يتبادل الشارع اليمني، هذه الأيام أحاديث الدهشة، حول انفراط عقد أيام شهر رمضان المبارك بهذه السرعة التي لم يألفوها، وكأنه قرر الرحيل قبل أوانه لفرط ما رأى من معاناة ومآسي تعصف بالشعب اليمني.
كما يشعر اليمنيون، وخصوصا البسطاء والكادحون والفقراء، بأن شهر رمضان هذا العام، جاء كغمامة لم تمطر، بينما كانوا بانتظار غيثها، فبحسب فقراء، وكادحون، فإنه لم يسبق لهم أن مروا بمثل رمضان هذا العام، من حيث ضيق الحال، وتراكم الأزمات وأسباب المعاناة بعضها فوق بعض.
لا ريب إذن أن يشعر الفقراء وذوي الدخل المحدود، والمعوزين، بأن رمضان هذا جاء على غير عادته، فقيرا كما هم، ليس لأن هذا شأنه، فهو شهر التوبة والمغفرة والكرم الربماني،، ولكن لأن هناك من أوقف العمل الخيري، والصدقات التي كانت تنهال على آلاف الأسر الفقيرة، من الجمعيات الخيرية المعنية بتقديم الإعانات الرمضانية، إما الغذائية، أو تلك التي تقدم كسوة العيد، ومبالغ مالية بسيطة للمحتاجين.
منذ سيطرت مليشيات الحوثي المسلحة على العاصمة صنعاء، في سبتمبر الماضي، بادرت إلى تدمير مؤسسات العمل الخيري، من جمعيات ومنظمات، وهيئات إغاثية، متسببة بحرمان ربما مئات الآلاف من الأسر الفقيرة ، والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة من حقوق لطالما انتظروها.
وبحسب مراقبون، فإن المئات من الجمعيات الخيرية، والمؤسسات الطوعية العاملة في مجال مساعدة الفقراء والمحتاجين، فضلا عن المؤسسات المعنية بالنازحين، والمتضررين من الأحداث والذين تجاوزت أعدادهم مئات الآلاف،،، كل تلك المؤسسات تضررت بشكل كبير، إما بالاعتداءات المباشرة، من خلال احتلالها، ونهبها، وملاحقة موظفيها ومسئوليها، من قبل مليشيات الحوثي، أو من خلال وقف المصادر التي تمول مشاريع تلك المنظمات، سواء كانت مصادر داخلية، أو تلك المصادر الخارجية، والتي بات من المتعذر وصول المساعدات التي تقدمها إلى اليمن.
كارثة معيشية
يبكي الطفل خالد، الذي لم يبلغ من العمر سوى 12 عاما، لكونه عجز عن توفير طعام الفطور لأسرته المكونة، من عدة أطفال، ووالدته التي ولدت قبل أيام، وأبوه المقعد الذي لا يقوى على العمل.
يقول خالد، إن والده لا يقوى على العمل، ووالدته وضعت حديثا، إضافة إلى أن أسرته لم تتمكن من شراء اسطوانة غاز، بسبب عدم توفر المال اللازم.
ويضيف أنه يضطر يوميا للبحث عن لقمة العيش، من خلال طرق أبواب المنازل، مشيرا إلى أن البعض يقدم المساعدة، والبعض الآخر ينهره.
يؤكد خالد، أن أسرته لم تتلقى منذ بداية رمضان هذا أي مساعدات من قبل الجمعيات الخيرية، مشيرا إلى أنهم تعودوا أن يكون رمضان شهر الرزق، والإحسان، إلا أن هذا رمضان يختلف.
يجهل خالد أن تلك المؤسسات الخيرية التي كانت تقدم المساعدة للمحتاجين في رمضان وغير رمضان، قد توقف نشاطها، بعد أن استولت مليشيات على مقراتها، ونهبت كامل محتوياتها، وصادرت بياناتها، وكذا مخازنها.
وبحسب إحصائية سابقة، فإن مليشيات الحوثي المسلحة، قامت باحتلال ونهب أكثر من 15 مؤسسة وجمعية خيرية في العاصمة صنعاء وحدها، علما بأن هذا الرقم تزايد لاحقاً، في حين أفاد أحد العاملين في إحدى الجمعيات الخيرية المنهوبة من قبل الحوثيين، أن الجمعية لم تتمكن هذا الشهر من توزيع أي مساعدات للفقراء والمحتاجين، مشيرا إلى أن الحوثيين صادروا كل بيانات، الجمعية، بما في ذلك بيانات الأسر الفقيرة، وكذا بيانات اليتامى، وغيرها من البيانات الهامة.
