قد يكون العنوان مُتعجلاً عندما يبحث ما سَيكون بعد التحالف، وأيضاً فى ظل الظروف التى يمر بها التحالف الان، منذ انطلاق عملية “عاصفة الحزم” ، وحتى انتهائها؛
وضعت دول التحالف، وعلى رأسها السعودية، مجموعة من الشروط لأجل إنهائها، تمثلت في اجتماع جميع الأطياف السياسية اليمنية تحت مظلة مجلس التعاون فى إطار التمسك بالشرعية ورفض الانقلاب عليها، وعودة الدولة لبسط سُلطتها على جميع الأراضى اليمنية، وإعادة الأسلحة إلى الدولة، وعدم تهديد الحوثيين لأمن الدول المُجاورة.
وبالتأكيد إن هذه الشروط تشكل الهدف الأساسى لعملية “عاصفة الحزم”، وتشكل الصيغة الأمثل لاستقرار اليمن على المدى الطويل، ولكن على ضوء ما تكشف من أوضاع يمنية داخلية معقدة، وتحولات مسرح الحرب ونتائجها، والحاجة إلى تفكير يستوعب هذه التحولات ويحقق هذه الشروط تدريجيا، فربما كانت هناك حاجة لإعادة تحديد الأهداف بما يتسق مع الهدف الأسمى للتحالف وهو عودة الاستقرار، وعودة اليمن كبلد عربى وليس إيرانياَ.
يحتاج الوضع العربي الراهن أمام تنامي التطرف الديني وأزمة تفكيك الدولة وانقسامية المجتمع، على الساحه السياسية الدولية والاقليمية، وما ينتجه كل هذا من حروب داخلية وإقليمية غير مباشرة في الشرق الأوسط إلى إعادة ترتيب قواه الداخلية والقيام بمبادرات فعالة لواجهة الأزمات الراهنة.
ولعل اضطرار الحلفاء من الدول العربية والإسلامية لـ”عاصفة الحزم” التي قادتها المملكة العربية السعودية، يؤكد خطورة تدعيم الصراع السياسي بالمذهبية الدينية كما هو معمول به عند جماعة أنصار الله بزعامة عبد الملك الحوثي، من جهة؛ أو استعمال مقدرات الجيش الوطني بناء على اصطفاف قبلي تدميري للدولة من جهة أخرى.
ولعل الدور الإقليمي والدولي للمملكة العربية السعودية، ومكانتها الدينية، جعلا منها قيادة حقيقية قادرة على جمع، واحتواء، مختلف القوى الفاعلة الشعبية والرسمية في الساحة العربية، لمواجهة مختلف الأخطار المهددة للدولة الوطنية، كما كانت منذ عهد الملك فيصل (رحمه الله).
وأن خوض معركة “عاصفة الحزم”، ومن بعدها “إعادة الأمل”، ودفاعها عن الشرعية في اليمن، وما يرمز إليه ذلك من حرص شديد على إبعاد استعمال القوة العسكرية في التنافس السياسي، وقيادتها لمشروع تحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية في محيطها الإقليمي والعربي؛ هو مؤشر جديد على إمكانية نجاح هذه القيادة في جمع مختلف الفاعلين المعتدلين، وتجاوز الأخطار المحدقة بالأمن الجماعي العربي الراهن الذي تهدده الاستراتيجية الإيرانية والميليشيات الطائفية العاملة وفق أجندتها.
وفى صدد هذا يمكن القول إن أمام التحالف العربي فى اليمن ثلاث مهمات أساسية:
أولاً: الإشراف على العملية السلمية والحوار الوطنى الجديد:
فمن حسن الحظ أن مهمة إعادة بناء الدولة فى اليمن لن تبدأ من فراغ، فا اليمن هو أحد الدول العربية التى شهدت ثورة، لكنها لم تكتمل، ومع ذلك فقد جرى استثمار بعض الأشهر فى حوار وطنى جاد جرت فيه مناقشة كل شيء، ومن يتصفح مرئيات ووثائق هذا الحوار الذى استمر خلال الفترة من 18 مارس 2013 حتى 25 يناير 2014، يتضح له أن اليمنيين قد اتفقوا على مختلف جوانب الخلاف الممهدة لانطلاق ماكينة الدولة الجديدة الحديثة العصرية، لكن مؤهلات الانطلاق غير موجودة.
فلقد جرى الاتفاق على المرئيات والوثائق، ولكن لم تتوافر الآليات والقدرات على الأرض، وظلت القيادات والقوى السياسية تتعامل برؤى وخبرات وأدوات الماضى مع وثيقة عصرية، وانتهى الأمر بأن أغرى اختلال موازين القوى فى ظل ثورة – مع ضعف الحكم – فصيلا سياسيا لانتهاز فرصة فراغ السلطة، فانطلق لحيازتها بالقمع والقهر.
لقد جرى (فى الحوار الوطنى اليمني) تقديم معالجات ورؤى لكل قضايا الصراع فى اليمن، سواء كانت قضية الجنوب أو قضية صعدة والحوثيين أو القضايا ذات البعد الوطنى كالمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، أو قضايا بناء الدولة والحكم الرشيد، أو أسس بناء الجيش والأمن ودورهما أو استقلال الهيئات والمؤسسات، أو الحقوق والحريات أو التنمية الشاملة والمستدامة.
ومن ثم لن يكون التحالف العربى الذى سيشرف على عملية الانتقال السياسى فى اليمن إزاء مهمة صعبة، لأن هناك تصورات وتفاهمات وتوافقات يمنية بشأن كل المشكلات الداخلية، ولكن فقط مجرد الإشراف على التزام الكل بتنفيذ التعهدات.
