الرئيسية > اخبار وتقارير > نازحو الجوف بين مطرقة الحوثيين وسندان الـ "درونز" الأمريكية (تقرير خاص)

نازحو الجوف بين مطرقة الحوثيين وسندان الـ "درونز" الأمريكية (تقرير خاص)

نازحو الجوف بين مطرقة الحوثيين وسندان الـ "درونز" الأمريكية (تقرير خاص)

تربض مئات  الخيام لنازحي الجوف في مناطق حدودية متاخمة لمأرب، بعد أن شردهم الحوثيون من ديارهم وأموالهم، بعد اجتياح الميليشيات لمحافظة الجوف الإستراتيجية منتصف يونيو الماضي.

 

ثمة نازحون لا يجدون أدنى مقومات الحياة، وجدوا أنفسهم بين الصحراء وخيامهم، بعد أن كانوا يملكون كل شيء في ديارهم، وجدوا أنفسهم مضطرين لأن يفروا حفاظا على أنفسهم وأولادهم ، قبل أن تصل إليهم آلة الموت والتفجير.

 

ومن خلال مشاهداتنا، وجدنا أنهم يعيشون أوضاعا إنسانية غاية في الصعوبة، فهم بلا ماء ولا كهرباء ولا غاز، بل لا توجد أي سلع استهلاكية أو تمونيات غذائية قريبة من مناطق النزوح، فأقرب مكان توجد فيها تموينات يبعد عن مناطق النزوح قرابة ساعة.

 

تمتد مساحة النزوح لنحو 5 كيلو تقريبا وينتشر فيها ما يقرب من 700 مخيم، يتكدس فيها النازحون إلى درجة الازدحام، إذ أن كل 5 أسر تقيم في مخيم واحد بحسب إفادات النازحين لنا.

 

يأتي هذا، وفصل الشتاء يطرق الأبواب، ما يعني حلول البرد القارس، خصوصا في مثل هذه المناطق المعروفة ببرودة فصل الشتاء فيها، وهو ما يعني مزيدا من المعاناة لآلاف النازحين.

 

وليس هذا فحسب، فكل نازحي حرب في العالم يكونون على الأقل قد ضمنوا لأنفسهم النجاة من القتل، عدا نازحي الجوف، فإن وضعهم يختلف تماما، عن كل نازحي العالم، فهم نزحوا من آلة الموت والبطش الحوثية، إلى آلة القتل لطائرات "درونز" الأميركية، ليكون الموت هو من يتربص بهم في كل أحوالهم.

 

يحدثك صالح عرفج وهو والد أحد ضحايا قصف طائرات ، قبل نحو  أكثر من 10أيام في "منقذة"، بمنطقة النزوح، بكل حدة وألم قائلا" الأمريكان قتلوا ابني، لم يكن ابني ينتمي للقاعدة، كان يعمل موظفا في شركة صافر،وذنبه أنه من قيادات المقاومة الشعبية، مضيفا: هربنا من إجرام وبطش الحوثي، إلى نار طائرات بدون طيار الأمريكية".

 

وأضاف" قاتلنا الحوثي 4 سنوات وسنظل نقاتله لأنه احتل أرضنا وديارنا، وفجر منازلنا وشبابنا متواجدون في الجبهات استعدادا، لبدء المواجهات، مشيرا إلى أنه لا توجد خصومة لدينا مع أحد سوى الحوثي".

 

وأكد أن ابنه وعددا من الأشخاص الذي قال أنهم يقربون له، ممن استهدفهم طيران "درونز"، ليس لديهم أي صلة بالقاعدة، أو بغيرها من التنظيمات، وكل من قتلوا تم استهدافهم بناء على تنسيق بين الأمن القومي الذي يسيطر عليه الحوثيون ، والأمريكان، وذلك لأنهم مناوئون وخصوم بارزون للحوثي".

