انتهجت المقاومة التهامية، منذ انطلاقها، أسلوب المباغتة والمواجهة المحدودة دون فتح مساحات واسعة للصراع؛ تجنباً لخسائر ومعاناة واسعة قد يواجهها أبناء تهامة البسطاء.
واستطاعت هذه المقاومة، كذلك، أن تقلق مضاجع الجماعة المسلحة القادمة من صعدة، كما استطاع الحراك التهامي مجابهة آلة الحرب الحوثية التي سطت على العتاد العسكري للدولة، وواجهت به تهامة.
وبسبب اتساع رقعة تهامة جغرافياً، يرى البعض أن عدم فتح جبهات واسعة للمواجهات وفر على تهامة الجهد لصمود أكثر وخسائر أقل، بالنظر إلى ما عانته محافظات أخرى، كعدن على وجه الخصوص، وتعز، وبقية المحافظات عامة.
لكن تسارع الأحداث في اليمن، وسقوط عدة محافظات ومدن ومواقع استراتيجية ومنافذ برية وبحرية من سيطرة الحوثيين وحلفائهم، حوّل بوصلة الحكومة الشرعية، ودعم قوات التحالف نحو الحديدة، لكونها تحوي منافذ برية وبحرية واسعة.
الحديدة تشكل أهمية كبرى لجماعة الحوثي لدعم مسيرتهم الانقلابية بشرياً من خلال اتخاذها ممراً نحو عدن وتعز وإب، واقتصادياً من خلال العوائد المادية الهائلة التي يجنيها الحوثيون من التجارة الواردة إلى الميناء والمنافذ الجمركية، إضافة إلى أهميتها كشريان حياة بالنسبة للعاصمة صنعاء، وواجهة لمحافظات أخرى ما يزال الحوثي يتمدد فيها، كحجة والمحويت والمعقل وصعدة.
ضرورة الانتقال للمواجهة المسلحة
من جانبه، يرى المحلل السياسي معاذ الأهدل أنه "عقب انقلاب 21 سبتمبر/أيلول الذي جاء على إثر تحالف الحوثيين مع المخلوع، وانطلاق عاصفة الحزم المباركة، صاحب ذلك الحراك في عموم اليمن الكفاح المسلح، وهو ما سارت عليه القوى الميدانية في تهامة تحت مفهوم "المقاومة التهامية الشعبية".
تهامة والمعطيات الداخلية
ويؤكد الأهدل أن "الواقع التهامي بشكل خاص يفتقد إلى الحاضنة الشعبية الحقيقية لمراكز القوى للفعل المسلح، نتيجة الكثير من المعطيات الناتجة عن نظرة وتعامل وقرار المركز في صنعاء منذ عقود، والذي انتهج الإقصاء والتهميش وتركيع المواطن التهامي؛ عبر سلسلة من القرارات المعلنة وغير المعلنة على إثر حروب الزرانيق الطويلة والشرسة على الأنظمة المتعاقبة في صنعاء".
وأكد الأهدل، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "هذا الواقع هو ما فرض الكيفية التي انتهجتها المقاومة التهامية في كفاحها المسلح في هذه الفترة، والتي أثمرت تحقيق الكثير من النتائج الجيدة والملموسة التي لم تكن لتتحقق لو هذا النمط، وهو نمط المقاومة السرية".
ويضيف الأهدل أنه "ونظراً للأهمية التي تحظى بها مدينة الحديدة والساحل التهامي بشكل عام، فلا نتصور أن يتخلى الانقلابيون عن هذا الجزء المهم من اليمن، إذ يشكل لهم الشريان الرئيسي لمحافظات الشمال اليمني كافة، وهذا ما يقودنا إلى القول بأهمية وحتمية تحول نمط هذا الكفاح في مرحلة معينة من النمط السري إلى المواجهة المسلحة".
ويعتقد الأهدل أن "هذا التفكير لم يغب عن قيادة المقاومة، لا سيما إن أخذنا بعين الاعتبار أن المقاومة التهامية في كفاحها تقوم بجزء مهم جداً من المعركة العامة لتحرير اليمن، وبالتأكيد هذا التفكير هو ما جعل المقاومة التهامية، بالمشاركة مع قيادة التحالف والكثير من القوى الفاعلة في تهامة، تعمد إلى تحويل الفعل السري إلى مواجهة مفتوحة تحقق الحسم على أرض المعركة".
