المشاريع المختلفة لرعاية وتأهيل المعاقين من خلال استقطاع مبالغ ثابتة من مبيعات تذاكر الطيران والسجائر والجمارك، فضلاً عن الهبات والمساعدات.
قلق نفسي وصعوبات جمة
وأشار القدسي إلى أن الوضع النفسي في ظل الحرب والصراع التي تمر بها البلاد خلال الأشهر الماضية سببت قلقاً نفسياً لدى الأغلبية من ذوي الإعاقة، وذلك من جراء عدم تمكنهم عن ممارسة حياتهم؛ فمنهم من توقف عن ممارسة الرياضة، ومنهم من توقف عن الدراسة، ومنهم من لم يعد يذهب إلى وظيفته، أو عمله الخاص، وبعضهم انقطع دخله الذي كان يقتات به وأسرته.
من جانبه، عبر رئيس المنتدى اليمني للأشخاص ذوي الإعاقة، حسن إسماعيل، عن أسفه الشديد للمأساة الإنسانية التي يعانيها الأشخاص ذوو الإعاقة، الذين كانوا يواجهون الصعاب في الأوقات العادية أصلاً.
وقال إسماعيل: "أصواتنا اليوم لم تعد مسموعة، ومعاناتنا الصحية والاجتماعية لم يعد يلتفت إليها، وبات الكثير منا غير قادر على الانتقال من مكان إلى مكان آخر، أو قضاء حوائجنا اليومية بسبب إعاقاتنا، خاصة أولئك الذين يستخدمون كراسي متحركة وأجهزة تعويضية ولا يستطيعون الانتقال من مكان إلى آخر إلا عبر وسيلة مواصلات، وهي الآن غير متوفرة بسبب انعدام المحروقات".
صعوبة في النزوح
وأضاف إسماعيل، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم لم يقدروا حتى على النزوح إلى أماكن أخرى، بسبب ظروف الإعاقات الصعبة، فضلاً عن أن الريف اليمني يشهد وضعاً صعباً بسبب غياب البيئة المناسبة للأشخاص ذوي الإعاقة لممارسة حياتهم الطبيعية ولو بحدودها الدنيا، نتيجة لوعورة الطرق وعدم ملاءمة المنازل، وغياب الخدمات الصحية التي يحتاجها كثيرون بصورة مستمرة".
وفي الوقت الذي أصبحت فيه حياة اليمنيين طوابير للماء والغاز وغيرها، لا يستطيع ذوو الإعاقة الذين يعولون أسرهم الوقوف في الطوابير الطويلة حتى يحصلوا على احتياجاتهم وهو ما يجعل معاناتهم في ازدياد، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
وكان المنتدى اليمني للأشخاص ذوي الإعاقة ناشد - في بيان صحفي- كافة المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وقيادة التحالف العربي، والأطراف السياسية في اليمن، أن يتحملوا مسؤوليتهم الإنسانية تجاه ما يمر به أبناء اليمن عامة والأشخاص ذوو الإعاقة الذين يعانون معاناة مرة أكثر من غيرهم على وجه الخصوص.