 

وقال "أوباما قتل ابني، وهذا قتل خارج القانون، وإذا كان ابني متهما، فهناك حكومة، كان ينبغي استدعاه والتحقيق معه، مشددا على وجوب فتح  تحقيق في الموضوع، ومؤكدا على استعداده المثول أمام جهة والإدلاء بشهاداته، كوالد لأحد الضحايا الذين سقطوا دونما ذنب".

 

حدثنا أكثر من قريب لأولئك الضحايا الذين سقطوا بقصف الـ"درونز"، قائلين أن القصف خلق حالة من الرعب والخوف، في أوساط النازحين، مؤكدين أن هناك عددا من النساء من أقارب الضحايا فقدن عقلهن.

 

اقترب مني طفل في العاشرة من عمره سألته عن اسمه وفيما إن كان يعرف أحدا من أولاد الذين قتل آباؤهم في قصف الطائرات بدون طيار، لأتفاجأ أن الذي يقف أمامي هو نجل من تم استهدافه في الغارة الأخيرة، وأنه حفيد صالح عرفج، الذي تحدث لنا".

 

يعرف صالح ذو ال10 الأعوام بأن الحوثيين اضطروا أسرته إلى مغادرة أرضها ومسقط رأسها، كما يعرف أيضا بأن الأمريكيين قتلوا والداه.

 

 

قال لي صالح إن أخاه قائد كان في مهمة استقبال أبيه في تلك الليلة، فقد كان يعرف موعد عودته، وبشوق الأطفال وفرحهم بقدوم آبائهم، خرج الطفل قائد ذو 7 سنوات ليستقبل والده، فرحته تسابق قداماه الصغيرتان، وما أن يخرج من خيمة النزوح باتجاه والده، حتى يصل إلى مكان ليس ببعيد عن مكان القصف، فإذا بانفجار كبير يدوي في المكان،مع ضوء لامع كبير، ليتضح، بعد وقت قصير أن القصف استهدف والده، ومن حينها دخل الطفل قائد في غيبوبة ومازال إلى اليوم، حيث قيل لنا بأنه كان يوم أمس يرقد بالمستشفى.

 

قادنا الستيني صالح، الذي يخضب الشعر الأبيض رأسه ولحيته، والد الضحية إلى مكان استهداف طائرات"درونز"، لابنه، وشاهدنا حطام وأثار القصف، حيث تبين لنا أن القصف كان بصاروخين اثنين، على سيارته، التي كان يستقلها برفقة شخص آخر.

 

تقابلك وجوه الأطفال البريئة بأقدام بالية حافية وعلي ملامحها المفجوعة فصول من الحرمان والمعاناة والبؤس، ورثها لهم النزوح ،بينما  تغض  الطرف الجهات المسؤولة عليهم ، وتتجاهل حالهم كل المنظمات الحقوقية ولإنسانية  ذات الصلة.

 

ما أن رأى الأطفال كاميرات في أيدي عدد من الفريق الإعلامي الذي زار مخيمات النزوح، وإلا أقبلوا مهرولي الخطى من داخل الخيام، في اعتقاد طفولي منهم، بأن تلك العدسات ستنقل حكاياتهم وتبث صورهم للعالم.

 

يحدثك الأطفال بلغتهم البسيطة، بأن الحوثيين أخروجهم من ديارهم، وبأن أمريكا تقوم بقتلهم في مخيمات نزوحهم، وكأن لسان حالهم يقول، بأن الأمر برمتّه لا يعدو على كونه تبادل أدوار في توزيع الموت لهم بين الحوثيين وأمريكا الذي يدعي الحوثيون عدواتها.

 

إذا ليست مرارة وألم النزوح هما من تسيطران على نازحي الجوف، في المناطق الحدودية مع مأرب، بعد أن  استيقظوا صباح في صحراء بين الخيام بعيدا عن منازلهم ومعايشهم، هربا من آلة الانتقام والقتل الحوثية، ليقول لهم  واقع الحال بأنهم هربوا فقط من آلة القتل الحوثية، إلى آلة القتل الأمريكية، وكلاهما آلتان لقتل الأبرياء وكل همهما التسابق في حصد مزيدا من أرواح الضحايا الذين لا ناقة لهم ولا جمل.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)