مع حلول شهر رمضان هذا العام، في أيام حزيرانية صيفية طويلة وحارة، بدأ مسلمو أميركا صيام شهرهم الفضيل، والذي قد يكون أكثر صعوبةً بالنسبة لهم، من نظرائهم في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، حيث تسود الأجواء الرمضانية، وتبطؤ ساعات العمل والدراسة.
وعن هذا الواقع، يوضح الشيخ مصطفى عمر، رئيس وحدة التعليم والتواصل في المركز الإسلامي لمقاطعة أورانج بجنوب كاليفورنيا، أنّ الصيام في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الغربية، يحمل تحديات مختلفة، ويقول لـ"العربي الجديد" "معظم الناس هنا لا يصومون، ويتناولون الطعام حولنا بشكل طبيعي. يصعب وجود تضامن من قبل المجتمع المحيط بنا، وبالتالي التحدي أمامنا أكبر. الصيام هنا يتطلب من المسلم قدرةً عالية على التحكم بالنفس".
كما أشار إلى أن في المجتمعات الغربية لا توجد مراعاة خاصة للصائمين، كما هو الحال في البلدان الإسلامية "مثلاً لو قررت الشركة التي يعمل بها موظف مسلم إقامة احتفال ومأدبة طعام، فعلى المسلم الحضور وهو صائم، لأن الشركة لن تؤجل الاحتفال لشهر آخر. كذلك الطلاب في المدارس، عليهم المشاركة بالنشاطات الرياضية، وقد يتطلب منهم ذلك الجري لأميال وهم صائمون".
ووفقاً للشيخ مصطفى، فإن المسلمين عادة ما يبدأون الاستعداد لرمضان نفسياً وجسدياً، إذ يبدأ الكثيرون منهم بالصوم أو بتناول الطعام الصحي قبل رمضان، كذلك يطلبون النصح بخصوص الأطعمة، التي يستحب تناولها خلال الشهر، والتي تساعدهم على عدم الشعور بالجوع أو العطش لفترة أطول.
وتشارك العائلات المسلمة في أميركا بكافة الطقوس التي ترافق شهر رمضان من صلاة التراويح، والإفطارات الجماعية، ووجبات السحور التي يوفرها العديد من المساجد، لا سيما في الأيام العشرة الأواخر، والتي يعتكف فيها المسلمون للمواظبة على الصلاة وقراءة القرآن وقيام الليل.
وتشارك النساء والرجال وحتى الأطفال يومياً في صلاة التراويح. إذ تمتلئ المساجد بالمصلين، خصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع. "الأمر رائع حقاً، تتراوح أعداد المصلين في مسجدنا من 400 إلى 600 مصل. وهناك أكثر من 40 جنسية مختلفة"، يقول الشيخ مصطفى.
أبو إياد، يحرص وعائلته على أداء صلاة التراويح يومياً في المسجد، ويعتبر في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ أكثر ما يميز هذا الشهر، هو مشاركة فئة الشباب بشكل كبير في صلوات التراويح والقيام، مشيراً إلى أن "أعدادهم تفوق كثيراً أعداد من هم أكبر سناً. الطاقة الشبابية تملأ المكان، فهناك العديد من البرامج والنشاطات الشبابية. كما أنه من الرائع جداً رؤية التنوع الواسع بين أبناء المسلمين من مختلف الأعراق، واللغات، والبلدان. جميعنا نصلي معاً كل يوم. إنه أشبه بقوس قزح ثقافي يصعب إيجاده في أي بلد آخر".
ويرى أبو إياد أنّ روح شهر رمضان حيث يعيش في أميركا، تتميز كثيراً عن تلك الموجودة في البلاد العربية، ويقول مفسراً "أذكر في أحد الأعوام، ترددت عمتي في زيارتي خلال رمضان، ظناً منها أنها لن تتمكن من تذوق حلاوته في أميركا. ولكن وبعد أن قضت الشهر هنا، أقسمت أنها قضت أجمل رمضان بحياتها. وعادت إلى البلاد تخبر الأقرباء والأصدقاء، عن حلاوة الشهر والإسلام في أميركا".
ويزور المساجد في أيام رمضان، شيوخ وقارئو قرآن من مكة المكرمة ومن مصر ومن مختلف أنحاء العالم، ويشرح الشيخ مصطفى، أنّ" قارئي القرآن الذين يأتون من الخارج معروفون جداً، ولديهم تسجيلات صوتية على الأقراص المدمجة (السي دي). ومن هنا، فإن أبناء المجتمع الإسلامي الأميركي يتحمسون كثيراً لسماع هؤلاء".
وتقع على عاتق المراكز الإسلامية في أميركا مسؤولية تثقيف غير المسلمين، ورفع الوعي لديهم حول شهر رمضان وفريضة الصيام التي يؤديها المسلمون. وفي هذا الإطار، تقوم هذه المراكز بمجموعة من الأنشطة من بينها، مسابقات الصوم، لتحفيز غير المسلمين على صيام يوم واحد، والحصول على جوائز ووجبات إفطار.
إلى جانب ذلك، هناك فعالية اليوم المفتوح، التي تفتح المراكز الدينية خلالها أبوابها لغير المسلمين للدخول إلى المساجد والتعرف إلى المسلمين وإلى دينهم. كذلك تزود المساجد العائلات المسلمة بسلال من الهدايا، لتقوم الأخيرة بتسليمها لجيرانها وللعائلات الصديقة من غير المسلمين، بهدف تعريف تلك العائلات بشهر رمضان المعروف بشهر الخير والعطاء والتسامح.
ولا بد من الإشارة أيضاً، إلى أنّ المراكز الدينية تعمل على إصدار البيانات الصحافية، وإجراء المقابلات الصحافية للإعلان عن بدء شهر رمضان، وتثقيف المجتمع الأميركي بقواعده وعادات المسلمين خلاله.
* العربي الجديد