كما أوضح أن الحوثيين صادروا كل ما عثروا عليه في مخازن الجمعية، وأنهم لا يزالون حتى الآن يتمركزون في مقر الجمعية.
المصدر ذاته، قال إن فاعلي خير، وتجار، أبلغوا مسؤولين في الجمعية أن مندوبين عن جماعة الحوثي، قاموا بزيارة التجار، وتحذيرهم من تقديم أي معونات أو مساعدات للفقراء والمساكين، عبر تلك الجمعيات التي قالوا إنها تابعة للإصلاح، مشيرا إلى أن حجتهم أنها ستذهب إلى الدواعش، وأن على التجار أن يقدموا العون للجان الشعبية والمجاهدين في جبهات القتال.
وتصل كلفة العمل الخيري المقدم سنويا عبر الجمعيات الخيرية والمنظمات الطوعية في اليمن، إلى مليارات الريالات، إلا أن رمضان الحالي، يكاد العمل الخيري فيه يتوقف تماما، إلا من بعض المحاولات الذاتية، من متطوعين شباب، يحاولون سد بعض الفراغ هنا وهناك، لكن دون جدوى، فما يقومون به، لا يرقى لأن يكون جزء من 1%.
المتضررون
بسبب انقطاع العمل الخيري، وتعذر العمل في بيئة مليشاوية ترى كل ما تقع عليه العين هدفا مباحا، للسلب والنهب، والعرقلة، بسبب ذلك، تضرر قطاع واسع من الشعب اليمني، علما بأن شريحة المحتاجين لمساعدات عاجلة، توسعت بسبب الحرب، والحصار، إلى درجة غير معقولة.
فبحسب الأمم المتحدة، فإن قرابة 21 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات عاجلة، أي أن الشعب اليمني كاملا يمر بأزمة ، وكارثة معيشية غير مسبوقة.
ومن الشرائح المتضررة جراء توقف العمل الخيري، شريحة الأسر الفقيرة، وكذا اليتامى، فضلا عن شرائح ذوي الاحتياجات الخاصة كالمعوقين، والمكفوفين، ومرضى التلاسيميا، إضافة إلى النازحين والمتضررين من الأحداث.
وجميع هؤلاء كانوا يتلقون مساعدات إما موسمية، في شهر رمضان، أو دورية، أي بشكل مستمر، مثل اليتامى وشرائح المعوقين والمكفوفين، وهؤلاء جميعا توقفت المساعدات عنهم بشكل كلي، علما بأن المساعدات التي كانت تقدمها الجمعيات الخيرية تنقسم إلى مساعدات عينية، وأخرى نقدية، أما العينية، فتنقسم في رمضان إلى سلال غذائية، وكسوة العيد، وغيرها.
وعلى سبيل المثال، شريحة الأيتام، حيث تشير الإحصائيات إلى أن إجمالي اليتامى المكفولين في جمعيات خيرية محلية، أو خارجية أكثر من 200 ألف يتيم، حيث يتلقون هؤلاء مساعدات نقدية، وعينية، كالمواد الغذائية، والملابس وغيرها، فضلا عن التدريب والتأهيل، وهؤلاء جميعا تضرروا أيما أضرار بسبب مليشيات الحوثي على الجمعيات الراعية لهم.
إضافة إلى عشرات آلاف الأسر الفقيرة في العاصمة صنعاء، وضواحيها فقط جميع أولئك حرموا هذا العام من مساعدات الجمعيات الخيرية التي كانت تقدمها لهم سنويا.
لماذا حارب الحوثي العمل الخيري؟
بداية لا بد من توضيح أنواع الانتهاكات التي تعرضت لها الجمعيات والعاملين في المجال الخيري على يد الحوثيين، حيث تنوعت تلك الانتهاكات ما بين احتلال لمقرات تلك الجمعيات، ومطاردة واعتقال المسؤولين والعاملين في تلك الجمعيات، فضلا عن نهب ومصادرة ممتلكاتها ومكاتبها وبياناتها، وأخيراً محاربة مصادر تمويلها، كرجال الأعمال والتسبب بتوقف المساعدات الخارجية لها.
أما بخصوص الأسباب التي وراء استهداف الحوثيين للجمعيات الخيرية منذ سقوط محافظة عمران، وحتى اليوم، يرى مراقبون، أن مليشيات الحوثي تعتبر تلك الجمعيات بعض أدوات حزب الإصلاح، الذي كانت حرب الحوثي تستهدفه في المقام الأول، وانطلاقا من تلك القناعة، كانت في الجمعيات الخيرية في مرمى الاستهداف.
