الرئيسية > اخبار وتقارير > ما بين تطلع العسكريين ورؤية السياسيين،، كيف ينظر لدعوات التدخل البري في اليمن؟

ما بين تطلع العسكريين ورؤية السياسيين،، كيف ينظر لدعوات التدخل البري في اليمن؟

ما بين تطلع العسكريين ورؤية السياسيين،، كيف ينظر لدعوات التدخل البري في اليمن؟

إن المتابع للطروحات والتحليلات المتعلقة بالمسألة اليمنية يجد تنوعاً واختلافاً كبيراً في كيفية معالجة الوضع اليمني والآلية التي يمكن من خلالها إنهاء النزاع القائم. هذا الاختلاف في الطرح والتحليل نابع من الخلفية الفكرية للمحللين والخبرات المكتسبة على مدى السنين كل في مجاله.

وعلى الرغم من أن هذه الطروحات والتحليلات أخذت أبعاداً متعددة وشخصت المسألة اليمنية من عدة جوانب واجتهدت بوضع الحلول التي من الممكن اتباعها لإنهاء الأزمة اليمنية، إلا أن هناك طرحين رئيسيين غلبا على المشهد الإعلامي نتيجة قدرتهما على تبرير طرحهما واكتسابهما أرضية مؤيده تختلف في حجمها. ويتمثل هذان الطرحان في: 1) التدخل العسكري برياً؛ 2) الحلول السياسية... وإذا ما أردنا أن نعرض لرؤية كل فريق من هذين الفريقين والمبررات التي تُساق للدفاع عن وجهة نظرهما، فسنجد أن هناك تبايناً شاسعاً بين الفريقين لا يمكن عمل تقارب بينهما. وسنأخذ كل طرح من هذه الطروحات على حدة لنتبين مدى التفاوت بينهما.

الرأي الأول: التدخل العسكري برياً. يرى أتباع هذا الطرح -ومنهم عسكريون سابقون- بأن المسألة اليمنية لن تحل إلا بأن تقوم قوات التحالف الدولي بالتدخل العسكري برياً سواءً جزئياً أو بشكل موسع. ولقد بنى أصحاب هذا الطرح العسكري رؤيتهم بناء على: 1) أن الضربات الجوية التي تقوم بها قوات التحالف الدولي "عاصفة الحزم" لن تستطيع أن تحقق أكثر مما حققت من نتائج والتي تمثلت في تحييد للقدرات العسكرية الجوية والدفاعية للمليشيات التابعة لجماعة الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح. 2) أن التدخل العسكري برياً سوف يعزز الاستفادة من الضربات الجوية التي تقوم بها قوات التحالف الدولي "عاصفة الحزم" بحيث تقوم القوات البرية بفرض الأمر الواقع على الأرض التي يتم فيها ضرب مليشيات جماعة الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح.

3) أن التدخل البري سوف يقضي على الأماكن التي تتحصن فيها المليشيات ويتم تحييدها تماماً ونقلها للقوات الموالية للشرعية اليمنية.

4) أن التدخل العسكري برياً سوف يجعل الحدود السعودية آمنة من خطر مليشيات الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح بحيث لن تستهدف المدن السعودية والقرى المحاذية للحدود بعد ذلك.

5) أنه لا يمكن حسم الحروب إلا بالتدخل العسكري برياً وذلك لقدرتها على فرض الأمر الواقع وتسليم المناطق التي سوف تتم السيطرة عليها للقوات الموالية للشرعية.

6) أن التدخل العسكري برياً لن يدوم طويلاً وسوف ينتهي مباشرة بعد تحقيق الأهداف التي من أجلها تم التدخل البري.

وإذا كانت هذه الطروحات العسكرية تقوم على مبررات يمكن النظر لها باحترام خاصةً وأنها تهدف لإنهاء الأزمة اليمينة وتتطلع لإنهاء معاناة الشعب اليمني بأسرع وقت وترى بأنها أفضل طريقة لإنهاء النزاع القائم في اليمن، إلا أن الطرح السياسي الذي يأتي به بعض المحللين السياسيين يتعارض تماماً مع الطرح العسكري السابق ذكره. ولعل أصحاب الطرح السياسي بنوا رؤيتهم المتعارضة مع التدخل العسكري على عدة اعتبارات:

1) أن القوات المسلحة ما هي إلا أداة من أدوات السياسة الخارجية للدول وليست المحرك الأساسي للسياسة الخارجية. لذلك فإن استخدام القوات الجوية التي قامت بها التحالف الدولي "عاصفة الحزم" تعتبر اداة فعالة لحل المسألة اليمنية.

2) أن استخدام القوات الجوية كأداة فعالة سوف تعمل على تحييد القدرات العسكرية لمليشيا الحوثي والرئيس السابق صالح، وفي نفس الوقت سوف تستفيد منها القوات الموالية للشرعية اليمنية.

3) أن استخدام القوات الجوية سوف يوفر الغطاء الأمني للقوات العسكرية والشعبية الموالية للشرعية ويمكنها من التحرك بحرية أكبر ويوجهها للمناطق التي يمكن السيطرة عليها بأقل جهد وبوقت أقل.

