الرئيسية > اخبار وتقارير > معركة تحرير تعز... "الحالمة" تمهّد لتبدّل موازين القوى شمالاً

معركة تحرير تعز... "الحالمة" تمهّد لتبدّل موازين القوى شمالاً

معركة تحرير تعز... "الحالمة" تمهّد لتبدّل موازين القوى شمالاً

لم تغب محافظة تعز عن خارطة المناطق اليمنية الملتهبة بالمعارك بين مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من جهة و"المقاومة الشعبية" والجيش الموالي للشرعية من جهة ثانية، بعدما تم إفشال جميع المحاولات التي بذلت لتحييدها، منذ العام الماضي ومروراً بأواخر شهر مارس/ آذار الماضي.

وأدى إصرار المليشيات على ضم "تعز الحالمة"، كما توصف من قبل أبنائها، إلى قائمة المدن التي يجتاحها مسلحوها، إلى انفجار الوضع العسكري فيها، لكن تقدم المليشيات في المحافظة لم يدم طويلاً، إذ إن ما تحقق من سيطرة لها بفعل التسهيلات التي قدمتها القوات العسكرية المحسوبة على الرئيس المخلوع وتحديداً عبر قوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقاً)، سرعان ما بدأ يتبدّد، بعدما برزت "المقاومة" الشعبية، لتشهد المحافظة منذ ذلك الحين معارك قاسية مستمرة إلى اليوم تخللتها، أمس الأربعاء، سيطرة "المقاومة" على جبل المقطر، المطل على شارع الستين، شمالي مدينة تعز (مركز المحافظة)، وسط إعلان بعض المصادر العسكرية انطلاق ما سمّته "معركة تحرير تعز".

وتحولت محافظة تعز خلال الأيام الماضية إلى أولى الجبهات في المحافظات الشمالية، المرشحة أن تنهض فيها "المقاومة الشعبية" مدعومة بقوات الجيش الموالي للشرعية وقوات التحالف، بمهمة إنهاء تواجد المليشيات فيها، ولا سيما بعدما كثّف التحالف في الساعات الـ48 الماضية غاراته فيها فضلاً عن إحراز "المقاومة" لتقدم ميداني ورفض مبادرتين يروج لهما حزب المؤتمر الشعبي العام ونائب محافظ تعز محمد أحمد الحاج، الموالي للمليشيات، لمحاولة وقف العمليات العسكرية فيها.

وتكتسب المعركة ضد المليشيات وقوات المخلوع في تعز أهمية خاصة، نظراً لموقع المحافظة الجغرافي الاستراتيجي الواصل بين الشمال والجنوب. وهو ما جعلها تعتبر ثالث أهم المدن اليمنية بعد صنعاء وعدن. ولدى تعز البالغة مساحتها 10008 كيلومترات مربعة، حدوداً مشتركة مع كل من محافظتي لحج والضالع الجنوبيتين، واللتين يعد وجود المليشيات فيهما في حكم المنتهي، كما أن لديها حدوداً مشتركة مع محافظتي إب والحديدة في الشمال، فيما تبعد عن صنعاء مسافة 256 كليومتراً.
كما يتبع باب المندب الاستراتيجي إدارياً لها. وتحتل تعز المرتبة الأولى من حيث عدد السكان في الجمهورية اليمنية، بما لا يقل عن 3 ملايين نسمة في أقل التقديرات وبحسب الإحصاءات الرسمية، إذ تشير إحصاءات المجلس الوطني للسكان في 2012 إلى أن عدد اليمنيين بلغ 24.25 مليون نسمة، فيما يشكك البعض في هذه الأرقام، مشيرين إلى أنّ عدد سكان تعز أعلى، أخذاً بالاعتبار الإشكاليات التي رافقت التعداد السكاني ومعاييره التي اعتُمدت. وفي المجمل، يشكل سكان تعز قرابة 12 في المائة من مجمل عدد سكان اليمن، في ظل نسبة نمو سكاني لا تقل عن 3 في المائة سنوياً.

كما لا يمكن إغفال التركيبة السياسية والاجتماعية للمحافظة التي جعلتها تحتل على مدى السنوات موقعاً بارزاً في الأحداث اليمنية المصيرية، بما في ذلك دورها في ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، والتي أسقطت الحكم الإمامي لصالح الحكم الجمهوري. كما كانت تعز من أوائل المحافظات السكانية التي تمردت على صالح إبان الثورة الشبابية في 2011، فضلاً عن كونها المحافظة التي سجلت خروجاً مستمراً للتظاهرات الرافضة لانقلاب الحوثيين منذ بداية اجتياحهم للعاصمة اليمنية في سبتمبر/ أيلول الماضي بالرغم من القمع الذي تعرضت له، وأفضى إلى مقتل وإصابة العشرات من أبنائها.

وإلى جانب اختيارها في 2013 كعاصمة ثقافية لليمن، فإنها لطالما اشتهرت بمدنيّتها. وهو ما حفّز المكونات فيها للسعي إلى تحييدها منذ بداية اجتياح الحوثيين لصنعاء، أي قبل أشهر على انطلاق عاصفة الحزم. ووقّعت جميع المكونات السياسية فيها، ومنهم حزب "المؤتمر الشعبي العام"، الحوثيون وأحزاب "اللقاء المشترك"، إضافة إلى قيادة السلطات المحلية، والقيادات الأمنية، اتفاقاً في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي نصّ على تجنيب المحافظة الصراعات والتوترات السياسية والعسكرية التي تشهدها معظم محافظات الجنوب والشمال، قبل أن يتنصل منه الحوثيون والمخلوع، وهو ما دفع أبناء المدينة إلى مواجهة المليشيات بعد تقدمهم إلى المحافظة.
وكان التصدي للحوثيين تركز عبر طرفين أساسيين في البداية، القوات النظامية الموالية للشرعية بعد انقسام قوات الجيش وتوزعها، ومجلس إسناد الدولة وحماية السلم برئاسة الشيخ القبلي البارز، حمود سعيد المخلافي، الذي أُنشئ بدايةً بهدف "التصدي للأخطار التي تحيط بالدولة اليمنية، والحفاظ على ما تبقى من بنيانها ومؤسساتها وحماية مدينة تعز من فوضى المليشيا المتحالفة مع الرئيس المخلوع"، قبل أن يتحول المخلافي إلى ما بات يعرف بـ"قائد المقاومة الشعبية" في تعز. كذلك سجل دخول تيارات دينية على خط المواجهة وسط شكوك تحديداً في دور مسلحين يروجون أنهم محسوبون على تنظيم "القاعدة"، بينما مواقعهم تكشف أنهم يخدمون المليشيات وقوات المخلوع.
وبينما تختلف تفاصيل المعارك في المناطق الملتهبة وتتداخل الأهداف السياسية والدينية في الجبهات داخل المحافظة، لكن وفق مؤشرات واقع المعارك على الأرض، فإن المعطيات ترجح أن تحسم قوات الشرعية و"المقاومة الشعبية" المعركة لصالحها، ولا سيما بعد التطورات في الجنوب والتحولات في المعارك داخل تعز التي بدأت في يوليو/ تموز الماضي، إذ باتت تشهد معظم المناطق في تعز معارك قاسية تتصاعد كل يوم في أبرز الجبهات.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)