وهو ما يحتاج إلى إشراف دولى وعربى وخليجي، من خلال المنظمات الثلاث الأمم المتحدة وممثلها باليمن، والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي .
ومن المرجح أنه فى ظل الحوار اليمنى الجديد سوف يجرى إعادة طرح بعض القضايا التى لم تكن محل رضا من جانب بعض الأطراف، مثل إعادة توزيع الحصص والتمثيل بالمؤسسات وتقسيم الأقاليم، وإضافة بعض الملفات والقضايا الجديدة التى تفرعت عن نتائج المواجهات فى ظل عملية ” عاصفة الحزم ” .
ثانياً: التدخل لإعادة تكوين الجيش اليمني:
فعلى الرغم من أن قرار وقف “العاصفة” قد يبدو وكأنه بمنزلة إنهاء لعمليات التحالف العسكرية، فإن التحالف سيكون إزاء مهمة جديدة وطويلة فى اليمن؛ إذا انتهى الجميع إلى التسوية السلمية، فادور التحالف والوجود العسكرى العربى لا غنى عنه، وهو أمر حيوى لمستقبل الاستقرار فى اليمن.
وهو ما يشير إلى ضرورة الإسراع فى بناء القوات العربية المشتركة، حيث إن تركيبة الحُكم، سواء استمر الرئيس الحالي، أو جرى التوافق على استبداله برئيس الوزراء، أو بأى أحد آخر، سوف تستدعى توفير عناصر حماية للنظام الجديد، من الأفضل ألا تكون من بين اليمنيين من أى من الجانبين، وإنما من الأنسب أن تكون بقوات عربية ترفع العبء النفسى والسياسى عن أطراف الصراع اليمني.
وسوف تحتاج قوات الجيش اليمنى إلى عمليات التدريب وإعادة التشكيل والتأهيل والصهر الوطني، فى ظل ما أظهرته خبرة الجيش فى العقود الماضية، فلا تزال قوات الجيش قبلية أسرية، تتمحور حول القبيلة والشخص والمصالح، ولا تلتزم قواعد الاحتراف والعسكرية المنضبطة، ولا يعنى ذلك التخلص من الجيش اليمنى على نحو ما حدث فى العراق، وإنما إعادة غرس العقيدة العسكرية لتتمحور حول الدولة والولاء الوطنى،
وليس حول الأشخاص أو العصبوية القبلية، وذلك سوف يحتاج إلى وقت طويل، خصوصا مع احتمالات طرح مطالب للعسكريين الجنوبيين الذين جرى استبعادهم وتسريحهم من الجيش فى عهد على صالح، والذين كانوا أحد الأسباب الرئيسية لانطلاق “الحراك السلمى المطالب” بانفصال الجنوب.
وهنا يمكن للقوات العربية المشتركة أن تقوم بتحديث وتوطين الجيش اليمني، وإيجاد أدوات إشراف ومراقبة تستمر لسنين بهدف ضمان عدم عودة عناصر وألوية ووحدات الجيش إلى تغليب الولاءات التحتية، ويتطلب ذلك عمليات طويلة من فرز القيادات، مع ضمان ائتلاف سياسى جديد تجارى مدنى قبلي، يشكل عصب وبؤرة الالتفاف حول الدولة الجديدة.
ثالثاً: المشروع الاقتصادى التحديثى الداعم للمشروع الوطنى للدولة:
فمشكلات اليمن متشعبة، وهو ما يعنى أنه بالإمكان دفع أغلبية اليمنيين إلى الاصطفاف خلف هدف وطنى عام يجرى إشراكهم فى مكاسبه المادية دون إقصاء أو استثناء، وهنا يلعب العامل الاقتصادى دورا أساسيا، بحيث يجرى استبدال مركبات وشبكات النفوذ الفاسدة بمركبات وشراكات مدنية وتجارية وصناعية صالحة وقانونية، تجتذب القوى اليمنية فى صفوف التحديث بدلا من الانحصار فى دوائر الالتزام والولاء والتمركز المصلحى القبلى اللاقانونى الفاسد.
وفى هذا الصدد، فإن مشروعات مثل مشروع الملك سلمان لإعمار اليمن بقيمة 13 مليار دولار من القطاعين العام والخاص الخليجيين، وما تردد عن إمكان ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، هى أمور يعول عليه كثيرا فى إحداث نقلة تحديثية ووطنية فى اليمن تبعده عن أن يشكل خطرا على المملكة والخليج والأمن القومى العربي.
وعلى الرغم من أنَ ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجى هو حلم وطموح قديم لليمنيين، وكان دائما ضمن نطاق التفكير الخليجي، فإنه من الضرورى معاودة طرح هذا الحلم فى سياق مشروع، والبدء فى إعادة تأهيل اليمن للتكيف مع أوضاع ومستويات التنمية والتحديث فى دول المجلس، وهو أمر قد يأخذ عشر سنوات أو أكثر، بالنظر إلى اختلاف الأوضاع الاقتصاية والسياسية وأوضاع الحياة والسكان والفقر فى اليمن مقارنة بدول الخليج، وبالنظر أيضا إلى تباين مستوى المؤسسات، وخصوصا الجيش اليمنى الذى يحتاج إلى سنين من عمليات إعادة التأهيل فى التكوين والعقيدة العسكرية.
ويبقى مشروع ضم اليمن للمجلس هو الضمان المؤسسى الرئيسى لبناء دولة وطنية عصرية، وهو السبيل الوحيد لانتزاع الحوثيين من دوائر النفوذ الإيراني.