بات لدى غالبية اليمنيين، قناعة راسخة، بأن اليوم الذي سيطر فيها الحوثيون على الدولة، في 21 سبتمبر 2014، هو من أكثر الأيام المشئومة في تاريخ اليمن الحديث، بعد أن اسقط الانقلابيون الحكومة تحت ذريعة إسقاط الجرعة، وسطوا علي مؤسسات الدولة ومقدراتها وعطلوا كل القوانين واللوائح، وعطلوا الرقابة، وعبثوا بالأموال العامة والخاصة في كل الوزارات والمؤسسات .
وزارة النفط اليمنية كانت إحدى تلك الوزارات التي عبث بها الانقلابيون، بعد أن أحكموا سيطرتهم عليها، وقاموا بإصدار عدة قرارات غير شرعية، تضمنت تعيينات في المناصب العليا في الوزارة وشركة النفط التابعة لها، الأمر الذي جعل موظفي شركة النفط بين متحوث وصامت.
وبعد أن أحكم الانقلابيون سيطرتهم على البلاد، ومؤسسات الدولة، وخصوصا وزارة النفط، والشركات التابعة لها، قاموا بتحويل البلد إلى سوق سوداء كبيرة، وأصبحت المشتقات النفطية تباع علي قارعة الطريق في سفور واضح، وتحت مبررات واهية، وأصبحت الأسواق السوداء تغطي شوارع المدن، والمحافظات وبأسعار مهولة وكارثية، حيث يصل سعر الدبة البترول أحيانا إلى 20 ألف ريال، والديزل 10 آلاف ريال، في حين وصل سعر الدبة الغاز الي16ألف ريال.
شركة النفط والسوق السوداء
وللوصول إلى رؤية صحيحة، وواضحة لحقيقة ما يحدث، ومن المستفيد من الأسواق السوداء التي باتت تتمدد كل يوم لتجتاح شوارع ومدن جديدة، بل وانتقلت مؤخرا إلى محطات الوقود المعتمدة، والتي بدورها باتت تبيع المشتقات النفطية بسعر السوق السوداء، وبدون أي تورع من قوانين، أو محاسبة، قمنا بالتواصل مع أحد مسؤولي شركة النفط اليمنية، وحاولنا الاستفسار منه حول هذه الظاهرة، وآثارها، ودور الشركة فيها.
المسؤول الذي طلب منا الاحتفاظ بهويته، نفى أن يكون لشركة النفط علاقة بالأسواق السوداء، المنتشرة في العاصمة وبقية المحافظات، وذلك ردا على سؤالنا له عما إذا كان للشركة علاقة بتلك الأسواق.
وأضاف متحدثا لـ"مندب برس": "المسؤول الأول والأخير عن السوق السوداء هم الحوثيون"، لافتا إلى أن شركة النفط تتحمل مسؤولية الصمت والسكوت عما يجري، وهو ما يعني أنها مشاركة في هذه الجريمة التي تمس حياة كل اليمنيين.
وحينما سألناه عن كمية المشتقات النفطية (البنزين والديزل)، التي تباع يوميا في السوق السوداء، أوضح بأنه لا يمكن لأحد معرفة الكميات التي تباع في السواق السوداء، غير جماعة "أنصار الله"، إلا أنه أشار إلى أن مخزونات شركة النفط اليمنية، من المشتقات النفطية باتت كلها، تحت تصرف الحوثيين، وبالتالي فلا أحد يعرف كم يذهب منها إلى السوق السوداء سواهم.
مخصصات المعسكرات من المشتقات النفطية
وحول ما إذا كان هناك مردود للشركة من السوق السوداء، أوضح بأن أغلب ما يباع في السوق السوداء، هو من المخصصات المعتمدة للمعسكرات والمستشفيات، والأفران، وغيرها من المؤسسات الخدمية والضرورية، كصندوق النظافة والمستشفيات وغيرها.
وأضاف بأم شركة النفط، تقوم بتزويد تلك المؤسسات والمصالح، بالمشتقات النفطية بالأسعار الرمزية المعتمدة، إلا أن الحوثيين يتلقونها، ثم يقومون ببيع تلك المخصصات في السوق السوداء، بعد السطو عليها من تلك المؤسسات الواقعة هي الأخرى تحت سيطرتهم.
وأشار إلى أن كميات المشتقات النفطية، المخصصة للمعسكرات وغيرها من المنشئات الحيوية، تضاعفت مؤخرا، خصوصا المعسكرات، بسبب الأحداث، لافتا إلى أن الاعتمادات المخصصة للمعسكرات أصبحت أكثر بكثير من ذي قبل، وهذه كلها، باتت تصل إلى يد الحوثيين، الذين يقومون هم بالتصرف فيها، غير مستبعد ذهاب تلك الكميات إلى الأسواق السوداء.
"صالح" والسوق السوداء
وعند سؤاله عن دور الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وعلاقته بالسوق السوداء، الخاصة ببيع المشتقات النفطية، أوضح المسؤول لـ"مندب برس"، أن الحوثيون هم المسيطرون على كل شيء، وأن صالح قد يكون ترك لهم المجال مفتوح للسيطرة على شركة النفط، كنوع من المكافئة لهم، للإبقاء عليهم في صفه حتى الرمق الأخير.
السوق السوداء .. عملية منظمة وفق تصاريح
وفي سياق بحثنا عن الحقيقة، ومحاولة وضع النقاط على الحروف، قمنا بالاتصال بعدد من المرتبطين بشكل أو بآخر بالسوق السوداء لبيع المشتقات النفطية، والذين أوضحوا لنا أن عملية البيع في الأسواق السوداء تتم بطريقة منظمة وليست عفوية.
وأضاف عدد منهم، نحتفظ نحن في "مندب برس" بأسمائهم، أن عملية البيع في السوق السوداء تتم بتصاريح من قيادات ميدانية حوثية، أو المشرفين على المناطق والمربعات، في صنعاء، والمناطق الواقعة الأخرى، بالإضافة إلى دور السلطات المحلية التي تحصل على نسبة من عائدات تلك السوق.
وأوضحوا بأن من يقومون بعملية البيع في الشوارع، هم عبارة عن عمال يتقاضون أجور وقوفهم وبيعهم لتجار كبار، وجهات أخرى.
وبعضهم لفت إلى أن أغلب تجار السوق السوداء في أمانة العاصمة هم من صعدة وعمران ، ومحسوبين على جماعة الحوثي.
ثراء تجار السوق السوداء
مواطنين وشهود عيان، أشاروا إلى أن عدد كبير من تجار السوق السوداء النفطية، قد حققوا ثروات ضخمة، من وراء هذه التجارة، لافتين، إلى أن معظمهم قاموا بشراء عقارات وبيوت وفلل سكنية، بمبالغ خيالية، من عائدات تلك الأسواق.
ومؤخرا حدث تطور لافت في تجارة المشتقات النفطية في العاصمة صنعاء، وربما المحافظات، حيث تقوم محطات الوقود المعتمدة، منذ أيام، بفتح أبوابها لبيع المشتقات النفطية، لكن بسعر السوق السوداء.
والغريب أن المشتقات النفطية توفرت في عدد من المحطات في صنعاء، وبالكميات السابقة، إلا أنها تبيعها بمبلغ 10 آلاف ريال، وهو السعر المعروف في السوق السوداء.