ودعا الأهدل، في ختام حديثه، "قيادة قوات التحالف إلى مواصلة عملياتها كي يحفظ لليمن ولأمتنا بشكل عام أمنه وسلامته، وقطع يد التدخل الإيراني السافر في الشؤون العربية".
محدودية السلاح
الشاعر والكاتب التهامي أيوب الحشاش، يرى أن "الأسلوب الذي تنتهجه المقاومة التهامية هو أسلوب طبيعي أنتجته الميزة السلمية وفرضه واقع تهامة".
ويؤكد الحشاش، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنه "على الرغم من امتلاء اليمن بقطع السلاح على طول البلاد وعرضها، يفتقد بسطاء تهامة إلى السلاح الذي يعتبر محدوداً جداً لديهم بالنظر إلى وضعهم المادي الذي يحد من إمكانياتهم في شراء السلاح، فضلاً عن عدم وجود نسبة عالية من أبناء تهامة في السلك العسكري".
الحشاش أشار إلى أن "المقاومة التهامية بأسلوبها جنبت المدينة مواجهات واسعة قد يكون ثمنها غالياً، وأعطت رسالة واضحة وصريحة للحوثيين أصحاب المشروع الانقلابي أن تهامة حية وستظل كذلك.. ولو امتلكت المقاومة التهامية السلاح الحديث والعدة الكافية لكان أسلوبها أسرع في الحسم بالنظر إلى ما تمتلكه من قدرات بشرية وطنية ومخلصة".
ويرى الحشاش أن "تهامة كانت ولا تزال وستظل تقاوم ولا تهاجم.. تقاوم من يأتي إليها انقلابياً على النظام وطامعاً في ثرواتها، فتهامة اليوم هي من قاومت غزو الإمام بالأمس، وكان لقبيلة الزرانيق الدور البارز، وقد ضحت بمالها ورجالها في سبيل تهامة، وبعد أن تغلب الحكم الإمامي بقوة سلاحه وعتاده على أبناء تهامة قام بتجريدهم من السلاح في نية واضحة لأن تبقى تهامة تابعة للناهبين والمعتدين".
ويضيف الحشاش: "تهامة تعيش هذه الأيام مرحلة تاريخية فاصلة تستدعي من جميع أبنائها الوقوف جنباً إلى جنب من أجل إبعادها عن كل مشاريع الاستنزاف، والحفاظ عليها، كلٌّ حسب ما أوتي، وبكل الوسائل المتاحة"، معرباً في ختام حديثه عن أمله في أن "ينسحب الحوثيون من تهامة دون أن تضطر المقاومة إلى مواجهتهم عسكرياً؛ فتهامة- حسب رأيه- لم تذهب إلى صعدة (معقل الحوثيين) إلا لشراء الفاكهة وليس للقتال، واشتهرت بسلميتها على مدى عصور من الزمن".
واستطاع الحوثيون، بالتعاون مع صالح، السيطرة على تهامة والمؤسسات السيادية والإيرادية فيها لتشكل لهم رافداً اقتصادياً ومنفذاً لدعم جماعاتهم على طول المحافظات المجاورة، حيث تتميز تهامة بموقعها الجغرافي المهم المطل على البحر الأحمر كمنفذ بحري، إضافة إلى المنفذ البري باتجاه المملكة العربية السعودية ومطارها الدولي ومؤسسات إيرادية أخرى اتخذها الحوثيون مقراً لهم واستولوا عليها.
ومع خروج جماعة الحوثي من عدن وتراجعهم في عدة مناطق في تعز وإب والبيضاء وشبوة والضالع ولحج وأبين مأرب، أصبحت الحديدة متنفساً مهماً للغاية بالنسبة لهم، وهو ما جعلها محط اهتمام للحكومة الشرعية في الرياض من أجل قطع شريان الإمداد الاقتصادي والعسكري للحوثيين، وهو الأمر الذي ربما يفرض مواجهة أوسع بين المقاومة التهامية والمسلحين الحوثيين إذا لم ينسحبوا سلمياً ويسلموا كل المؤسسات التي سطوا عليها، وهو الأمر الذي يبدو بعيداً بالنظر إلى غياب النظرة السياسية لدى الحوثيين، والأهمية البالغة التي تمثلها لهم تهامة.