4) أن التدخل العسكري برياً يحتاج غطاءً دولياً من مجلس الأمن بما يتماشى مع القانون الدولي. فعلى الرغم من أن القرار الصادر من مجلس الأمن 2216 صدر تحت البند السابع، إلا أن القرار لم يصرح بحق قوات التحالف بالتدخل العسكري برياً في اليمن. وبناءً عليه، لا تستطيع قوات التحالف أن تتدخل بقوات عسكرية برية في اليمن بأي حال من الأحوال. وفي حال تدخلت برياً سوف تعتبر قوات معتدية على السيادة اليمنية طبقاً للقانون الدولي.

5) أن التدخل العسكري برياً يتطلب دعماً شعبياً كبيراً سواءً في قوات التحالف أو في اليمن. وإذا افترضنا أن شعوب قوات التحالف تدعم قرار التدخل العسكري برياً، فكيف يمكننا معرفة توجهات الرأي العام في اليمن من التدخل العسكري برياً. فمن الممكن أن الرأي العام في اليمن يرفض التدخل العسكري برياً على الرغم من تأييده للشرعية. فالتاريخ يذكرنا بأن الشعوب لا تؤيد التدخلات العسكرية على أراضيها حتى وإن كان لصالحها.

6) أن تكلفة التدخل العسكري برياً عاليةً جداً سواءً على المستوى البشري أو على المستوى المادي. وهنا نتساءل هل قوات التحالف تستطيع تحمل التكلفة البشرية والمادية في حال تم التدخل العسكري برياً؟

7) أنه في حال تم التدخل العسكري برياً فإن الانسحاب لن يكون بالأمر السهل حيث أن تسليم المناطق التي تم السيطرة عليها للقوات الموالية للشرعية تحتاج لسنوات وليس لأسابيع أو أشهر لاعتبارات سياسية وعسكرية وادارية.

وإذا كانت هذه بعض الاعتبارات التي يطرحها السياسيون والتي تقوم في الأساس على أهمية العمل السياسي وتغليب الحلول السياسية القائمة على التفاوض والحوار بين الفرقاء السياسيين اليمنيين، إلا أن مثل هذه الطروحات تحتاج لعمل موازٍ ليجعلها أكثر فعالية. ومن هذه الأعمال التي يمكن أن تعزز الحلول السياسية:

1) سرعة تدريب عدد كبير من أبناء الشعب اليمني ليستطيعوا حمل السلاح في مواجهة مليشيات الحوثي والرئيس السابق على عبدالله صالح خاصة وأنهم يعانون معاناة كبيرة نتيجة للضربات الجوية ومنع وصول الامدادات العسكرية من الخارج.

2) أهمية استقطاب العسكريين السابقين ومن انشق عن مليشيات الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح لكي ينضموا للقوات الشعبية اليمنية ويكونوا صفاً واحداً في دعمهم للشرعية.

3) أهمية التنسيق المتقدم بين القوات الشعبية والقيادة السياسية اليمنية لكي لا تهدر الجهود العسكرية والسياسية.

4) أهمية انتقال العمل السياسي للداخل اليمني لأن ذلك من شأنه أن يعزز القوات الشعبية الموالية للشرعية ويعزز السلطة السياسية الشرعية أمام المجتمع الداخلي والدولي.

ومن الأهمية القول إن حل المسألة اليمنية يتطلب عملاً سياسياً كبيراً سواءً مع الفرقاء السياسيين اليمنين بمختلف توجهاتهم وكذلك من خلال العمل مع المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة. هذا العمل السياسي بما يتطلب من حوار ومفاوضات ومناقشات هو الطريق الأفضل للمحافظة على الأوضاع اليمنية من أن تذهب لما هو أسوأ مما هي عليه. كذلك لم تكن قوات التحالف وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تهدف في يوم من الأيام للتدخل في الشأن اليمني الداخلي ولم تكن لديها النية لذلك. ولكنها وجدت نفسها ملزمة لاستخدام قواتها الجوية مع قوات التحالف الدولي للدفاع عن الشرعية اليمنية التي طالبت المملكة العربية السعودية بالتدخل وكذلك للمحافظة على أمن وسلامة الأراضي السعودية من عدوان جماعة الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح.

وفي الختام، يمكننا القول بأنه على الرغم من أن كلا الطرحين يهدفان لإنهاء النزاع في اليمن في أسرع وقت ويتطلعان للمحافظة على الشعب اليمني وعلى الدولة اليمنية، إلا أن آلية تحقيق هدف السلام والأمن في الداخل اليمني تختلف من طرف لآخر. ولكن ما أريد التشديد عليه هو أنه يجب أن تكون الحسابات دقيقة جداً قبل اتخاذ قرار من القرارات تحسباً للتكلفة التي سوف تدفع بعد ذلك. فالدخول في مسألة معينة قد يكون خياراً تتخذه الدول، ولكن الخروج منها تتخذه الأطراف الأخرى.

د. إبراهيم بن محمود النحاس*
 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)