تماشيا مع حالة الانقسام التي تعيشها اليمن، وتماهياً مع حالة اللإستقرار التي تعيشها الدولة اليمنية بسبب وجود سلطتين تمارسان سياسة الأمر الواقع، أحدها متمسكة بالشرعية، وتعيش في المهجر، والأخرى تبسط سيطرتها على الأرض وتتجاهل كل المطالبات المنادية بإسقاط انقلابها على الشرعية .
ففي الوقت الذي يصدر رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي قرارات جمهورية بتعيينات في مراكز قيادية، يسارع الحوثيون (السلطة المسيطرة على الأرض) بإصدار قرارات مماثلة في مناصب أخرى، بل أحيانا في ذات المناصب التي أصدر الرئيس هادي تعيينات جديدة فيها.
اليوم أدى محافظان عيّنهما الرئيس هادي اليمين الدستورية أمامه في الرياض ، وهما عبدالقوي احمد عباد شريف الذي عُين بقرار جمهوري، محافظا لمحافظة صنعاء، وفضل حسن الجعدي الذين عين أيضا بقرار جمهوري محافظا لمحافظة الضالع.
وفي ذات اليوم التقى رئيس ما يسمى باللجنة الثورية العليا لجماعة الحوثي بمحافظ لحج أحمد حمود جريب ووكلاء أمانة العاصمة لقطاعات الخدمات والوحدات الإدارية والشئون المالية وتنمية الموارد ووكيل محافظة الحديدة لقطاع الوحدات الإدارية والذين صدر قرار تعيين بهم من قبل لجنة الحوثيين قبل يومين.
وفي الوقت الذي لا يزال الحوثيون يسيطرون على ثلاثة أرباع محافظات الجمهورية، ويحاولون فرض سياسة الأمر الواقع بتعييناتهم الجديدة ، لا يزال المحافظين المعينين من قبل الرئيس هادي يمارسون صلاحياتهم من أرض المهجر، ويصعب عودتهم في ظل الوضع الحالي لممارسة مهامهم في ظل سيطرة الحوثيين على الأرض، و أي عاقل يعرف جلياً أنه لا الرئيس هادي قادر أن يوصل محافظ صنعاء المعين ليمارس مهامه في المحافظة ولا الحوثي قادر أن يوصل محافظ لحج المعين من قبله ليمارس مهامه في المحافظة .
والمؤسف في الأمر أن القرارات الصادرة عن الرئيس هادي وعن الحوثيين نشرت في وكالة سبأ والفضائية اليمنية، التي انقسمت بدورها إلى قسمين، لهما نفس الرابط والشعار والتصميم، في مشهد يرسخ حالة الانقسام وتسارع نحو طريق اللاعودة بين الأطراف السياسية.
وفي الوقت الذي يستمر الحوثيون بصرف مرتبات موظفي الدولة والجهاز الإداري في العاصمة والمحافظات حيث لم تنقطع منذ سيطرة الحوثيين على السلطة،، تسعى السلطة الشرعية لفرض سيطرتها بعيداً عن التزامات المرتبات وأجور العاملين .
وبعيداً عن مدى شرعية سلطة الحوثي من عدمها، وشرعية انقلابها على الشرعية المتمثلة بالرئيس هادي،، إلا أن المواطن البسيط يرى على الواقع سلطة تمارس مهامها بكامل الصلاحية، وهو يلهث وراء احتياجاته اليومية، ويعاني الأمرّين جراء انقطاع كامل الخدمات من كهرباء ومياه وتراكم القمامة وتردي الخدمات الصحية، وحظر السفر للمرضى المحتاجين للعلاج بالخارج، بالإضافة إلى تهجير ألاف المواطنين من مناطقهم في عدن وتعز وعدد من محافظات الجنوب والوسط، فليس بالضرورة أن يطالب المواطن بالتضحية أكثر من أجل الوقوف مع الشرعية ضد الانقلاب، في الوقت الذي لم يلمس أي تحرك إيجابي من قبل السلطات الشرعية لإنقاذه من معاناته.
فالوضع حالياً، لم يختلف منذ بدء عاصفة الحزم، فلا زالت حكومة بحاح تمارس مهامها من المهجر بعيداً عن هموم المواطن ومعاناته، وفي ذات الوقت يمارس الحوثيون السلطة الفعلية على الواقع ، ويحاولون إخراج مؤسسات الدولة من الشلل الشبة الكامل الذي أصابها بإصدار قرارات إنعاشية لمحاولة استعادة هيبة الدولة التي افقدها إنقلابهم كامل بريقها ، وآخر محاولات الحوثي فرض سياسة الأمر الواقع إعلان حمزة الحوثي يوم أمس بأنهم بصدد تشكيل حكومة مع حليفهم صالح وكافة الأطراف التي مثلتهم في حوار جنيف ، إلا أن معاناة المواطن لا تزال بعيده عن أجندة الحوثيين وأصبح كل همهم هو الاستمرار في السلطة ليس أكثر.
ومع كل خطوة يخطوها كل طرف من أطراف الصراع في اليمن (السلطة الشرعية المنفية، والسلطة الإنقلابية)، تنحدر اليمن شيئا فشئيا باتجاه اللادولة، وهو ما يعني أن معالجة ما بعد الصراع، ستكون أكثر كلفة من مسألة وقف الصراع ذاته، أي أن معاناة اليمنيين ربما ستطول.