على عكس ما يعتقد كثيرون كان أبناء محافظة صعدة أول ضحايا المتمردين الحوثيين الذين أذاقوهم الويلات طوال عقد ونصف العقد، وكانوا أول من اكتوى بنيران تمردهم، سواء في حالات ضعفهم أو قوتهم. ففي أوقات السلم كانت الميليشيات الحوثية تتفرغ لمعاقبة أبناء المحافظة بسبب رفضهم فكرهم المنحرف، وفي حالات الحروب كانوا يتخذونهم دروعا بشرية، ويتسببون في قتلهم.
وحين خاضت السلطات اليمنية ست حروب ضد ميليشيات الحوثي كان سكان محافظة صعدة أكثر المتضررين منها، وها هم اليوم أيضا يغادرون منازلهم استجابة لنداء قوات التحالف التي طالبتهم بمغادرة المحافظة بعد إعلانها هدفا عسكريا لقواتها. وفي كلا الحالتين فإن أبناء هذه المدينة الذين عُرف عنهم الجنوح للسلم يدفعون ثمنا باهظا بسبب صلف الحوثي واتخاذه المحافظة مقرا رئيسا ومنطلقا لتمرده.
يبلغ تعداد سكان صعدة أكثر من نصف مليون نسمة، وتقول مصادر متطابقة لـ"الوطن": إن ما يقارب ثلثي السكان نزح منها إلى محافظات ومناطق مجاورة، أبرزها محافظة عمران، فيما عجز البقية عن المغادرة بسبب الضائقة المادية التي يكابدونها كل يوم.
وليست هذه هي المرة الأولى التي ينزح فيها أبناء صعدة من ديارهم، فقد نزح الآلاف منهم طوال السنوات الماضية جراء ملاحقة الحوثيين لهم وتشريدهم، بعد أن رفضوا الخضوع لسلطاتهم الميليشاوية البعيدة عن سلطات الدولة الرسمية، ولا تزال مخيمات لنازحي أبناء صعدة في مدن يمنية أبرزها مدينة حرض، شاهدة على التنكيل الذي مارسته الميليشيات الحوثية ضد أبناء المدينة.
وتمتاز محافظة صعدة بأنها أرض خصبة تنتج مختلف أنواع الفواكه، وكانت قبلة للعاملين البسطاء وطالبي الرزق، قبل أن يقمع الحوثيون أبناءها ويحولونها إلى وكر وميدان مفتوح لاستقبال المرتزقة والمقاتلين من مختلف المناطق.
يقول نازحون في العاصمة صنعاء لـ"الوطن": "الحوثي هجرنا من منازلنا قبل سبع سنوات، ودمر منازلنا، واحتل مزارعنا، وها هو اليوم يتسبب في تهجير بقية أهلنا وإخواننا في صعدة وتدمير ما تبقى من ممتلكاتنا".
من أسماء مدينة صعدة التاريخية "مدينة السلام"، يقول النازحون إن المتمرد الحوثي حولها إلى مدينة للحرب، ومن مُنتج لأنواع الفواكه وأجودها إلى مصدر للبارود ومتفنن في القتل والتنكيل، ويقول أحدهم لـ"الوطن": "الحوثي ليس منّا ولسنا منه، ونحن براء من كل أفعاله الإجرامية".
وعلاوة على العبث الحوثي الذي طال صعدة وأبناءها فإن المتمردين يسعون جاهدين إلى تشويه سمعتها، بتصويرها على أن كل أبنائها مؤيدون له، في حين يقولون إنهم أول من وقف في وجهه ولا يزالون، وأكثر من تعرض لصلفه ونالتهم رصاصاته الغادرة.
يقول وزير الثقافة اليمني الأسبق الدكتور خالد الرويشان: "نتجاهل أنين صعدة، لأن البعض يتهمها بالوقوف وراء كل هذا الدمار وخلف كل هذا الجنون، وهذا فيه ظلمُ كبير لصعدة.. فضلا عن أنه غير صحيح تماما". وأضاف، في منشور على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك، "الحوثيون في المحافظة لا يشكلون سوى جزء من كل، وسوى غيض من فيض، ولقد تداعى إليها متمردون كثر من معظم مناطق اليمن ومن خارج المحافظة.. أقول ذلك حتى لا نظلم صعدة فنحسب كل الحوثيين منها، فقد كانت دوما أول ضحايا الحوثيين طوال السنوات التي مضت".
وتذرف دموع اليمانيين اليوم لما آل إليه الوضع في صعدة، بينما ذهب البعض للقول إن ما ابتُليت به اليمن حاليا من عدوان ليس سوى عقوبة جماعية لصمت الجميع وتجاهلهم جرائم الحوثيين في صعدة طوال 15 عاما مضت.