كما يرى مراقبون، أن الحوثيين ينطلقون في محاربتهم للعمل الخيري في اليمن، من قاعدتين، الأولى قاعدة الحقد الدفين الذي تكنه الجماعة لحزب الإصلاح، بينما تتمثل القاعدة الثانية، في رغبة الحوثيين في استرضاء الولايات المتحدة الأمريكية، التي ترى في الجمعيات الخيرية أذرعا للجماعات الإرهابية.
ويضاف إلى ما سبق، من أسباب ودوافع لاستهداف العمل الخيري ومؤسساته في اليمن، وجود رغبة قوية، لدى الرئيس السابق علي عبد الله صالح، حليف الحوثيين، في الثأر والانتقام من حزب الإصلاح، حتى بمحاربة الجمعيات والمؤسسات التي تقدم المساعدات للفقراء والمحتاجين، بحجة أنها تابعة للحزب.
محاربة العمل الخيري امتداد لإرهاب الجماعة
يرى الصحفي والناشط عامر الدميني، أن استهداف جماعة الحوثي للمنظمات والجمعيات الخيرية والإنسانية منذ إسقاطهم لمحافظة عمران، وتركيزها على هذا الأمر جزء لا يتجزأ من أعمال القمع والإرهاب التي مارستها بدوافع انتقامية سياسية واضحة.
وأوضح الدميني في تصريحات لـ"مندب برس" أن صعود جماعة الحوثي تسبب في خلق أجواء أصبحت تمثل عوائق أمام عمل المنظمات الإنسانية والخيرية باليمن، مشيرا إلى أنها تسببت في تراجع العمل الخيري والإنساني نتيجة إجراءات الحوثيين والأساليب التي مارسوها منذ 21 سبتمبر الماضي، ومن ثم نتائج تلك الإجراءات والسياسيات.
وقال الدميني، الذي سبق أن عمل في مجال العمل الخيري لعدة سنوات، إن من تلك النتائج والأسباب التي عرقلت العملي الخيري، انعدام المشتقات النفطية والكهرباء مما جعل من الصعوبة العمل في مثل هذه الظروف، وأعاق وصول الكثير من المستفيدين الى الجمعيات والعكس خصوصا المستفيدين في الأرياف وهم الفئة الأكثر عددا.
وأشار إلى أن من الأسباب التي أعاقت العمل الخيري، ارتفاع وتيرة الخوف وأعمال القتل والفوضى وانعدام الأمن ما اثر على تراجع العمل الخيري الإنساني وخلق أجواء لا تساعد على الاستمرار فيه سواء للعاملين أو المستفيدين.
وأضاف الدميني :" انسحاب السفارات في ديسمبر من العام الماضي توقفت كثير من الدول المانحة عن استمرار تمويل المشروعات الخيرية والإنسانية والإغاثية التي تنفذها باليمن"، مشيرا إلى أن العمليات العسكرية التي يشنها التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن، جاءت لتعزز حالة الجفاف التي أصابت القطاع الإنساني داخل اليمن، مشيرا إلى أن ذلك بسبب إجراءات الحوثيين الغير مسؤولة وهم من يتحمل ذلك.
وقال أنه "كان من المفترض على جماعة الحوثي تجنيب هذا القطاع من مظاهر الحرب والعنف التي شنوها على المجتمع وحملات التضييق التي مارسوها، لأن تلك الجمعيات تمارس عملها في وضح النهار، وتقوم بواجبات هي من صميم عمل الدولة، لكنها تخلت عن تلك المسؤولية، واضطلعت تلك الجمعيات بها".
ونوه إلى أن تلك الجمعيات، تقدم خدمات إنسانية متعددة لشريحة واسعة من الفقراء والمحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة الذين يتزايد عددهم يوما بعد آخر، والذين أصبحوا، بحسب الدميني، يقتاتون مما تهبهم تلك الجمعيات والمنظمات ويعتمدون عليها كمصدر دخل ثابت في حياتهم.
وأشار إلى أن الحوثيين مارسوا على هذا القطاع (القطاع الخيري)، حربا ضارية حرمت الآلاف من المستفيدين من تلك الخدمات، وضاعفت معاناتهم، مؤكدا أن هذا يتناقض مع مبادئ الدين التي تحث على مساعدة المحتاج والفقير واليتيم، فضلا عن تعارضها مع القانون الإنساني الدولي، ومع ما يدعيه الحوثيين أنفسهم من مبادئ عندما قاموا بثورتهم المزعومة، حد وصفه، مشيرا إلى أنه "بدلا من مساندة هؤلاء المستفيدين حرمهم الحوثيون مما كانوا يحصلون عليه".